IMLebanon

هكذا تسلق ريفي «جبل أخطاء» خصومه

تداعيات انتخابات طرابلس: فاضل يستقيل.. والعلويون يحتجون

هكذا تسلق ريفي «جبل أخطاء» خصومه

عماد مرمل

تكاد المراحل الاربع من الانتخابات البلدية تُختصر في طرابلس، بعدما غطى «دخان» مفاجأة اللواء اشرف ريفي على النتائج الاخرى، برغم أهمية بعضها. وحتى خسارة تحالف «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» في تنورين والقبيات بدت ثانوية قياسا الى الزلزال الطرابلسي الذي خلط، بل مزق الكثير من الاوراق.

انشغل الجميع أمس، لاسيما الخاسرون، بمحاولة تشريح الارقام، والغوص في أعماق الشارع الطرابلسي بحثا عن «الصندوق الاسود»، لعل محتواه يسهل فهم ما حصل، ويشرح اسباب السقوط المفاجئ والمدوي للائحة تحالف الاقطاب في أزقة المدينة، بعدما كان الكثيرون يعتقدون انها ستحلق بأصواتها وقدراتها على ارتفاع شاهق.

وعليه، لم تفاجئ حصيلة المعركة في عاصمة الشمال رموز اللائحة الائتلافيــة فقــط، بل فاجــأت ايضا ريفــي الذي لم يكن يتوقع ان يكتسح خصومه، على هذا النحو، بل ان طموحه تراوح أصــلا بين تسجيل رقم جيد يحفظ له ماء الوجـه بالحـد الادنى، وبين تسجيل خروقات تحفظ له بعض المقاعد في البلدية الجديدة بالحد الاقصى. وأغلــب الظــن، ان الرجل احتاج الى بعــض الوقت، قبل ان تهضم «معدته السـياسـية» انتصاره الدسـم، ويصبح جاهزا للتعامــل مع مفاعيله.

بين ليلة وضحاها، انتقل ريفي من موقع الوزير المستقيل، المنشق عن «المستقبل»، المتهم بالتهور حتى ملامسة حافة الانتحار، الصادرة بحقه «مذكرة توقيف» سياسية من «بيت الوسط».. الى زعيم سني معترف به من قبل «الامم المتحدة» اللبنانية، ورقم صعب في جدول الحساب الداخلي، لم يعد بالامكان تجاوزه او تجاهله.

والمفارقة، ان الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي خسرا على يد من ساهما في رعايته وتغذيته وحمايته وتسهيل انتقاله عبر الخط العسكري من السلك الامني الى النادي السياسي، حتى بات يصح فيهما القول بان السحر انقلب على الساحر.

سعى الحريري الى الاتيان بريفي رئيسا للحكومة قبل ان تستقر التسوية على تمام سلام، ثم خاض معركة لتثبيته وزيرا للعدل، وذهب ميقاتي في دفاعه عنه الى حد الاستقالة من رئاسة الحكومة احتجاجا على رفض قوى «8 آذار» بقاءه على رأس المديرية العامة لقوى الامن الداخلي.

لكن ريفي سرعان ما كبر وتمدد وصار ندا لمن كان يؤدي لهما التحية العسكرية.

وإذا كان كل من الحريري وميقاتي والوزيرين السابقين محمد الصفدي وفيصل كرامي و «الجماعة الاسلامية» و «الاحباش» هم الخاسرون في موقعة الاحد الماضي، إلا ان الاكيد هو ان هزيمة «تيار المستقبل» تُعتبر الاكبر والافدح، باعتبار ان طرابلس كانت مصنفة من أهم معاقله الشعبية والانتخابية، وريفي كان محسوبا عليه وله، فإذا بهما يصبحان خارج ظلال العباءة الزرقاء.

ولا يمكن فصل رسالة طرابلس الشديدة اللهجة الى الحريري عن تلك التي تلقاها في العاصمة، يوم وجهت له ارقام «بيروت مدينتي» التحذير الاول، معطوفا على مقاطعة واسعة من الشارع البيروتي للاستحقاق البلدي، ثم أتت انتخابات صيدا وما عكسته من تراجع في الفروقات بين لائحة «المستقبل» وخصومها، لتعطي إشارة إضافية الى ان الامور ليست على ما يرام، برغم النجاح.

لقد بات واضحا، ان ازمة «المستقبل» التي كانت «صامتة» قبل الانتخابات البلدية أصبحت صارخة بعدها، وان الحريري يدفع الآن بمفعول رجعي ثمن غيابه الطويل عن لبنان وعدم التقاط «راداراته» للمتغيرات التي طرأت على مزاج جمهوره، كما الجمهور اللبناني عموما، تحت وطأة الازمات المتراكمة واخفاقات الطبقة السياسية المتلاحقة.

لقد تكدست نقاط الضعف في جسم «المستقبل»، حتى غدا التحالف مع الحريري عبئا على شركائه بدل ان يكون قيمة مضافة لهم.

هذا على الاقل ما يشعر به بعض أطراف اللائحة الائتلافية في طرابلس، في أعقاب الهزيمة غير المتوقعة، وهناك بينهم من لا يخفي ندمه على المشاركة في التحالف الهجين، بعدما اكتشف انه دفع كلفة ازمة الحريري السياسية والمالية ومعركته الشخصية مع أشرف ريفي، إضافة الى كلفة الخلل في إدارة الحملة الانتخابية، ليتحول الائتلاف في نهاية المطاف من حبل نجاة الى حبل مشنقة.

وأغلب الظن، ان الرئيس نجيب ميقاتي يتحسر في قرارة نفسه على عدم استجابته للأصوات التي ارتفعت من داخل بيئته، تحضه على خوض المواجهة الانتخابية ورفض خيار التوافق، خصوصا ان استطلاعات الرأي بيّنت ان فوزه في هذه الحال سيكون مضمونا.

عشية الانتخابات، كان جبل الاخطاء قد ارتفع على كتف التحالف المفتعل، ولم يعد مطلوبا من ريفي سوى ان يجيد تسلقه، وهذا ما فعله. ولئن كان وزير العدل المستقيل سيحاول ان يطيل إقامته، قدر الامكان، فوق القمة التي أهداه إياها خصومه، إلا ان الدلالة الاخطر لما جرى تكمن في ما ثبت بالعين المجردة، وهو ان الخطاب الحاد يشكل الطريق الاقصر لكسب الشعبية وتحقيق الانتصارات الانتخابية على حساب منطق الاعتدال او الخطاب الاقل تطرفا.

وكان التنوع الطائفي في تركيبة المجلس البلدي لطرابلس من أولى ضحايا هذا المناخ، بعدما خلت من أي تمثيل مسيحي او علوي ما دفع النائب روبير فاضل الى تقديم استقالته احتجاجا، بعد اتصال طويل أجراه مع الرئيس نبيه بري الذي حاول ثنيه عن قراره. كما اتصل الشيخ أسد عاصي بالرئيس بري معترضا باسم جبل محسن على الخلل الحاصل في التوازن البلدي، ومنبها الى عواقبه.

وخلال حواره مع فاضل وعاصي، حذر بري من خطورة الانزلاق الى ردود فعل متسرعة، مشددا على انه لا يجوز التعاطي مع ما حصل في طرابلس بالانفعال وانما بالحكمة، لان المرحلة لا تحتمل أي سلوك قد يساهم في تأجيج الجمر الطائفي او في رفع منسوب التعصب.

وقال بري لفاضل: الامر لا يتوقف على عدم وجود ممثلين عن المسيحيين في المجلس البلدي لطرابلس.. ان الازمة الاكبر تتمثل في استمرار غياب رئيس الجمهورية المسيحي.. واضاف: نصيحتي لك ان تهدأ وان تدرس قرارك مليا قبل حسمه، وإذا صممت على الاستقالة، فعليك ان تقدمها وفق الاصول، علما انني في كل الحالات لن اقبلها.

كما أكد بري للشيخ عاصي وجوب ضبط النفس، لان أي تصرف انفعالي قد يعيد انتاج التوتر بين باب التبانة وجبل محسن. وتابع مخاطبا إياه: أعطوني بعض الوقت لأرى ما الذي يمكنني فعله، وإذا تبين ان الأفق مسدود، ربما نبحث لاحقا في امكانية إنشاء بلدية خاصة بجبل محسن، لكن الآن عليكم ان تتحلوا بالهدوء.

والى جانب التداعيات الفورية لزلزال طرابلس على النسيج المرهف للمدينة، هناك من يتخوف من ان تطيح هزاته الارتدادية الانتخابات النيابية المرتقبة بعد قرابة عام، خصوصا ان الحريري سيصبح اقل حماسة لها في اعقاب النتائج البلدية الصادمة له، او اقله قد تدفع النسبية الثمن ويتم وأدها، بعدما اكتشفت غالبية القوى السياسية انها ستكون قابلة للاختراق في بيئاتها.

ولكن، كيف استطاع ريفي لوحده ان يفوز على لائحة ضمت أغنياء طرابلس وأبرز قادتها السياسيين، وحظيت بغطاء سعودي مباشر، تحت «شعار ملكي» قوامه: وجوب توحيد الصف السني؟

تعددت الروايات والتفسيرات لانتفاضة الطرابلسيين على الزعماء التقليديين لمدينتهم، لكن يمكن القول ان المسح الدقيق للمعطيات، يُظهر ان جسم الائتلاف العريض عانى من الفجوات الآتية:

– نزول اللائحة التوافقية بـ «المظلة» على رؤوس ابناء المدينة، من دون تمهيد كاف ومقنع لها، يحترم عقول الناخبين ويبرر لهم كيف ان رموزها الذين كانوا خصوما ألداء على مدى سنوات أصبحوا فجأة حلفاء وأحباء، وكأن شيئا لم يكن.

– تجاهل اللائحة الخاسرة للأحياء الفقيرة في المدينة وعدم اشتمالها على أي مرشح يعكس نبض هذه الاحياء وتطلعات ساكنيها، خصوصا منطقة باب التبانة التي كانت وقود الحرب العبثية وحطبها في طرابلس، ثم عندما حان أوان الانماء جرى تهميشها، الامر الذي تفادته لائحة المجتمع المدني المدعومة من ريفي.

– الاختيار غير الموفق لبعض اسماء لائحة «لطرابلس»، علما ان أحد الشركاء في تشكيلها كان قد حذر حلفاءه من هذه الثغرة، لكنهم لم يستمعوا اليه.

– سوء التنظيم واتكال كل ماكينة انتخابية على الاخرى.

– الشعور بـ «فائض القوة» الذي انعكس استرخاء في الأداء واستخفافا بالخصم.

– غياب الخطاب السياسي المشترك والواضح للائحة التحالفية التي اكتفت بالطرح الانمائي، في حين ان اللائحة المدعومة من ريفي اعتمدت خطابا سياسيا مباشرا وهجوميا، أفضى الى شد العصب واستنفار شريحة واسعة من الشارع.

– تجاوز إرادة المكوّن العلوي في طريقة اختيار من يمثله، ما أدى الى خسارة أصوات جبل محسن.

وأبعد من هذه العوامل المحلية، يتساءل أحد أقطاب الائتلاف الخاسر عما إذا كان ريفي قد ربح بقدراته الذاتية حصرا، أم انه تلقى دعما خارجيا من جهة إقليمية ما، كما يتساءل عن سر تدفق المؤيدين لريفي على صناديق الاقتراع في الساعة الاخيرة من مهلة التصويت، ومن أدار «عملية الانزال» هذه في الوقت القاتل؟