IMLebanon

«عهد جديد» للعلاقات بين واشنطن وطهران

السعودية تشاغب.. وتركيا «تحارب».. وسوريا ضمن الصفقة

«عهد جديد» للعلاقات بين واشنطن وطهران

كتب المحرر السياسي:

في الخامس والعشرين من تشرين الثاني، قد تتبدل معادلات تاريخية حكمت العلاقة الإيرانية ـ الأميركية منذ انتصار «الثورة الخمينية» قبل 35 عاما. لن يكون مفاجئا أن يختفي من طهران شعار «أميركا الشيطان الأكبر» ولا أن يمحى في واشنطن اسم إيران من «محور الشر»!

تتقاطع المعلومات الديبلوماسية الواردة من مصادر غربية عدة أن إيران والولايات المتحدة تتجهان في 24 تشرين الثاني المقبل، إلى التوقيع على اتفاق نووي غير نهائي، من شأنه أن يؤدي إلى تطبيع العلاقات بين البلدين، على أن تتكثف اجتماعات الخبراء في الأسابيع الثلاثة الفاصلة عن هذا الموعد، من أجل تذليل أمور محددة لا سيما ما يتعلق بالنفط والعقوبات، إذ يتمسك الإيرانيون بالسماح لهم بتصدير كمية النفط التي ينتجونها، مقابل غض نظرهم عن بقاء العقوبات سارية إلى حين إبرام الاتفاق النهائي.

وبمعزل عن التفاصيل التقنية التي رافقت كل جولات التفاوض المكوكية، بدا واضحا في الأشهر الأخيرة، أن الجانبين اتخذا قرارا إستراتيجيا بضرورة التوصل إلى اتفاق ما، وانخرط المفاوضون في جدول أعمال بنقطة محددة ووحيدة على هذا الأساس، وهذه النقطة كانت مثار جدل في أكثر من مكان.

فالأميركيون كانوا يأملون، ومعهم بعض العواصم الإقليمية، أن يترافق إبرام الاتفاق النووي مع تفاهمات تشمل ملفات إقليمية، وتبدت في أوقات معينة بعض المناخات الإيرانية المتحمسة للسير في هذا الاتجاه، قبل أن يصدر «الأمر» من مرشد الثورة السيد علي الخامنئي إلى وزير الخارجية محمد جواد ظريف برفض البحث في الملفات الإستراتيجية غير الملف النووي.

هذه النقطة تحديدا مدار مفاوضات بين واشنطن والرياض التي كانت قد طلبت من الأميركيين (خلال زيارة باراك أوباما الأخيرة إلى السعودية) اطلاعها على مسودة الاتفاق قبل إبرامه، وأن يكون هناك فاصل زمني لـ«الأخذ والرد»، خصوصا في ظل تمسك القيادة السعودية بوجوب وضع الملفات الإقليمية على الطاولة، من سوريا إلى اليمن مرورا بالعراق ولبنان والبحرين وأمن الخليج، وفي المقابل، ضغط اميركي شديد على السعودية للتكيف مع «الواقع الجديد».

العلاقة السعودية الايرانية

واللافت للانتباه أنه في موازاة ذلك، وجّه السعوديون في الأيام الأخيرة دعوة رسمية لوزير خارجية إيران لزيارة المملكة، تاركين له أن يحدد «الوقت المناسب» عبر القنوات الديبلوماسية بين البلدين، وكان الجواب الإيراني الأولي ايجابيا، في انتظار تحديد جدول الأعمال والموعد، من دون إغفال حقيقة تنامي مناخ الحذر في طهران من الموقف السعودي في ضوء تجربتين متتاليتين:

الأولى، عندما زار مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية حسين أمير عبد اللهيان جدة. والثانية، عندما اجتمع محمد جواد ظريف بنظيره السعودي سعود الفيصل في نيويورك. في الاجتماعين، كان الموقف السعودي ايجابيا أكثر من المتوقع، لكن لم تكد تمضي أيام حتى انقلب الموقف السعودي، بدعوة الفيصل، «إيران لإنهاء احتلالها لسوريا والعراق واليمن»!

ويؤكد الشكوك الإيرانية إقدام السعوديين على خفض سعر برميل النفط في الاسواق العالمية، وهي الخطوة التي فسّرها المراقبون بأنها موجّهة بالدرجة الأولى ضد طهران وموسكو، فيما قال مرجع لبناني سابق عاد من جولة خارجية، إن الخطوة السعودية «موجهة ضد إيران وأميركا في خضمّ التفاوض النووي»، كاشفا أن موفدين إيرانيين سيجولون في عدد من عواصم المنطقة، وبينهم رئيس مجلس الشورى علي أكبر لاريجاني الذي سيصل إلى بيروت قريبا.

هذه الرغبة الأميركية بالتوصل إلى اتفاق مع الإيرانيين، تحمل في طياتها أبعادا كثيرة، تؤكد ارتباطها بالمناخ الدولي الذي يعيد التذكير بمناخات «الحرب الباردة» (يكفي التدقيق في اللقاء العاصف بين فلاديمير بوتين والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وما تضمّنه من وقائع لم يكن في مقدور الناطقين الرسميين تجاوزها، خصوصا في الملف الأوكراني).

وهنا، تنبري وجهة نظر أميركية تدعو إلى اجتذاب الإيرانيين ومحاولة إخراجهم من «المحور الروسي» ربطا بالتطورات الدولية المتسارعة، فضلا عن حاجة أوباما إلى تتويج عهده الثاني بـ«انجاز تاريخي» (التطبيع مع إيران).

وفي المقابل، وبرغم «تغنّي» الإيرانيين بالانجازات الداخلية والإقليمية التي حققوها في مرحلة الحصار، إلا أنه يصعب عليهم تجاوز حقيقة أن ما بعد «داعش» في المنطقة، ليس كما قبله، فضلا عن صعوباتهم الاقتصادية والمردود السلبي للاشتباك السني ـ الشيعي، في عدد من ساحات المنطقة، وخصوصا في سوريا والعراق، حيث اقتنعت طهران باستحالة انتصار النظام مثلما صار مستحيلا إسقاطه، الأمر الذي يستوجب مقاربة جديدة للتسوية أساسها توسيع قاعدة المشاركة السياسية.

رسائل اميركية الى دمشق

يتحرك الأميركيون باتجاه إيران وهم بعثوا برسائل تطمين إلى النظام السوري، من تحت الطاولة، مفادها أن بقاء الرئيس بشار الأسد، صار وراء ظهرهم، أي أنهم تجاوزوا الأمر، وهم معنيون بالبحث مع الروس وباقي الأطراف الإقليمية الفاعلة بتسوية تتيح انعقاد مؤتمر جنيف مجددا والخروج منه بنتائج واضحة.

وحذا البريطانيون حذو الأميركيين، وهم أبلغوا كل الدول المنخرطة في إطار «التحالف الدولي» ضد «داعش» أن خيار الغارات الجوية لن يكون كافيا لمنع تمدد «الدولة» ولا القضاء عليها، وبالتالي لا بد من عملية عسكرية برية خاطفة، لكن بشرط أن يكون النظام السوري شريكا فيها.

يريد الغربيون من خلال هذه التطمينات ضمان انخراط النظام بطريقة «أكثر فاعلية»، في الحرب ضد «داعش» وهم يحاولون تهدئة روع بعض الشركاء الاقليميين الذين يتمسكون بخيار اسقاط الأسد، وثمة دور يلعبه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي زار موفد باسمه العاصمة السورية مطلع الشهر الحالي، ومن المفترض أن يتوجه اللواء علي المملوك الشهر المقبل الى القاهرة لاستكمال المباحثات الهادفة الى البحث جديا في مشروع مصري يهدف الى قيام محور عربي نواته مصر وسوريا والسعودية، في مواجهة المحور التركي ـ القطري.

ويبدو أن الايرانيين ليسوا بعيدين عن هذه المباحثات، وهم تبادلوا الكثير من الرسائل مع العاصمة المصرية وابدوا تفهمهم لموقف النظام المصري وحاجته الى استثمارات ومساعدات خليجية بعشرات مليارات الدولارات للاقتصاد المصري في هذه المرحلة الانتقالية.

الموقف التركي

ولعل العامل الأكثر اثارة للأسئلة هو الموقف التركي من أحداث كثيرة في المنطقة، ابرزها الموقف من سوريا في ظل التمسك بشعار اسقاط النظام واقامة «المنطقة العازلة»، من دون اغفال البصمات التركية الواضحة في أصل قيام «دولة داعش» على جزء من الأراضي العراقية والسورية.

واذا كان «ثمن» جلوس هذا الطرف الاقليمي أو ذاك الى مائدة الحرب الدولية ضد «داعش» صار واضحا الى حد كبير، فان الأتراك يعتبرون أن الأثمان المعروضة عليهم لا تفي بمنظومة مصالحهم. هم يطالبون بـ«تلزيمهم» الملفين السوري والكردي، ولكن الجواب من أكثر من عاصمة دولية واقليمية أن هذا السلوك التركي سيؤدي الى امتداد الحريق الى الداخل التركي وبدء العد العكسي لانتهاء «الظاهرة الأردوغانية».

ولقد استُفزّ السعوديون اكبر استفزاز عندما بلغهم قول رجب طيب أردوغان بصريح العبارة «أنا حامي السنّة في المنطقة». هاجم السعوديين و«كيف ينامون في سرير واحد مع مصر السيسي». هاجم إيران التي «وضعت يدها على العراق واليمن، ناهيك عن نفوذها في لبنان»، وقال :«لن اقبل بأقل من ثمن إسقاط نظام الأسد في سوريا».

الأميركيون ينظرون بريبة الى ما يسمّونه «تمرّد اردوغان». طلبوا من الفرنسيين أن يمارسوا نفوذهم لدى القيادة التركية من أجل تذليل شرطهم القائل بأن انخراطهم في أية حرب دولية ضد «داعش» يجب أن يكون جزءا من إستراتيجية شاملة تستهدف أيضا إسقاط الأسد. مارس الفرنسيون نفوذهم لكن رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو لم يحد عن ثلاثة مطالب حيوية: إقامة ملاذات آمنة (منطقة عازلة) في الشمال السوري (بعنوان النازحين)، إنشاء منطقة حظر طيران في شمال سوريا، تدريب عناصر الجيش السوري الحر وتوفير الخدمات والبنية اللوجـستية لهم.

قال الفرنسيون للأتراك إن المطلبين الأول والثاني ممكنان شرط توفر قرار دولي، ولكن الروس والصينيين سيمارسون حق «الفيتو». تركوا لهم أن ينفذوا الأمر الثالث، بموافقة الأميركيين، أي تدريب «الجيش السوري الحر»، لكن في ظل قناعة دولية بأن هذا الخيار «كرتوني بامتياز».

الفرنسيون يضغطون على الأتراك، وهم قلقون أكثر من أي وقت مضى لما يمكن أن يكون مدبّراً ضد القارة الأوروبية من مخاطر أبرزها احتمال قيام مجموعات جهادية عائدة من سوريا والعراق أو «نائمة» بعمل أمني كبير يجعل العالم بأسره في مواجهة «11 أيلول جديد»!