Site icon IMLebanon

هذه رواية الحريري لـ«الأيام الصعبة»

من أزمة «أوجيه» إلى مغامرة المشنوق ومفاجأة ريفي

عماد مرمل

لم يكن ينقص الرئيس سعد الحريري سوى أن يقتحم موظفو «سعودي أوجيه» مبنى الشركة في الرياض وتحطيم مكتبه، احتجاجا على عدم قبض رواتبهم منذ أشهر، حتى يكتمل قوس السيناريوهات والاستنتاجات المتصلة بواقع علاقته مع المملكة، والتي غذتها نتائج اللواء أشرف ريفي في طرابلس ومغامرة الوزير نهاد المشنوق في تسمية الأشياء بأسمائها.. السعودية.

لعلها من المرات النادرة أو القليلة التي تصبح فيها طبيعة العلاقة القائمة بين الحريري والسعودية مادة للأخذ والرد، على هذا النحو المكشوف، في داخل بيت «تيار المستقبل» الذي أصبح بـ «منازل كثيرة».

ليس خافيا أن الحريري لم يعد مدللا في المملكة التي تغيرت أولوياتها وقيادتها، لكن ذلك لا يكفي للافتراض بأن حصانتها رُفعت عنه. ربما لم يعد «الرهان الوحيد»، إلا أنه لا يزال، أقله حتى إشعار آخر، متقدما عن الآخرين في الترتيب.

ولئن كان المشنوق قد اقتحم «المحرمات» حين حمّل القيادة السعودية السابقة المسؤولية عن القرارات الصعبة التي اتخذها الحريري في المرحلة الماضية، ما دفع رئيس «المستقبل» الى التبرؤ من كلامه، والسفير عواض علي عسيري إلى انتقاده، غير أن المتحمسين لـ «مجازفة» وزير الداخلية يؤكدون أن الرجل لم يتفاجأ بردود الفعل التي كان يتوقعها أصلا، مشيرين إلى أنه يراهن في الأساس على نبض الناس الذين يدركون بحدسهم السياسي أن ما قاله صحيح، وأن ما أخفاه أعظم.

وأبدى عسيري في مقابلة مع تلفزيون «الجديد»، استغرابه لما صدر عن المشنوق بحق المملكة وتحميله مسؤولية الفشل السياسي لقيادتها السابقة، مشيرا إلى «أن تأكيدات وصلتنا بأنه لا علاقة للرئيس سعد الحريري به، ونحن نرفض أن تكون المملكة شماعة لمن يريد أن يلومنا على شيء لم يوفق في إنجازه في بلده».

رواية «المستقبل»

ولكن… كيف يقارب «المستقبل» وقائع المحطات الملتبسة التي واجهته مؤخرا، من ملف التحالف مع السعودية إلى مخاض الانتخابات البلدية؟

يؤكد أحد المقربين من الحريري أن الموقف الرسمي لتيار «المستقبل» يعبر عنه رئيسه شخصيا، أما التمايز في الآراء أحيانا فإنما يعود إلى كون التيار ليس تنظيما حديديا، لافتا الانتباه إلى أن المشنوق اجتهد في تفسير غير دقيق لخيارات الحريري، وهو ليس وحده في هذا الإطار، بل سبقه على سبيل المثال الرئيس فؤاد السنيورة، خلال إحدى جلسات طاولة الحوار، حين طرح زيادة سعر البنزين، من دون أن يكون مضطرا إلى اتخاذ هذا الموقف، إذ لا هو رئيس الحكومة ولا وزير المال، فلماذا يتورط ويورط التيار في اقتراحات من هذا النوع؟

ويؤكد المصدر الموثوق المحيط بالحريري أن علاقة رئيس «المستقبل» مع السعودية هي ثابتة من ثوابته الإستراتيجية، برغم الأجواء الإعلامية التي توحي بأن هناك خلافا في هذه المرحلة بين الجانبين، مشددا على أن أي التباس أو سوء تفاهم يبقى تحت سقف هذه العلاقة التي لا بديل عنها.

ويضيف المصدر وقد ارتفع منسوب صراحته: نعم.. «تيار المستقبل» جزء من محور إقليمي تقوده السعودية، ومن يظنون أن تحالفه مع هذا المحور قابل للاهتزاز، نسألهم: هل تعتقدون أنه يمكن للحريري أن يبتعد عن الخط الذي تمثله السعودية أو يختلف معه كي يذهب إلى المجهول أو إلى أحضان إيران؟

وترفض الشخصية المقربة من الحريري مقاربة ارتباط «المستقبل» بالسعودية من زاوية أنه يتبع لها تبعية عمياء، مضيفة: نحن لا ننفذ أوامر أو طلبات تُملى علينا، ولا نحدد سياستنا وفق برقيات خارجية، وإن نكن نحرص على أن يحظى أي قرار نتخذه، أو اتجاه نسلكه، بمواكبة إقليمية ودولية، وللدلالة على ذلك، لا بأس من استعادة الموقف الذي اتخذه الحريري حين أقر مجلس التعاون الخليجي بقيادة الرياض عقوبات صارمة بحق لبنان، إذ تدخل الحريري يومها للتخفيف من وطأة الغضب الخليجي ولم يلجأ إلى التماهي معه، فهل هذا مؤشر إلى الخضوع أم إلى تغليب أولوية المصلحة اللبنانية على ما عداها؟

ويهزأ المصدر اللصيق بالحريري من الاستنتاجات التي افترضت أن انتصار وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي في طرابلس يندرج في سياق تمهيد الطريق أمامه كي يكون البديل السعودي عن الحريري لبنانيا، على قاعدة أن السعودية ربما تكون بحاجة إلى رجل قوي من طينة ريفي لمواجهة «حزب الله» في لبنان.

ولا يتردد المصدر في القول بأن تحميل فوز ريفي هذا المعنى، إنما هو أقرب إلى نكتة سياسية من أي شيء آخر.

ويشير إلى أن السياسة الخارجية السعودية وما تمثله من وزن في المنطقة لا يمكن أن تكون بهذه الخفة التي يتوهمها البعض، وهي إذا أرادت أن توجه رسالة ما، فلا تُوجِّهها بهذه الطريقة، وإنما لديها وسائلها لذلك، لافتا الانتباه إلى أن الحريري ليس إبن الأمس أو اليوم في السياسة، والرئيس سعد الحريري لم يحمل فقط إرث والده الشهيد رفيق الحريري، بل صنع تجربته الخاصة، وأثبت حضوره، وهو الذي فاز مرتين متلاحقتين في الانتخابات النيابية، أما الانتخابات البلدية فلها ظروفها، وريفي استفاد من نقمة شعبية على الوضع العام، واستخدم خطابا تحريضيا لدغدغة العواطف واستقطاب الأصوات، حين صوّر بأن طرابلس ستسقط في يد «حزب الله» أو «سرايا المقاومة» إذا فازت اللائحة المدعومة من التحالف العريض، من دون أن نعرف كيف أن رئيس البلدية يمكن أن يواجه أو يسهل هذا المشروع، إذا وُجد.

وتشدد الشخصية المحيطة بالحريري على أن حدود انتصار ريفي لا تتجاوز مدينة طرابلس وتحديدا باب التبانة – جبل محسن، وما حققه هو رسالة محلية لا إقليمية، ومن الخفة بمكان الافتراض بأن الناس يمكن أن تترك بيت الحريري وحيثيته المتعددة الأبعاد، حتى تمشي وراء ريفي.

ولا يقيم المصدر المقرب من الحريري وزنا لقول ريفي بعد انتصاره بأن حظوظ ترشيح سليمان فرنجية سقطت، مؤكدا أن الحريري مستمر في ترشيحه لرئيس تيار المردة، وهذه المبادرة هي الوحيدة الموجودة على الطاولة ولا يجب أن تُهمل، وما دام لم يُنتخب بعد رئيس للجمهورية فان فرنجية يبقى الإسم الأكثر جدية.

ويعتبر ان نتائج انتخابات طرابلس لا يمكن ان تسري على المعادلة الرئاسية، وأي خلط للأمور سيكون خلطا عبثيا، ولو سئل أهل المدينة عمن يفضلون إذا جرى تخييرهم بين ميشال عون وسليمان فرنجية، فهم سيختارون بالتأكيد فرنجية.

ويؤكد ان قرار الحريري بترشيح فرنجية لم يكن مفروضا من السعودية، لكنه بالتأكيد لم يلق معارضة منها، خصوصا إذا لم يكن هناك حل بديل وواقعي لدى أحد، موضحا ان رئيس «المستقبل» أطلق هذه المبادرة معتقدا انها قد تدفع في اتجاه تسهيل التسوية مع «حزب الله»، باعتبار ان فرنجية مقبول منه ومنا.

ويتابع شارحا كواليس الترشيح: عندما حصل اللقاء بيننا وبين سليمان فرنجية، افترضنا انه تكلم مع «حزب الله» ونسق معه، وفي ما بعد قيل لنا أعطونا شهرا او شهرين حتى نسوق الأمر لدى الحزب، وبالتالي نحن طرحنا هذا الخيار بكل نية حسنة، من دون ان ننفي السعي الى تأمين مواكبة خارجية له، وهذا ما تطلع اليه الحريري عندما التقى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في باريس حيث قال له: انا وسليمان فرنجية لسنا من أعز الاصدقاء، بل أختلف معه في أمور عدة، لكنني قادر على التحاور والتفاهم معه، واعتقد ان وجود رئيس نختلف وإياه يظل افضل من الفراغ، تماما كما ان وجود إميل لحود في الرئاسة برغم كل خلافاتنا العميقة كان أفضل من الفراغ..

وبالنسبة الى الحوار المستمر بين «المستقبل» و «حزب الله»، يشدد المصدر الوثيق الصلة بالحريري على انه لا بديل عن مواصلته، حتى لو انه لم يؤد حتى الآن الى نتائج باهرة، لافتا الانتباه الى ان مجرد استمراره يساهم في تنفيس الاحتقان المذهبي ويمنع الانزلاق الى حرب أهلية.

ويضيف: هذا خيار استراتيجي، خاض فيه الحريري انطلاقا من مقاييس داخلية بالدرجة الاولى، وليس بإيعاز خارجي، على الرغم من معرفته بان كلفته قد تكون مرتفعة، لانه يعلم ان هذه هي الطريق الوحيدة لحماية لبنان من أي مواجهة مذهبية قد تقوده الى المجهول.

ويوضح السياسي اللصيق بالحريري ان نتائج الانتخابات البلدية ستخضع الى مراجعة دقيقة من قبل «تيار المستقبل» لاستخلاص الدروس والعبر اللازمة، لافتا الانتباه الى ان هذا الاستحقاق كان بمثابة مناورة بالذخيرة الحية سمحت لنا بان نحدد نقاط الضعف التي تحتاج الى معالجة في جسم «المستقبل»، ومن حسن الحظ ان الانتخابات البلدية تمت قبل النيابية، لانه سيكون هناك وقت لسد الثغرات والاستعداد جيدا للاختبار النيابي الذي ستكون نتائجه مغايرة حُكما لتلك التي افرزها الاختبار البلدي.

نصيحة جنبلاط

الى ذلك، اعتبر النائب وليد جنبلاط في حوار مع «المؤسسة اللبنانية للارسال»، أن الاعتدال السني في خطر، معربا عن اعتقاده بان المطلوب شيء خارجي من ريفي لم يقم به الحريري. وتوجه الى الحريري بالقول: لا تعد الى الخطاب السابق بوجه «حزب الله» والشيعة حتى ولو لم يبق بقربك أحد.

ورأى أن هناك تحجيما للحريري، داعياً اياه الى الحذر من محيطه، ومشيراً الى أن ريفي والمشنوق لا يريدان له ان يكون الزعيم السني الأوحد في لبنان. وأوضح أن «هناك ساحة صراع ساخنة لإسقاط سليمان فرنجية والوصول الى مرشح رئاسي جديد».