عكار تحت وطأة الهواجس الأمنية
«الاشتباك السياسي» يحتدم.. ولا يهدّد الحكومة
لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم التاسع والأربعين بعد المئة على التوالي.
هاجس العمليات الإرهابية والاعتداءات على الجيش بقي طاغياً على المشهد الداخلي «المتصحّر» سياسياً، وسط استمرار الجفاف في المبادرات المفترضة للخروج من مأزق الشغور الرئاسي، خلافا للغزارة في أمطار تشرين التي سببت سيولاً جارفة في العديد من المناطق، خصوصا في عكار المنكوبة بفعل العواصف المناخية وضربات الإرهاب على حد سواء.
وفيما واصل الجيش تنفيذ مداهمات في بعض المناطق وأوقف عددا من المطلوبين والإرهابيين، وصلت الى المعنيين معلومات، فرنسية المصدر، مفادها أن هناك احتمالاً بأن تشن المجموعات المتطرفة هجوماً واسعاً في الشمال، انطلاقا من عكار.
وأكدت مصادر مطلعة لـ«السفير» أن الجيش يأخذ كل المعلومات على محمل الجد، بمعزل عما إذا ثبتت لاحقاً مصداقيتها أم لا، مشيرة الى أنه اتخذ كل الإجراءات المناسبة للتعامل مع أي تطور ميداني شمالا، ولتجنب مباغتته بأي شكل من الاشكال.
والقلق من خطر الإرهاب والتطرف، قاد النائب وليد جنبلاط أمس، الى جولة على منطقة عرمون ـ خلدة، حيث استشعر، عن قرب، الاحتقان المتزايد والميل المتنامي الى التسلح والأمن الذاتي، ما دفعه الى القول لأحد المتحمسين: لا مكان لكم هنا، اذهبوا للقتال مع «النصرة» في سوريا!
ووصل الى قطر المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، في إطار متابعته لقضية المخطوفين العسكريين، على ان يباشر اليوم لقاءاته مع المسؤولين القطريين الذين يتابعون هذا الملف.
وعلى وقع المخاوف الأمنية، يستعد رئيس مجلس النواب نبيه بري للدعوة الى جلسة تشريعية يتراوح موعدها بين أواخر الشهر الحالي وبداية الشهر المقبل كحد أقصى، بعدما تكون طبخة التمديد للمجلس قد نضجت.
الحكومة صامدة؟
وإذا كان الخطاب الحاد الذي القاه وزير الداخلية نهاد المشنوق في ذكرى استشهاد اللواء وسام الحسن قد أعطى مؤشرا الى تصعيد متزايد في حدة التوتر مع «حزب الله»، ربما يهزّ البنية الهشّة للحكومة، إلا أنه يبدو واضحاً أن القرار الكبير الذي انتج الحكومة الائتلافية وأحاطها بالحماية، لا يزال ساري المفعول حتى الآن، برغم كل الخضات الداخلية والتجاذبات الاقليمية، وهذا ما عكسته أجواء «حزب الله» و«المستقبل» التي استبعدت أن يؤدي خطاب حاد من هنا او هناك الى تهديد حقيقي للحكومة التي يتمسك بها الجميع، مرجّحة أن تبقى الأمور مضبوطة.
وأكدت أوساط مقرّبة من المشنوق لـ«السفير» أنه ليس في صدد فتح جبهة على الحزب، مشيرة الى انه تصرف كوزير للداخلية، وليس هناك ما يخفيه تحت الطاولة، وهو قصد من الانتقادات التي وجهها الإضاءة على مكامن الخلل في الخطة الأمنية، لاسيما في البقاع الشمالي، حيث سجلت مؤخرا 17 حادثة خطف، في وقت تبين من معركة جرود بريتال ان «حزب الله» موجود في جرود البقاع، ويستطيع إذا شاء ان يقدم التسهيلات للمساعدة في ملاحقة المطلوبين.
وأشارت الأوساط الى ان خطابه كان مدروساً ومتوازناً، لافتة الانتباه الى انه اعتمد فيه الصراحة الخالية من التجريح، مستغربة الابعاد التي أعطيت لكلمته، ومحاولة ربطها بتصاعد التوتر السعودي ـ الايراني.
وشددت على ضرورة تحقيق توازن في الاجراءات الأمنية، «إذ لا يصح ان نلاحق المطلوبين في الشمال وعرسال بينما يبقى أشهرهم في البقاع فاراً، على سبيل المثال».
وعلى الضفة الأخرى، أكدت مصادر «حزب الله» أن الحزب لا يعطّل الخطة الأمنية في أي منطقة، ولا يضع خطوطاً حمراء امام الجيش وقوى الامن، ولا يمنح حصانة حزبية لأي من مرتكبي جرائم الخطف والقتل والسرقة وتجارة المخدرات، لافتة الانتباه الى ان الجيش ينفذ مداهمات في بريتال وحورتعلا والنبي شيت وحي الشراونة، ثم يخرج، من دون ان يعترضه أحد من الحزب، أما إذا كانت توجد شكوى من ان بعض المطلوبين يلوذون الى الجرود، فليس هناك ما يمنع الدولة من ان تلاحقهم.
واستغربت المصادر ان يلقي المشنوق خطابا منحازا، من موقعه الرسمي، وبحضور ضباط مؤسسة قوى الامن الداخلي، كأنه يصادر المؤسسة ويصبغها بلونه السياسي، مشيرة الى انه ربما يحق له ان يقول ما يشاء بصفته الحزبية في «تيار المستقبل»، لكن لا يصح ان يفعل ذلك من موقعه كوزير للداخلية.
واعتبرت المصادر ان الخطة الأمنية تتعرض في حقيقة الأمر لخروقات خطيرة في المناطق التي تخضع لنفوذ «تيار المستقبل»، من طرابلس الى عرسال مروراً بعكار.