إحباط هجومين إرهابيين لـ«جماعة الأسير» في صيدا
الشمال يلملم جراحه: الجيش يربح معركة في حرب
لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم السابع والخمسين بعد المئة على التوالي.
وأخيرا.. قال الجيش «كلمته المرقطة» في طرابلس وعكار، لكن حماية الإنجاز لا تقل صعوبة عن تحقيقه، وبالتالي فإن الأيام المقبلة وحدها كفيلة باختبار مدى متانة التحول الذي طرأ على وضع الشمال.
ربح الجيش حتى الآن رهانه على قوته وتماسكه، فأمسك إلى حد كبير بالأرض، وفرض إيقاعه على السياسيين الذين استعادوا حجمهم الحقيقي هذه المرة، عندما قررت المؤسسة العسكرية أن تحسم أمرها، وترفض منطق التسويات الذي أساء إلى هيبتها في أكثر من مكان.
بعد سنوات من الاستنزاف لأهالي طرابلس، خصوصا في باب التبانة والأسواق الداخلية التي كانت رهينة المجموعات المتطرفة، تمكن الجيش من أن يحسم حربا طالت، وأن يحرر عاصمة الشمال من سطوة المسلحين، فكانت كلفة يومين من القتال، على ارتفاعها، أقل وطأة من فاتورة العبث اليومي المزمن بالأمن.
إن «الجراحة الدقيقة» التي أجريت لطرابلس بمبضع المؤسسة العسكرية يجب أن تُعمَّم على كل المناطق التي تشكو من خلل أمني، أو من تسرب للتطرف التكفيري المفخخ، مع الإشارة إلى أن هناك ثغرة وحيدة في مشهد النهاية للمعاناة الطرابلسية، وهي أن إثنين من أبرز المطلوبين وهما شادي المولوي وأسامة منصور تواريا عن الأنظار مرة أخرى، وأفلتا حتى الآن من قبضة الجيش في تكرار لسيناريو هروب شاكر العبسي من مخيم نهر البارد والشيخ أحمد الأسير من عبرا، ما يطرح تساؤلات حول هذا السر المتنقل.
إنقاذ صيدا
وبينما كان الجيش «ينظف» أسواق طرابلس وبساتين عكار من بقايا المجموعات الارهابية، كانت مخابراته في صيدا تحقق إنجازا أمنيا نوعيا أجهض مخططا خطيرا لشن هجومَين إرهابيَّين فجر أمس الإثنين: الأول على «مجمع فاطمة الزهراء»، والثاني على مركز مخابرات الجيش عند ميناء صيدا مقابل المدينة القديمة.
وقالت مصادر أمنية واسعة الاطلاع لـ«السفير» إن خلية تتبع للشيخ المتواري أحمد الأسير، مكونة من لبناني من آل سليمان وثلاثة سوريين، تقف وراء هذا المخطط، موضحة أنه تجري ملاحقتها، وأن المداهمات التي نفذها الجيش في الأسواق القديمة لصيدا أفضت إلى توقيف المدعو أنور أ.، وهو والد مطلوب موجود في مخيم عين الحلوة.
وأوضحت المصادر أن فلسطينيا على علاقة بأحد عناصر الخلية الإرهابية سلم نفسه إلى الجيش.
وتفيد المعلومات أنه كان سيتم تنفيذ الهجومَين في توقيت واحد عند الرابعة فجرا، على أن تنقسم المجموعة المنفذة إلى مجموعتَين تتألف كل منهما من شخصين.
ونفذ الجيش مداهمات استباقية للأماكن التي كان سينطلق منها الإرهابيون في صيدا القديمة، وفي محيط حسبة صيدا، وصادر قذائف «آر بي جي» وعبوات ناسفة.
في هذه الأثناء، نجحت الاتصالات المتعددة الأطراف في ثني «جبهة النصرة» عن قتل أحد الجنود المخطوفين لديها، بالتزامن مع العودة القريبة للمفاوض القطري لاستئناف وساطته.
وعلمت «السفير» أن تنظيم «داعش» طلب أمرا يبدو أن بمقدور الدولة اللبنانية التجاوب معه، من دون أن يمس «ثوابتها».
وفيما بحث الرئيس نبيه بري مع السفير الأميركي ديفيد هيل أمس في وضع الشمال، قال بري لـ«السفير» إنه يُسجل للجيش نجاحه في اجتثاث المجموعات الإرهابية في طرابلس وعكار من دون مساومة أو تفاوض، لافتا الانتباه إلى أن الجيش اللبناني هو من بين الجيوش القوية في المنطقة، لكن ينقصه العتاد والعديد الكافيان.
وعُلم أن بري أبلغ هيل أن هناك اعتراضات لبنانية كثيرة على توجهات مؤتمر «اللاجئين السوريين» المنعقد في برلين، بدءا من تسميته لأن هناك فارقا كبيرا في المعنى والدلالات بين مصطلحَي اللاجئين والنازحين، مؤكدا أن لبنان سيصر على اعتماد الورقة التي أعدها.
إلى ذلك شدَّد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله على أن المسؤول الأول عن وقف انتشار الفكر التكفيري هو السعودية، وطائرات التحالف الدولي لن تستطيع وقف انتشاره.
واعتبر في كلمة له خلال إحياء المجلس العاشورائي، أمس، أن «التكفيريين يقدمون نموذجا مشوّهاً للإسلام»، داعيا إلى إقفال أبواب المدارس التي تُخَرِّج أتباع الفكر الداعشي، «وليس صحيحا أنه في مواجهة هذا التيار يجب اللجوء إلى الأمن والخيار العسكري فقط».
التبانة «تتحرر»
وبالعودة إلى طرابلس، أفاد مراسل «السفير» غسان ريفي أن سيناريو النهاية لمعركة التبانة في طرابلس لم يختلف كثيرا عن سيناريو نهايات المعارك السابقة في مخيم البارد وعبرا والأسواق الداخلية وبحنين وغيرها، لجهة تواري مسؤولي المجموعات المسلحة عن الأنظار، وهروبهم من المربعات التي يتحصَّنون فيها إلى جهات مجهولة.
وطرح ذلك، تساؤلات عدة حول أوجه الشبه بين تلك المعارك، وإخراجها على طريقة أفلام «الأكشن» بهروب «البطل» فيما يسقط كل من معه بين قتيل أو أسير.
وبغض النظر عن السيناريو والإخراج، فإن العملية العسكرية التي شنها الجيش على المجموعات الإرهابية في التبانة، شكلت نقطة مفصلية في تاريخ هذه المنطقة التي يبدو من الإجراءات المشدَّدة الاستثنائية التي يتخذها الجيش، أنها ستكون منزوعة السلاح إلى أجل غير مسمى، خصوصا أن الجيش دخل إلى مناطق في التبانة للمرة الأولى، وباشر مداهماته بحثا عن مطلوبين ومخازن أسلحة.
ومن المؤكد أن الجيش نجح من عاصون إلى أسواق طرابلس والتبانة وصولا إلى بحنين في تدمير البنى التحتية للإرهاب في تلك المنطقة، وفي قطع أوصال المجموعات المسلحة، التي أظهرت مخططاتها وتجهيزاتها العسكرية أنها كانت تسعى إلى التواصل أمنيا في ما بينها، وترجمة ذلك بالسيطرة على أكبر مساحة ممكنة تكون ملاذا للإرهابيين.
وصَبَّتْ نتائج العملية العسكرية في طرابلس، بالدرجة الأولى، في مصلحة المدينة وأهلها الذين كانوا ينتظرون هذه الجدية قبل عشرين جولة عنف.
ويمكن القول إن هذه العملية جاءت بمثابة التطبيق الفعلي للخطة الأمنية، في وقت تأكد أن طرابلس ليست بيئة حاضنة لأي مجموعة إرهابية، أو لأي أعمال مشبوهة يمكن أن تطال هيبة الدولة، الأمر الذي تُرجم بالاحتضان الشعبي الطرابلسي للمؤسسة العسكرية التي خاضت وحداتها معاركها في المدينة بظهر محصن.
وكان الجيش قد دخل فجر أمس إلى التبانة، بعد الهدنة الإنسانية التي أعطاها، وبعد الجهود السياسية والدينية التي ترافقت مع تحرك للمشايخ ووجهاء التبانة، وأسفرت عن إطلاق العسكري طنوس نعمة الذي اختطف من قبل مجموعة أسامة منصور.
وتحركت الآليات العسكرية في اتجاه ساحة الأسمر ومنها إلى البيكاديللي، والأهرام وستاركو، وسوق الخضار وصولا إلى مصلى عبد الله بن مسعود، من دون أي مقاومة أو أي ظهور مسلح.
واكتشفت الوحدات العسكرية أكثر من عبوة ناسفة زنة كل منها عشرة كيلوغرامات من المواد الشديدة الانفجار ومجهزة للتفجير عن بعد، مزروعة في محيط سوق الخضار والمصلى، سارعت فرق الهندسة إلى تفكيك بعضها وتفجير بعضها الآخر.
وبعد التأكد من خلو المنطقة من المتفجرات، بدأ الجيش يسير دوريات راجلة في تلك الشوارع تمهيدا للقيام بالمداهمات، فدخلت الوحدات العسكرية مصلى بن مسعود، ومنازل أسامة منصور وشادي المولوي وطارق خياط، وغيرهم من المسلحين من دون العثور عليهم، وصادرت كميات من المتفجرات والقذائف الصاروخية والأسلحة الرشاشة والذخائر. كما عثر على معمل لتصنيع العبوات الناسفة.
ونفت قيادة الجيش في بيان لها حصول أي تسوية مع المجموعات المسلحة، مؤكدة أن كل ما قيل يدخل في إطار الاستغلال السياسي لبعض السياسيين المتضررين من نجاح الجيش السريع والحاسم في استئصال هذه المجموعات التي طالما أسرت مدينة طرابلس وعاثت فيها تخريبا.
وكان واضحا من نزوح عشرات الآلاف من أبناء التبانة، أن ثمة قناعة ترسخت لدى الجميع بأن الجيش لن يتهاون هذه المرة، ما أدى إلى حالة رعب لدى المجموعات المسلحة التي استغل بعض عناصرها الهدنة للخروج مع المدنيين، وكان مصير بعضهم التوقيف من قبل الجيش وبينهم سوريون.
وفي بحنين واصل الجيش تعقب المسلحين في المرتفعات، في حين أعيد فتح الأوتوستراد بين طرابلس وعكار وتفقد الأهالي ممتلكاتهم، وأفيد ليلا عن ملاحقة الجيش لمجموعة مسلحة في ضهور بحنين.
اعتراف الميقاتي
وفي سياق متصل، اعترف الموقوف أحمد الميقاتي أنه كان يسعى عبر مجموعاته إلى احتلال قرى: بخعون عاصون سير الضنية بقاعصفرين كونها غير ممسوكة أمنياً بما فيه الكفاية، تمهيدا لإعلانها منطقة آمنة ورفع رايات «داعش» فوقها ومبايعة «أبو بكر البغدادي».
وأقر بأن هذه الخطوة كانت ستترافق مع أعمال أمنية في مدينة طرابلس ومحيطها، على أن يكون ذلك مرحلة أولى من مخطط أكبر يقضي بربط القلمون السورية بالساحل اللبناني. وأشار إلى أن كلا من شادي المولوي وأسامة منصور يعلمان بهذا المخطط الذي كان من المفترض البدء بتنفيذه بعد حوالي الشهر من تاريخه.