ابراهيم: الوضع ممسوك ولا داعي للقلق
البقاع يدفع ثمن «تخاذل» الدولة
يدخل الشغور الرئاسي عامه الثالث اليوم، ضاربا الرقم القياسي في تاريخ الازمات الرئاسية في لبنان، من دون ان تلوح في الأفق مؤشرات حقيقية الى انفراج قريب.
وفي ما يشبه التذكير بما آلت اليه أوضاع الدولة المترنحة، أتت حادثة البقاع أمس لتعيد فتح مجموعة من الجروح غير الملتئمة، دفعة واحدة:
ـ جرح اختطاف العسكريين لدى «جبهة النصرة» و«تنظيم داعش»، وما تركه من تداعيات على الاهالي وبيئاتهم.
ـ جرح إعدام عدد من المخطوفين بدم بارد ومنهم الشهيد محمد حمية.
ـ جرح الوضع غير السوّي في عرسال وجرودها وما ولّده من انعكاسات سلبية على العلاقة بينها وبين جوارها.
ـ جرح إحياء عادة الثأر المرفوضة، والتي من شأنها ان تجر الى ثأر مضاد، وصولا الى الدوران في دوامة الدم الذي يستدرج الدم، ما دامت مرجعية القانون مغيبة ومعطلة من قبل أهلها بالدرجة الاولى، وهو واقع دفع الكثيرين، ولا يزال، الى التجرؤ عليها وتصفية الحسابات بطريقة عشائرية وشخصية.
ـ جرح الدولة العاجزة والمتخاذلة التي غضت الطرف عن مطلوبين للعدالة، ومتورطين في قتل عسكريين وخطف آخرين، بل ان بعضهم كان وسيطا ومفاوضا، وبعضهم الآخر كان يروح ويجيء محتميا بمظلة سياسية او طائفية أو مذهبية، ومع ذلك هناك من طالب يوما بتسوية أوضاع هؤلاء انطلاقا من لعبة التوازنات الداخلية التي لا تقيم وزنا لمشاعر.
ومن المفيد الاشارة الى ان الشعور بـ «فائض القوة» لدى مصطفى الحجيري (ابو طاقية) كاد يؤدي الى إفشال مفاوضات اطلاق العسكريين المختطفين عند «النصرة» في اللحظة الاخيرة، بسبب إصرار الرجل آنذاك على نيل ضمانات له ولعائلته، وهو الامر الذي رفضه بشدة المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم.
لقد كان حريا بالاجهزة المختصة في الدولة، منذ البداية، ان تحمي هيبتها وتنتفض لكرامتها وتطبق القانون وتوقف كل متورط او مشتبه بتدخله في الاعتداء على جنود الجيش وعناصر قوى الامن، سواء بالخطف او القتل، ولو انها فعلت لكانت قد وفرت على البقاع، وعلى العلاقة بين عرسال ومحيطها الاختبار الصعب الذي عاشته أمس، بعد اعتراف معروف حمية، والد الشهيد محمد حمية بانه قتل الشاب حسين محمد الحجيري (ابن شقيق «ابو طاقية») ثأرا لابنه، متوعدا بالانتقام أيضا من رئيس بلدية عرسال السابق علي الحجيري («ابو عجينة») ومصطفى الحجيري وشقيقه المختار «أبو علي العصفور».
وفي الوقت ذاته، فان إهمال الدولة لواجباتها لا يبرر «خصخصة الحق»، ولا يمنح أحدا – حتى لو كان مظلوما – المشروعية او المسوّغ للحلول مكان القضاء، والاجتهاد الشخصي في اصدار الاحكام وتنفيذها، لان أي تبرير لهذا السلوك من شأنه ان يساهم في إشاعة الفوضى وتعميم شريعة الغاب، بكل ما يمكن ان يرتبه ذلك من مخاطر على السلم الاهلي، ومن بيئة مؤاتية للفتنة.
محمد معروف حمية وحسين محمد الحجيري، ضحيتان تتكاملان في المظلومية.. وتتساويان في دفع ثمن «شغور» الدولة.. فهل يتوقف جلد الذات ولحس المبرد عند هذا الحد، ام ان الضحايا سيستمرون في معاقبة أنفسهم والانتقام من بعضهم البعض، بدل ان يجمعهم الألم المشترك ويصوّب بوصلتهم في الاتجاه الصحيح؟
وتجدر الاشارة الى ان العديد من وسائل الاعلام تعامل مع الحدث البقاعي الدامي بـ «غريزة» صناعة السبق وتسجيل النقاط على المنافسين، من دون الالتفات الى محاذير هذا السباق، والتي كانت تستوجب تغطية أكثر تحسسا بالمسؤولية وبحراجة اللحظة، ولو على حساب «أفضلية المرور» الاعلامية.
ابراهيم مطمئن
الى ذلك، قال المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم لـ «السفير» انه ليس قلقا من احتمال ان تقود حادثة طاريا الى عواقب أمنية وخيمة او فتنة مذهبية، مشددا على ان قوى الجيش والامن، بكل أجهزتها، في جهوزية تامة، وهي تسيطر على الوضع.
وردا على سؤال حول امكانية تطور الموقف نحو الأسوأ إذا حصلت ردود فعل على مقتل الحجيري، اكد انه ليس خائفا من ان «يفلت الملق»، مشيرا الى ان أي ردود فعل قد تحدث، ستبقى في الاطار الفردي، ومشددا على ان العمل الذي تؤديه الاجهزة العسكرية والامنية يدفع الى الاطمئنان.
مصدر أمني
وفي سياق متصل، اوضح مصدر امني مطلع لـ «السفير» انه فور الكشف عن مقتل حسين محمد الحجيري، باشر الجيش اللبناني حملة دهم وتعقب لتوقيف معروف حمية الذي اكد مسؤوليته عن عملية القتل، موضحا ان ملاحقته تتم بمعزل عن الحيثيات والدوافع التي تقف خلف ما فعل، علما ان القضاء هو فقط المعني بالنظر فيها.
وأكد المصدر ان دم الشهيد العسكري محمد حمية امانة في عنق المؤسسة العسكرية كما دماء رفاقه الشهداء، الا ان قتل الحجيري يشكل خروجا على القانون لان القضاء وحده هو الذي يقتص من قتلة الشهداء العسكريين.
وبينما استنكر رئيس البلديّة الحاليّ باسل الحجيري الجريمة، دعا في الوقت ذاته إلى تهدئة النّفوس، مطالبا الدّولة بأن تكون أكثر حضوراً وأن تفكّ أسر عرسال وجوارها وأن تعمد إلى توقيف قاتلي الشّاب الحجيري (راجع ص 4).