تنورين والقبيات تصدمان «تفاهم معراب».. وفتفت يسقط في الضنية
مفاجأة طرابلس: ريفي يهزم «التحالف العريض»!
غسان ريفي
من الآن وحتى أيار 2017، سيصيب الملل يوميات اللبنانيين. انتهت الانتخابات البلدية والاختيارية ولا رئيس للجمهورية لليوم السابع والثلاثين بعد السبعمائة.. والحبل على الجرار.
انتهت الانتخابات البلدية ولا مجلس نيابياً يمارس صلاحياته ولو بالحد الأدنى، حتى قانون الانتخاب سيبقى عصياً على هيئته العامة، في انتظار «جنرال» الوقت الذي يبدو أنه سيضع الجميع أمام حتمية «قانون الستين».. إلا إذا ارتأى البعض أنه لم يعد يناسبه، وكل نتائج المراحل الأربع من الانتخابات البلدية تدل على أن النسبية لم تعد تناسب معظم أركان الطبقة السياسية.
انتهت الانتخابات البلدية في الشمال، وما أن تعلن نتائجها الرسمية النهائية، اليوم، حتى تتفرغ القوى السياسية لأخذ العبر والخلاصات منها، خصوصاً ببعدَيها السني والمسيحي، لما لهذين المكونَين الطائفيَّين، من حضور وازن في معظم أقضية محافظتي الشمال وعكار.
وتكفي إطلالة على النتائج الأولية من تنورين في البترون حتى القبيات في أقاصي عكار، مروراً بطرابلس والميناء والضنية، للقول إن معطيات الشمال تتبدل وتتغير بأسرع مما كان يتوقع، وبالتالي، ثمة وقائع جديدة، لا يمكن تجاهلها أو القفز عنها في السياسة والإنماء.
أسدل الستار، أمس، على استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية، مع انتهاء الجولة الأخيرة في محافظتي الشمال وعكار اللتين أقفلت صناديق الاقتراع فيهما على نسبة إجمالية تجاوزت الـ 45 في المئة.
ويمكن القول إن انتهاء الانتخابات بهدوء، يؤكد أن لا محاذير أمنية في أي من مناطق الشمال، وإن ما شهدته الفيحاء كان اختباراً ناجحاً للخطة الأمنية التي أقفلت محاور القتال قبل سنتين. وما شهدته عكار لا سيما القرى الحدودية، المتاخمة لسوريا، أكد أنها محصنة تماماً من أي تداعيات أمنية ناجمة عن الحرب الدائرة هناك.
ومن المفترض أن يؤسس نجاح هذا الاستحقاق البلدي للانتخابات النيابية في العام المقبل، والتي لم يعد هناك أي مبرر لعدم إجرائها، لا سيما بعد الجهوزية التي أبدتها وزارة الداخلية في هذا الإطار، وهي أتمت كل الجولات الانتخابية على خير ما يرام، وفي ظل الضغط الشعبي الذي يتنامى من أجل منع حصول التمديد الثالث للمجلس النيابي.
ولا شك في أن الخريطة السياسية الجديدة التي أفرزتها الانتخابات البلدية والاختيارية في الشمال وعكار سوف تتحكم بمسار الانتخابات النيابية المقبلة فيهما، لا سيما على صعيد مؤشرات تبدل موازين القوى والتحالفات المستجدة في أقضية ومناطق مختلفة.
ومن أولى هذه المؤشرات تبدل المزاج السني تجاه «تيار المستقبل» الذي تلطى خلف العائلات في كثير من المناطق التي كان يعتبرها خزاناً شعبياً له، لتلافي خوض معارك انتخابية فيها، وهو خاض معركة طرابلس بوجه وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي، من دون إغفال معاني الأرقام التي حققتها اللائحة الاعتراضية التي أطلق عليها البعض تسمية «بيروت مدينتي الشمال»، وبات أشرف ريفي يملك حقاً حصرياً باستثمار نتائجها المفاجئة لا بل الصادمة للجميع.
واللافت للانتباه أن نجيب ميقاتي تحكم بداية بمفاوضات التوافق البلدي، ومن ثم بتسمية رئيس لائحة «لطرابلس» الدكتور عزام عويضة، وكان الداعم الأكبر لها من خلال ماكينته التي ملأت عناصرها الشوارع أمام مراكز الاقتراع، في الوقت الذي انعدم فيه حضور ماكينة «تيار المستقبل»، مقابل حضور ماكينة النائب محمد الصفدي و «جمعية المشاريع» (الأحباش).
وفي الوقت الذي أشارت فيه النتائج الأولية قرابة الواحدة والنصف من فجر اليوم (200 قلم من أصل 295) إلى خرق «لائحة قرار طرابلس» المدعومة من أشرف ريفي لائحة «لطرابلس» المدعومة من التحالف السياسي، بنحو اثني عشر مقعدا على الأقل (من أصل 24)، فإن وزير العدل المستقيل، الذي توقع الفوز بغالبية المقاعد، يكون قد نجح ليس في تحريك المياه الراكدة انتخابياً في عاصمة الشمال، بل في فرض نفسه كلاعب أساسي في طرابلس لم يعد بمقدور «المستقبل» ولا زعيمه سعد الحريري ولا مظلته الإقليمية (السعودية) تجاوزه، خصوصاً في ضوء ما نسب من كلام لمسؤولين سعوديين بأنهم لن يسمحوا لريفي «بأن يرفع رأسه بعد الآن»!
ويرى بعض المراقبين أن ريفي كان مضطراً لمواجهة الحصار السياسي الذي حاول الحريري أن يفرضه عليه، وهو تمكن من استثمار كل مناخ الاحتجاج ضد «المستقبل» وإرباك قيادته وشعاراته وتراجع خدماته وتعمق أزمته المالية، بدليل أنه استدرج التحالف السياسي العريض إلى معركة مع لائحة مكتملة جاءت أرقامها لتثبت أنه لم يعد بمقدور أحد تجاهل حضوره في المدينة.
كما برزت مؤشرات تراجع «المستقبل» في الضنية حيث أشارت أرقام غير رسمية إلى خسارة اللائحة المدعومة من النائب أحمد فتفت في بلدته سير أمام لائحة رئيس البلدية الحالي أحمد علم، وإلى تقدم اللائحة المدعومة من النائب جهاد الصمد على لائحة النائب قاسم عبدالعزيز في بخعون، فضلا عن فوز لائحة محمد سعدية في دير نبوح الذي يخوض مع «المستقبل» معركة رئاسة اتحاد بلديات الضنية.
ويؤكد ذلك أن ثمة أزمة كبيرة ترخي بثقلها على «المستقبل»، قد لا تكون متعلقة فقط بشح الأموال، إنما بالتعاطي السياسي، خصوصا أن «التيار الأزرق» يحرص على التأكيد دائما بأن بديله الطبيعي كتيار معتدل هو السلفية الجهادية أو التطرف، في حين أثبتت الوقائع عكس ذلك، حيث أن نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي وفيصل كرامي في طرابلس وجهاد الصمد في الضنية كلهم من رموز الاعتدال.
ويبدو واضحاً على الصعيد المسيحي، أن ثمة معركة وجودية تخوضها بيوتات وقيادات سياسية مسيحية ضد تحالف «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» الذي يسير وفق رؤية أنه يمثل 85 في المئة من المسيحيين في لبنان، ضارباً عرض الحائط كل البيوتات المسيحية التاريخية التي أظهرت المعارك الانتخابية أمس شراستها في الدفاع عن وجودها.
ففي البترون، تمكن بطرس حرب من هزيمة لائحة «تفاهم معراب» بالكامل (ربحت لوائح العائلات في 11 قرية بترونية فيما لم يتجاوز عدد القرى التي فاز فيها تحالف «التيار و «القوات» أصابع اليد الواحدة)، وشكلت معركة القبيات، عنوان هزيمة ثانية لـ «تفاهم معراب»، إذ أظهرت النتائج غير الرسمية فوز اللائحة المدعومة من هادي حبيش ومخايل الضاهر و «الكتائب» بـ 15 مقعدا مقابل 3 مقاعد للائحة المدعومة من «القوات» و «التيار الحر».
وضربت ظاهرة حنا غريب في عكار الداعم للمرشح فادي بربر لرئاسة بلدية رحبة، نفوذ الرئيس عصام فارس في البلدة التي يترأس مجلسها البلدي مدير أعماله في لبنان سجيع عطية، والذي ترشح مجددا متحصنا بدعم فارس له، لكن الرياح جرت بعكس ما اشتهت سفن عطية فخسرت لائحته أمام بربر.
وكذلك حصّن رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية نفسه أمام التحالف المسيحي الذي خاض معاركه هذه المرة على أرضه الشمالية، ففاز مع حليفه ميشال معوض في زغرتا، وفي عدد من بلدات القضاء، في حين كانت المنافسة على المنخار في البلدات الكورانية، حيث تحالف «المردة» مع «الحزب القومي»، وفي بلدات أخرى مع «المستقبل»، وكذلك في البترون مع الوزير بطرس حرب.