Site icon IMLebanon

الجيش يقتحم الفتنة ويحمي لبنان بطرابلس

إجهاض مخطط إرهابي في الشمال.. وقهوجي: لن نتراجع

الجيش يقتحم الفتنة ويحمي لبنان بطرابلس

غسان ريفي

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم السادس والخمسين بعد المئة على التوالي.

مرة أخرى، يجد الجيش اللبناني نفسه في مواجهة الإرهاب وجهاً لوجه، في معركة مفصلية، من شأن نتائجها أن تحمي الشمال ولبنان والمؤسسة العسكرية نفسها.

من طرابلس الى عكار، يخوض الجيش منذ أيام مواجهة شرسة وشجاعة ضد المجموعات الإرهابية التي أخرجتها عملية عاصون النوعية عن طورها، فاستيقظت خلاياها النائمة وتكشفت امتداداتها الجغرافية، وغرفة عملياتها التي تدار من «النصرة» و«داعش»، فيما أفادت المعلومات أن العماد جان قهوجي أكد لكل من يهمه الأمر، ليل أمس، أن الجيش لن يتراجع عما بدأه مهما كان حجم التضحيات.

وأتى التنوع في هويات شهداء الجيش الذين توزعوا على كل الطوائف والمناطق، ليعكس تماسكه المتين وترجمته الأمينة لتركيبة لبنان المضادة بطبيعتها لأي تطرف وتعصب، في أبلغ رد على كل الأصوات النشاز التي حاولت تعطيله باللعب على الوتر المذهبي من خلال اتهامه بإشراك «حزب الله» معه في معارك طرابلس وبحنين!

وبرغم الشهداء والجرحى الذين سقطوا في صفوف المؤسسة العسكرية، إلا أنه يبدو واضحاً أن الجيش يمسك بزمام المبادرة، من قلب الأسواق القديمة في طرابلس الى بحنين في عكار، مستفيداً من المحطات السابقة، بكل دروسها البليغة.

هذه المرة، قررت قيادة الجيش ألا تعير اهتماماً او انتباهاً لكل ما يقوله السياسيون، لأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، وها هي آثار «خدعة عرسال» لا تزال مرتسمة في الجرود حيث يتواجد العسكريون المخطوفون، والذين حاولت جبهة «النصرة» امس استخدامهم مجدداً لابتزاز الجيش وتخفيف الضغط عن المسلحين المحاصرين في طرابلس وعكار، من خلال تهديدات متلاحقة اعتبرتها أوساط «هيئة العلماء المسلمين» بأنها جدية وتتمثل بتصفية أحد العسكريين.

صحيح أن «الغطاء السياسي»، إذا توافر، يساهم في تحصين مهمة المؤسسة العسكرية وتسهيلها، لكن الجيش كما تؤكد المعلومات ماض في اجتثاث الإرهابيين من جذورهم في الشمال من دون ان يكون في وارد التراجع، متكلاً فقط على «الغطاء الناري» لوحداته العسكرية المنتشرة على الارض، وهو أبلى حتى الآن بلاءً حسناً وحقق نجاحات عملانية في الميدان، من المتوقع ان يستكملها في الساعات المقبلة.

وما يجري منذ ايام يتعدى إطار المواجهة الكلاسيكية، ذلك ان ما تكشف من خطط وسلاح وسيارات مفخخة وعشرات العبوات الناسفة، وخلايا مستيقظة ونائمة أظهر ان ما كان يُعدّ من سيناريوهات أمنية، خطير ومكلف جداً، وكان من شأنه ان يهدد مجمل الوضع في لبنان، لا في الشمال فقط.

وبالتزامن مع معركة الشمال، حاولت المجموعات الإرهابية في جرود عرسال إشغال الجيش الذي تعامل بشدة مع مصادر الاعتداءات عليه، طيلة اليومين الماضيين، كما اتخذ إجراءات وقائية في محيط بعض المخيمات الفلسطينية، وخصوصاً عين الحلوة.

إجماع سياسي على دعم الجيش

وأعطت عودة العماد جان قهوجي من اجتماع واشنطن برئاسة باراك أوباما متسلحاً بقرار دولي كبير بمحاربة الإرهاب، وتسابق عدد من الدول على تسليح الجيش لدعم مسيرته، ورفع الغطاء الإقليمي عن معظم التنظيمات الإرهابية، دفعاً إضافياً لمعركة الجيش.

وما ساهم في نجاح مهمة الجيش، دعم خطواته من قبل جميع الأطراف السياسية وفي مقدمها «تيار المستقبل»، وهو دعم لم يتوافر بوضوح في عرسال حيث الحسابات لدى الرئيس سعد الحريري مختلفة، كون الضربات التي توجه الى المجموعات الإرهابية هناك قد تصب برأيه في مصلحة «حزب الله» والنظام السوري.

أما في طرابلس ومناطق الشمال، فإن هذه المعادلة غير موجودة، إذ يعي «المستقبل» تماماً أن أي انفلات للمجموعات الإرهابية هنا سيكون على حسابه، وأنه سيكون أول المستهدفين على مستوى الحضور والدور والنفوذ، لا بل الوجود.

وعبرت عن ذلك اللقاءات التي عقدها «المستقبل» في طرابلس دعما للجيش – برغم النبرة المترددة لقلة من قياداته – بالترافق مع الدعوة الى عدم أخذ الآلاف من المدنيين بجريرة مجموعات خارجة عن القانون.

وفي إطار تداعيات أحداث الشمال، قالت أوساط سياسية مطلعة لـ«السفير» إن «تيار المستقبل» قد يتخذ قراراً بفصل النائب خالد الضاهر من صفوفه (كتلة وتياراً)، بعد تجاوزاته المتلاحقة، وأخطرها اعتراف الموقوف أحمد ميقاتي بتواصله المستمر معه.

العمليات العسكرية

ويمكن القول إن الجيش نفذ عملية متقنة ونظيفة في عاصون واصطاد كنزاً ثميناً من المعلومات بتوقيف المطلوب أحمد ميقاتي، وأجبر مسلحي الأسواق في طرابلس على الانكفاء والخروج منها لمتابعة المعركة على المحاور المعتادة في التبانة التي شهدت أمس أعنف المعارك وأقساها، فيما خرج الآلاف من المدنيين منها ليلاً، ما يشير الى إصرار الجيش على متابعة التصدي للمجموعات المسلحة.

كما أحبط الجيش أكثر من مخطط تخريبي في بحنين (المنية) بدخوله الى المربع الأمني العائد للشيخ خالد حبلص، واستمر ليل أمس في ملاحقة فلول المسلحين في مرتفعات المنطقة (ضهور بحنين القريبة من منطقة عيون السمك في الضنية)، وخاض معهم مواجهات عنيفة، فيما ارتفع عدد شهداء الجيش الى 11 شهيداً.

ولعل الأهم على هذا الصعيد، أن قرار الجيش الحازم بملاحقة المجموعات المسلحة يعزز وحدته ويقوي عصبه العسكري، في مواجهة محاولات التحريض عليه، خصوصاً من خلال بعض المنابر الدينية.

ولأن قوة الجيش لا تتعارض مع حكمته، فهو معني بعدم التساهل مع أي شكوى أو خطأ، أو أي عمل انتقامي يمكن أن يرتكب من أي عسكري، وصولاً الى طمأنة الناس وحماية أسواق طرابلس الأثرية، خصوصاً بعد تدمير الأسواق المملوكية في العديد من مدن المنطقة.

ولم تكد معارك الأسواق في طرابلس تضع أوزارها (بفعل الممر الآمن الذي فتح للمسلحين)، حتى اشتعلت محاور التبانة في معركة قاسية غير تقليدية ليس فيها هذه المرة جبل محسن، بل وحدات الجيش مع المجموعات الإرهابية التي عادت مؤخراً الى التبانة.

وبدا من الاستعدادات اللوجستية التي ترافقت مع قطع خدمة الانترنت 3G عن المدينة أن الجيش كان قد اتخذ القرار مسبقاً بتنفيذ عملية عسكرية ضد التبانة بعدما ضاق ذرعاً بالاعتداءات التي تطاله يومياً بالقنابل والرصاص منذ أشهر عدة.

وجاءت غزارة النيران التي استخدمها الجيش ضد المسلحين واستعماله المروحيات والأسلحة الثقيلة في هذه المنطقة، بمثابة إشارة الى عدم نيته التراجع في عمليته حتى تحقيق أهدافها، والتي من المفترض أن تستكمل مع انتهاء خروج المدنيين الذين نزحوا بكثافة مساءً عن التبانة.

وقالت مصادر وزارية واسعة الاطلاع لـ«السفير» إن معركة التبانة خرجت من أيدي المجموعات المسلحة المحلية الى قيادة «جبهة النصرة» التي كشفت اللثام عن تحكمها الكامل بالمسلحين.

مساع ليلية

وليلاً نجحت المساعي في التبانة في إطلاق سراح العسكري طنوس نعمة الذي اختطف أمس الأول من قبل مجموعة مسلحة، فيما بقي مصير المعاون فايز عموري مجهولاً وسط تأكيدات من فاعليات التبانة بأنه ليس مختطفاً لدى أية مجموعة مسلحة في المنطقة.

وعلمت «السفير» أن الاتصالات نشطت طيلة الليل بين القيادات السياسية والأمنية من جهة ومشايخ ووجهاء التبانة من جهة ثانية، لتجنيب المنطقة مزيداً من الدماء والدمار، عبر إخلاء المسلحين الأحياء التي يتحصنون فيها، ودخول الجيش اللبناني الى كل المنطقة من دون أية مواجهات، ومداهمة مصلى عبد الله بن مسعود ومنزلي أسامة منصور وشادي المولوي، على أن يواصل مهمته في البحث عن المطلوبين ومصادرة الأسلحة التي قد يعثر عليها.

وأشارت المعلومات الى أن تجاوباً كبيراً أبدته كل الأطراف المعنية، وأن اجتماعاً عقد بهذا الخصوص في مقر مخابرات الجيش اللبناني في القبة وضم العميد عامر الحسن ومشايخ وفاعليات التبانة، لوضع اللمسات الأخيرة على هذا الاتفاق.

وعلى الرغم من كل التفاؤل الذي ساد أجواء المفاوضين، إلا أن البعض بقي متحفظاً خشية دخول أطراف متضررة لإفشال هذه المبادرة.

وفي ساعة متأخرة من ليل أمس، أعلنت وكالة «الأناضول» التركية أنها حصلت على صور حصرية، للعسكريين اللبنانيين الأسرى لدى «جبهة النصرة». وقال مصدر قيادي في «النصرة» للوكالة «إن العسكريين اللبنانيين الأسرى لدى الجبهة في منطقة القلمون على الحدود السورية اللبنانية، وجهوا اليوم (أمس)، رسالة إلى اللبنانيين، سيتم بثها عبر شريط فيديو غداً (اليوم)، يحذرون فيها من أن حياتهم مرهونة بوقف الجيش اللبناني لـ«الحملة ضد أهل السنة».

(*) «السفير» تنشر على موقعها الالكتروني (www.assafir.com) الصور التي عممتها «النصرة» عبر وكالة «الأناضول».