خلايا نائمة» في الشمال وقاتل الضابط الجمل قيد التوقيف
مَن يحمي الجيش من «الإرهاب المجهول».. المتمدّد؟
غسان ريفي
لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم السابع والأربعين بعد المئة على التوالي.
جمال جان الهاشم شهيد جديد للمؤسسة العسكرية، برصاص الحقد والتكفير وانعدام المسؤولية الوطنية.
ربطت «أم جمال» منبّه ساعتها عند تمام الرابعة فجرا. أيقظت ابنها بقبلة وبكلمات الصباح. أخذ حمامه ولم يفوّت قهوة الصباح مع الأم التي كانت تستقبله وتودعه وتنتظره بالصلوات والأدعية لهول ما كان يتراءى لها من صور.
لطالما طلبت الوالدة من ابنها أن يرتدي لباساً مدنياً ويستقل حافلة مدنية في طريقه من القبيات الى وزارة الدفاع في اليرزة، لكن جمال كان يجيبها بعناد «إذا كتب لي أن أستشهد، فليكن ببزتي العسكرية».
استقل جمال الحافلة العسكرية ووضع رأسه على أحد مقاعدها لعله يكسب ساعة نوم أو أكثر من القبيات الى بيروت، لكن رصاص الظلاميين أنهى حياته بطلقة واحدة أصابت رأسه في الحافلة التي كانت تقله على طريق عام القبيات ـ البيرة.
وكالعادة، قطعت طرق وأحرقت إطارات وأقفلت محال ومؤسسات، وشغّل السياسيون كتبة بيانات الاستنكار، لكن الحقيقة المفجعة أن كل ذلك لن يعيد جمال الى أمه ووالده وإخوته وجدته وبلدته وكل أحبته. لعنت الجدة كل السياسيين «هم يلعبون بمصير الناس، أبناؤنا ليسوا رخيصين ولن نقبل بقتلهم غدراً».
.. ومع استشهاد جمال، بات لزاماً على أكثر من 25 ألف عسكري شمالي يخدمون في الجيش اللبناني وفي سائر القوى الأمنية أن يكتبوا وصيتهم ويودعوها عند أهلهم قبل مغادرتهم منازلهم الى مراكزهم، بعدما تعرضوا خلال شهر واحد الى 7 اعتداءات مسلحة، حصدت 3 شهداء و13 جريحا.
بات على هؤلاء العزّل المعنيين بحماية أمن كل لبناني أن يبحثوا عمن يحميهم من «مجهول» يعترض طريقهم، ما دامت طرقهم وحافلاتهم ونقاط انتظارهم ودورياتهم ومراكز انتشارهم لم تعد آمنة. بات على هؤلاء ألا يأمنوا إعطاء ظهورهم لأحد، خوفاً من متربص شراً بهم هنا، أو مسلح مكلف باستهدافهم هناك.
لقد أصبح العسكريون هدفاً للإرهاب الذي يسعى عن سابق تصور وتصميم الى ضرب معنوياتهم تمهيداً لإرباك مؤسستهم العسكرية ومن ثم الانقضاض عليها وجعلها تنسحب من دورها تحت طائلة استمرار تعرضها للنار.
الأخطر أن كل شمالي، لا بل كل لبناني، بات يستشعر أن ثمة خلايا إرهابية سواء كانت نائمة أو ناشطة، تعيش بينهم وتهدد وجودهم، وهم بدأوا، لا سيما في بعض قرى عكار، سلسلة تدابير احترازية عبر إقامة سواتر ترابية ضخمة في القموعة لمنع الإرهابيين من التسلل، واعتماد «الأمن الذاتي» ليلا تحسباً لأية تحركات ممكنة، فيما الدولة تمعن في غيابها حتى عن إنارة طريق القبيات ـ البيرة، لتجعل الظلام عنصر «إغراء» وحماية للإرهابيين في آن واحد.
قد يكون سهلاً تقاذف المسؤوليات عن التهديد الأمني الممتد من عكار مروراً بالبداوي وصولاً الى طرابلس، وقد يكون سهلاً أيضاً كيل الاتهامات الى الخلايا النائمة المنتمية إلى «داعش» أو «النصرة» باستهداف العسكريين لإشعال نار الفتنة، لكن ثمة حقيقة ثابتة أن الكل مسؤول ومقصر، وربما كان بين هؤلاء شريك أو متواطئ في ما تشهده هذه المنطقة من اعتداءات.
وأياً كان المعتدي والى أية جهة انتمى، ها هم نواب الشمال، وكغيرهم من «ممثلي الشعب»، ينتظرون إخراج التمديد لمجلسهم، ولا بأس أن يمارس بعضهم لعبة التحريض السياسي بوتيرة متصاعدة ضد الجيش اللبناني بما يوفر غطاء للمعتدين، فيما الغطاء السياسي للجيش فقط «على القطعة» وعند كل حدث أو اعتداء، وبعض التيارات السياسية لا تزال تتعاطى بأضعف الإيمان مع المحرّضين من ضمن صفوفها.
أما منابر بعض المساجد والمنتديات والهيئات، فلا تزال مشرعة لأصحاب «الأجندات» المتطرفة الذين يساهمون عمداً أو عفواً، في التعبئة العامة ضد المؤسسة العسكرية.
وللحكومة نصيبها، فالتنمية غائبة والبطالة مستشرية والتسرب المدرسي على أشده، والحاضنة المضادة للتطرف تكاد تكون معدومة، فأين يكمن الأمن ومن يحمي المناطق المهمشة في طرابلس وعكار والضنية والمنية؟ فضلا عن البقاع وبعض أنحاء الجنوب والجبل؟
ولا يعفي استهداف العسكريين المنظومة العسكرية والأمنية اللبنانية نفسها عبر السؤال المتكرر عن التدابير الاحترازية لحماية بعض المناطق الحساسة، وسبل تفعيل أجهزة الرصد والمتابعة لكشف النقاب عن الخلايا النائمة، فالأجهزة التي كشفت الشبكات الإسرائيلية تباعاً، لن يصعب عليها تحديد مواقع بعض المجموعات الإرهابية التي تقض مضاجع الآمنين.
اعتداءات في طرابلس