Site icon IMLebanon

عون يخلط الأوراق: الرئاسة في الرابية!

كتب المحرر السياسي:

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الحادي والسبعين بعد المئة على التوالي.

برغم «حرص» بعض الدوائر السياسية المحلية على تسريب مناخ عن حراك رئاسي في بعض العواصم الإقليمية والدولية، ربطا ببعض المواعيد الفرنسية في طهران أو البريطانية أو الفاتيكانية في لبنان، لا مؤشرات جدية عن أي خرق في جدار الفراغ الرئاسي، فيما المجلس النيابي الممدد لنفسه لولاية كاملة، بات مطمئنا إلى سريان مفعول قانون التمديد، وهو أكثر اطمئنانا إلى أن الطعن الذي سيتقدم به «تكتل التغيير والإصلاح» إلى المجلس الدستوري، لن يجد رافعة تعدل في المسارات «المكتوبة».

وفي انتظار تدشين أعمال «لجنة التسالي الانتخابية» الاثنين المقبل، حظيت المواقف التي أطلقها العماد ميشال عون، عبر «السفير»، أمس، باهتمام سياسي استثنائي، وخصوصا ما يتعلق بموقفه من الحوار مع «تيار المستقبل» ورئيسه سعد الحريري وانتقاداته الحادة للسعودية وتحديدا لوزير خارجيتها سعود الفيصل، وكذلك مبادرته إلى رفع سقف تحالفه مع «حزب الله» من حدود «التفاهم الثنائي» إلى «التكامل الوجودي».

وإذا كان عون قد حاذر أن يشهر حربه الكامنة ضد «الطائف»، فإن دعوته إلى الخروج من الواقع الدستوري المقفل، من خلال انتخابات نيابية تليها رئاسية، أو تعديل الدستور لإفساح المجال أمام انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، تم وضعها في خانة الدعوة إلى نسف النظام السياسي برمته.

وكان اللافت للانتباه، وفق المتابعين، أنه في «عز» تبادل الرسائل السياسية الإيجابية بين «حزب الله» والحريري، على قاعدة التعبير عن حاجة الطرفين للحوار، ولو من منطلقات مختلفة.. ولأهداف مختلفة أيضا، أقدم عون على إعطاء «فريق 14 آذار» مبررات علنية لإشعال حرب كانت تدور في الخفاء ضده من بيروت والرياض إلى باريس، فواشنطن والفاتيكان، وذلك على قاعدة شطبه من لائحة المرشحين لرئاسة الجمهورية.

وبرغم محاولة جبران باسيل الباهتة تخفيف مضمون هجوم «الجنرال» السياسي، عبر قوله بأن الحوار الرئاسي توقف مع سعد الحريري، لكنه مستمر في «المواضيع الوطنية»، فإن ميشال عون نجح في تثبيت نفسه مرشحا وحيدا لدى «فريق 8 آذار» ومنظومته الإقليمية حتى إشعار آخر، معتبرا أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم المضاد، بالسياسة والإعلام والطعن بقانون التمديد والدعوة إلى تعديل الدستور والتشدد في مناقشات جدول أعمال مجلس الوزراء وصولا إلى عدم تقديم تنازلات في مناقشات القانون الانتخابي العتيد.

ولم تبدد رسالة «ربط النزاع» مع عين التينة، مآخذ الرابية على الرئيس نبيه بري بأنه أعطى «القوات اللبنانية» ما لم تكن تحلم بأخذه في كل تاريخها السياسي، عندما جعل أصوات نوابها عنوانا للميثاقية اللبنانية، فهل يجوز لمن لا يمكنه بمفرده أن يأتي بأكثر من ثلاثة مقاعد أن يكون ميثاقيا، بينما من يأتي بثلاثين مقعدا يصبح لا يساوي شيئا» على حد تعبير أحد «الغيارى» في «تكتل التغيير»؟ ثم إذا كان هاجس سعد الحريري حماية منظومته المسيحية من الانهيار، «هل تكون وظيفة «فريق 8 آذار» تغطية هذا الهدف بمعناه الاستراتيجي»؟

وإذا كان «حزب الله» قد رسم، في الأيام الأخيرة، سيناريوهات كثيرة لإعادة ترميم «البيت الداخلي»، فإن مواقف «الجنرال»، فاجأته وأحرجته، في آن معا، بسقفها السياسي العالي، كونها أعطت الحزب ما لم يطلبه من «الجنرال» (التكامل الوجودي)، والأهم انها اختزلت الكثير من المسافات السياسية، لتصبح المهمة الأكثر إلحاحا هي وضع ضوابط تمنع إعادة تفجير العلاقة بين الرابية وعين التينة مجددا، خصوصا في ظل الموقف الحاسم للرئيس بري برفض أية محاولة لتشريع «القانون الأرثوذكسي».

وإذا كانت «اللجنة الثنائية» بين بري وعون قد باشرت مهامها، لترتيب العلاقة بين وزارتَي الطاقة والمال، فإن قراءة «14 آذار» لمواقف «الجنرال» بدت مختلفة كليا. هذا الفريق الذي تمكن من خلال التمديد من حفظ «كيانه الوجودي»، يعتبر أن «الجنرال» يتصرف كيائس رئاسيا، ولذلك يطلق النار في كل الاتجاهات. أكثر من ذلك، يعتبر أن مجاهرة السيد نصرالله بترشيحه لعون «أخرجت الأخير من دائرة المرشحين التوافقيين، وبالتالي، فإن المدخل الإلزامي للحوار هو التوافق على مرشح رئاسي، فهل أن الحزب مستعد للخوض في ذلك أم أنه سيتصرف معنا كما فعل في الحوارات السابقة، عندما التزم بشيء وراح إلى فعل العكس» يسأل «المستقبليون».

ثمة استشعار في «بيت 14 آذار» لمناخ إيجابي أسست له مبادرة الحريري الاستراتيجية الأخيرة، حسب تعبير وزير الداخلية، وهم يعتبرون أن رئيس «تيار المستقبل» في موقع الفعل وأن الآخرين تلقفوا مبادرته ولو متأخرين، ولذلك، فإنه ليس مستعجلا في مد اليد قبل الاتفاق على عناوين الحوار وآلياته ومتطلباته وأطره.

أما «حزب الله»، فلا شيء عمليا يستند إليه. ثمة مناخات إيجابية موجودة منذ فترة من الزمن، وقد ساهم وليد جنبلاط في ضخ معظمها، وجاءت مواقف السيد حسن نصرالله الأخيرة لكي تبني عليها وتلاقيها، غير أنها غير كافية، في انتظار مبادرات شجاعة من الآخرين.

وإذا كان البعض قد استنتج أن مواقف «الجنرال» استباقية ونابعة من تحسسه مآلات الحوار الرئاسي المحتمل بين «حزب الله» و«المستقبل»، فإن التفويض الذي حصل عليه «حزب الله» رئاسيا من عواصم إقليمية (وتحديدا عندما رد الإيرانيون على طلب الفرنسيين بالضغط على «حزب الله» رئاسيا بناء على طلب الحريري بالقول إن الملف بعهدة السيد نصرالله)، قد قرر تجييره للعماد ميشال عون، «ومن يريد أن يحاورنا في هذا الملف تحديدا، عليه أن يختصر المسافات بالذهاب مباشرة إلى الرابية» يقول أحد قياديي «فريق 8 آذار».

عندما التقى الحريري بالعماد عون في أوروبا قبل سنة، كان يضع في الحسبان جديا أن ما يمكن أخذه من «حزب الله» عن طريق «الجنرال» رئيسا في بعبدا، لن يكون بمقدور أي مرشح آخر تقديمه.

عندما قرأ الحريري كلام ميشال عون، بالأمس، شكر الله و«المملكة» وكل «المتبرعين» بالنصائح لأنه لم يمضِ حتى النهاية في «مغامرة» كان مدركا أنها لن تعطيه شيئا في الأمور التكتيكية البسيطة، فكيف بالأمور الاستراتيجية، عندما يقف زعيم الموارنة الأول في قلب كسروان ويردد بصوت عال: «انتهى التفاهم بيني وبين «حزب الله» وانتقلنا إلى مرحلة التكامل الوجودي»!