مَن يهزم مَن في الشمال: الحريري أم ريفي.. وعون أم فرنجية؟
انتخابات الجنوب: حيوية سياسية.. وانضباط أمني
كتب المحرر السياسي:
على عكس الانطباع الذي أعطي لانتخابات الجنوب، فإن الحيوية السياسية ميّزت الاستحقاق الانتخابي البلدي والاختياري، برغم طغيان اللوائح الائتلافية بين «حزب الله» و «أمل» على مجمل المشهد الانتخابي في الأقضية التي يغلب عليها الطابع الشيعي.
ولولا نداء الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله لما سجلت انتخابات الجنوب هذه النسبة من المشاركة التي تقاربت إلى حد كبير مع تلك التي سجلت في العام 2010، في ظل شمول التزكية 43 بلدة وقرية شيعية (من أصل 178 بلدية) فضلا عن حوالي 15 بلدة وقرية في باقي القرى خصوصا المسيحية والدرزية.
وانسحبت هذه الحيوية على مدينة صيدا التي شهدت تنافسا انتخابيا تقليديا استدعى زيارة «غير محسوبة» للرئيس سعد الحريري إلى المدينة، هي الأولى منذ سنوات، من أجل استثمار «النصر»، خصوصا في ضوء الندوب التي تصيب جسم «المستقبل» بفعل تراجع الخدمات وشح المال وازدياد أعداد المصروفين من «سعودي أوجيه» في السعودية والمؤسسات الحريرية في لبنان، وبينهم شريحة وازنة من مدينة صيدا.
وظَلَّلَت معركة المقعد النيابي الماروني في جزين، انتخابات هذا القضاء البلدية والاختيارية، برغم أن النتيجة كانت محسومة سلفا للنائب المنتخب أمل أبو زيد، ولم يَحُل تحالف «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» في المعركة البلدية، دون بروز منافسة من قبل اللائحة التي يدعمها ابراهيم عازار، مدعوما من «الكتائب» ومن حالات عائلية عونية عبرت عن احتجاجها في الصناديق على ظاهرة تعزز نفوذ وحضور أصحاب الرساميل والمتمولين في كل مفاصل واستحقاقات الحالة العونية في لبنان!
أما في حاصبيا، فإن ما أصاب عاصمة القضاء من «قنابل موتورة»، عشية الانتخابات، ترجم في الصناديق من جهة، وبانسحاب الحالة الأرسلانية ـ القومية من المواجهة المباشرة من جهة ثانية، ليثبت وليد جنبلاط أرجحيته في المنطقة وان تداخل الحزبي والعائلي في معظم القضاء.
ويمكن الخروج من الاستحقاق الجنوبي بعدد من الاستنتاجات أبرزها الآتي:
أولا، لم تكن انتخابات الجنوب عرسا للديموقراطية بكل معنى الكلمة برغم اتساع ظاهرة الائتلافات «الحزبية ـ الحركية» (118 ائتلافا سواء في مواجهة ترشيحات فردية أو لوائح حزبية أخرى)، بل كانت عرسا للمقاومة. ففي كل أرض جنوبية لا بل في كل بيت جنوبي، حكاية للمقاومة، من الناقورة حتى كفرشوبا، مرورا ببنت جبيل والخيام في الخط الحدودي الأمامي، ومن الأولي حتى تلة برغز مرورا بروم والريحان وإقليم التفاح.
ومن نافل القول ان الكل شارك في الانتخابات تحت سقف المقاومة، ولم يبرز أي صوت شواذ يكسر هذه القاعدة، وخصوصا اللوائح اليسارية التي خاضت المعركة بالعنوان نفسه، لكنها اكتسبت تمايزها بطرح إشكاليات من نوع آخر، ولو أن اليسار تحديدا قرر أن يتحالف أحيانا مع أحد طرفي «الثنائي» لأسباب محلية بحتة، كما حصل في عيترون وطيردبا ومعروب وغيرها، وخاض الانتخابات في 18 بلدة وقرية في مواجهة «الثنائي».
واذا كانت سجلت حوادث إطلاق نار وسقوط جرحى في محطتي البقاع وجبل لبنان، فإن انتخابات الجنوب جرت في ظل أوضاع أمنية نموذجية (ولا ضربة كف واحدة) وخطاب سياسي راق من دون أي تشنجات وخصوصا في صيدا وجزين وحاصبيا.
ثانيا، برغم القرار السياسي لقيادتَي «حزب الله» و«امل» بالائتلاف في كل المناطق التي يملكان فيها نفوذا وازنا على مستوى لبنان، بدا واضحا أن الجنوب الذي أخذ فرصته بإنضاج اللوائح أكثر من البقاع، لم يتمكن من «هضم» الصياغات الائتلافية، بدليل انفراط عقد «التحالف الثنائي» في أكثر من قرية وبلدة جنوبية، خصوصا في منطقة إقليم التفاح، مع لحظة فتح صناديق الاقتراع، فضلا عن عدم قدرة الطرفين على تفادي التشطيب لاعتبارات سياسية وعائلية ونفسية ومحلية كثيرة.
ثالثا، صار من واجب قيادتَي «حزب الله» و «أمل» أن تُخرِجا الانتخاباتِ البلديةَ والاختياريةَ في الجنوب من أسر تكريس معادلة 2004 (السنة التي خاض فيها «الثنائي» معركة انتخابية حقيقية)، وهي المعادلة النسبية التي حكمت استحقاق 2010 ثم 2016، كما صار من واجبهما، كسر المعايير العائلية التي انتقدها السيد حسن نصرالله علنا، وذلك بدعوته أولا، لإضفاء الطابع السياسي على الانتخابات، لا كما يحصل حاليا عبر تصوير «الحزبيين» كأنهم «فزاعات»، وثانيا، عبر تقديم الكفاءة على غيرها من المعايير، وهذه نقطة أضاء عليها السيد نصرالله، ولا يجوز تجاهلها في السنوات المقبلة.
رابعا، إن استخدام عنوان المقاومة، لا يمكن أن يشكل ذريعة للهروب من مواجهة استحقاقات أو عناوين أخرى، وهذه نقطة أثارها الأمين العام للحزب الشيوعي حنا غريب من بلدة حولا، عندما ناشد قيادة المقاومة بوجوب أن تقترن مواجهتها للخطرَين الإسرائيلي والتكفيري، بمحاربة الفساد والفاسِدين، «فالمقاومة ليست مجرد سلاح ولا فعلا عسكريا، بل هي إضافة إلى ذلك، مقاومة إنمائية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتربوية شاملة». وحسنا فعل أحد «المغرِّدين» المحسوبين على قيادة المقاومة، بأن سحب «تغريدة» عبر «تويتر» هاجمت غريب وتعزيته بالشهيد القيادي مصطفى بدر الدين لمجرد أنه قدم نصيحة للمقاومة تتعلق بمحاربة الفساد والمذهبية!
خامسا، صار لزاما على كل من «حزب الله» وحركة «امل» أن يجريا مراجعة نقدية وصولا إلى إنضاج تعاملهما مع باقي أطياف المشهد الجنوبي التي لا تشكل خطرا عليهما بل يمكن أن تنتج تكاملا يمكن استثماره، وخصوصا مع القوى والشخصيات اليسارية المقاومة، من «الحزب الشيوعي» الى حبيب صادق مرورا برياض الأسعد، مثلما بات مطلوبا من كل الطيف اليساري أيضا فتح الأبواب أمام مراجعة تقوده الى الأمام، ولا تبقيه أسير حنين فقط إلى ماض غابر، ولو اقتضى الأمر فقدان صلته بالواقع!
سادسا، يسجل لـ «الثنائي» أنه وبرغم اختلافه سياسيا مع قوى سياسية، خصوصا تلك التي تنتمي إلى «14 آذار»، أنه لم تسجل عليه «فاولات انتخابية»، بل على العكس، تم رصد مساحة كبيرة للتنافس فتحركت ماكينات حزبية لـ «المستقبل» و «القوات» و «الكتائب» في محافظتَي الجنوب والنبطية بحرية تامة، بينما يصعب تصور ماذا ستكون ردة الفعل لو رصدت ماكينة لبعض قوى «8 آذار» وتحديدا «حزب الله» في إحدى قرى كسروان أو البترون أو عكار!
سابعا، يسجل لوزير الداخلية نهاد المشنوق ومعه لقوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني إدارة المحطة الانتخابية الثالثة، بأفضل أداء إداري وأمني وعسكري ولوجستي، سقطت معه، معنويا وماديا وسياسيا، أية ذريعة لعدم إجراء الانتخابات النيابية في ربيع العام 2017، إلا إذا تم تقديم موعدها وهو احتمال تبدو نسبته حتى الآن صفر في المائة.
ثامنا، للانتخابات أن تستدعي مراجعة داخل «التيار الوطني الحر»، خصوصا في ضوء اتساع ظاهرة التمرد والتفكك، وآخرها في جزين، مدينة وقضاء، وهذه مسؤولية القيادة الجديدة التي فشلت في إدارة أول استحقاق تواجهه لولا تدخلات العماد عون في المحطات الانتخابية الثلاث حتى الآن.
بكل الأحوال، اليوم، هو يوم آخر، ولننتظر نتائج المرحلة الرابعة والأخيرة في الشمال وعنوانها في طرابلس: مَن يعطي شرعية للآخر في عاصمة الشمال: سعد الحريري أم أشرف ريفي، وعنوانها مسيحيا في البترون والكورة وزغرتا: مَن يتقدم على مَن شعبيا في معقل زعيم «المردة»: ميشال عون أم سليمان فرنجية؟