«موديز»: توقعات سلبية بشأن النظام المصرفي اللبناني
«الصراع الخلوي»: من يسيطر.. تمهيداً للخصخصة؟
استعاد مجلس الوزراء أمس صخب ملف تلزيم قطاع الخلوي، الذي آثر رئيس الحكومة تمام سلام إبعاد مرّه منذ كانون الأول الماضي، على طريقة إبعاد مرّ الملف النفطي منذ ثلاث سنوات!
وبرغم أن فترة السبعة أشهر تلك كانت تنطوي على مخالفة صريحة للقانون، تتمثل بتمديد وزير الاتصالات بطرس حرب لعقدي المشغلين الحاليين «ألفا» و«تاتش» شهراً فشهراً، بالتفاهم مع سلام (منعاً لإيقاف مرفق حيوي)، ومن دون العودة إلى مجلس الوزراء، إلا أن سلام كان يأمل أن يكون الوقت كفيلاً بتهدئة النفوس تمهيداً لنقاش هادئ للملف.
الإشكال الذي حصل أمس في مجلس الوزراء بين الوزيرين بطرس حرب وجبران باسيل، أظهر أن رهان سلام كان في غير محله وأن شراء الوقت ليس هو الطريقة المثلى لمعالجة الملفات العالقة.
وعليه، ما أن وصل المجلس إلى البند الرابع من جدول الأعمال، حتى علا الصوت، على خلفية التأخير في مناقصة تلزيم مشغلّي الخلوي.
الخلاف في تفسير الاتفاق الذي أبرم في مجلس الوزراء في 29 نيسان 2015 بشأن الخطوط العريضة لدفتر شروط المناقصة ما يزال على حاله، بعد فشل المناقصة الأولى.
وإذا كان عنوان الخلاف بشأن خبرة الشركات المتقدمة يتعلق برغبة وزير الاتصالات بإدارة القطاع من قبل شركات عالمية قادرة على نقله إلى عصر التطور مقابل رغبة باسيل بإعطاء حق متساو للجميع بالدخول إلى المناقصة، من دون شروط تعجيزية، فإن خلفية الخلاف السياسي تتعلق بمصير شركة «أوراسكوم» المشغلة لـ «ألفا» تحديداً: بطرس حرب يريد إسقاط مركز النفوذ الأبرز للعونيين في قطاع الاتصالات و «التيار الحر» يريد تثبيته!
هل يمكن حل الموضوع وكيف؟
حتى الآن، لا أحد يملك الجواب، وإن كان حرب يبدي ثقته بأن المناقصة ستجري قبل نهاية العام، موضحاً أنه يمكن إجراؤها خلال شهرين. وهو طلب لذلك إذناً من الحكومة بأن يتمكن من التمديد للشركتين الحاليتين بحسب الحاجة، خلال مدة تسعة أشهر على أبعد تقدير، حيث يفترض خلال الفترة إجراء المناقصة وإنهاء إجراءات التسلم والتسليم بين الشركات.
في المقابل، وخوفاً من تكرار تجربة المناقصة الفاشلة (لم يتقدم سوى شركتين)، والتي يرى حرب أنها أفشلت بالسياسة، فقد كشف حرب لـ«السفير» عن نيته في حال أقرت المناقصة، القيام بجهد شخصي لإنجاحها من خلال جولة على مختلف الدول.
أولى الخطوات التي قام بها حرب تتمثل باقتراح تعديل دفتر الشروط بما يتيح توسيع مروحة الشركات التي يحق لها المشاركة في المناقصة، حيث دعا إلى السماح بمشاركة تجمعات الشركات (ممولة وفنية على سبيل المثال) أو فروع شركات كبرى (كان هذا الاقتراح مرفوضاً من الوزارة في المناقصة السابقة).
وفيما اشتم البعض رائحة صفقة ما تتيح دخول شركات غير مؤهلة إلى القطاع خلف ستار الشركات الكبرى، فقد أكد حرب لـ «السفير» أن الاقتراح يشترط أن تكون الشركة الفنية هي المسؤولة أمام الدولة اللبنانية عن تنفيذ العقد، ويشترط أن تكون الشركة الأم مسؤولة أمام الدولة لا الفرع، بما يضمن عدم استلام القطاع في وقت لاحق من قبل شركات غير مؤهلة.
وقد أكد الوزير محمد فنيش لـ «السفير» أنه من حيث المبدأ لا اعتراض على هذا الاقتراح، مؤكداً في الوقت نفسه أن الخلاف ما يزال قائماً بشأن سنوات الخبرة التي يفترض أن تمتلكها الشركات المتقدمة للمناقصة (يصر حرب على أن تكون الشركة المتقدمة قد شغّلت شبكة تضم 10 ملايين مشترك خلال السنوات الخمس الأخيرة، فيما يعتبر الفريق الآخر أن شرط الخبرة يتحقق من خلال تشغيل الشركة المتقدمة لشبكة تضم 10 ملايين خط في أي من تلك السنوات).
كما رفض فنيش اتهام حلفائه بالسعي إلى عرقلة المناقصة في ظل الوضع السياسي الراهن، مميزاً بين مناقصة لإدارة القطاع وبين «محاولة إلزامنا بخيارات في قطاع الاتصالات». وهذا الحرص مرده قلق عبّر عنه فنيش في زمن المناقصة السابقة، ويتعلق بـ «العقلية التي يُطرح فيها دفتر الشروط وتظهر أن الفريق السياسي للوزير حرب يتصرف على قاعدة أن المناقصة هي تمهيد لخصخصة القطاع، وأن الشركات التي ستتولى إدارة القطاع بعد المناقصة، ستكون الأوفر حظاً في امتلاك القطاع في حال اتخاذ قرار الخصخصة».
رفعت جلسة الحكومة، أمس، من دون أي اتفاق وتقرر أن يكون الموضوع بندا أول على جدول أعمال الجلسة التي تلي عودة الوفد اللبناني من القمة العربية نهاية الشهر الحالي.
«موديز».. وتصنيف لبنان السلبي
من جهة أخرى، وغداة جلسة مجلس الوزراء المالية، التي تخللتها أرقام مقلقة لكن ليست كارثية، صدر، أمس، تقرير دولي يلقي الضوء على هشاشة الوضع المالي اللبناني، حيث توقعت وكالة «موديز» لخدمات الائتمان المصرفي استمرار ضعف البيئة التشغيلية للمصارف اللبنانية. وأشارت إلى أنها ستؤدي إلى بطء التوسع الائتماني وتزيد من الضغوط على جودة الأصول في المصارف، وكذلك انكشاف هذه المصارف العالي والمتزايد على الدين السيادي.
وحمل تقرير «موديز» عنوان «استشراف النظام المصرفي – لبنان: البيئة التشغيلية الضعيفة.. والتعرض للديون السيادية يؤدي إلى توقعات سلبية».
وقال نائب الرئيس المساعد في «موديز» ألكسيوس فيليبيديس، «نحن نعتبر أن الانكشاف العالي والمتزايد على الديون السيادية اللبنانية سيشكل خطراً ائتمانياً أساسياً للمصارف اللبنانية في أفق التوقعات، وسوف تستمر المصارف اللبنانية أيضاً بمواجهة رياح معاكسة كبيرة وسط بيئة تشغيلية صعبة».
وأوضح التقرير أن تعرّض المصارف اللبنانية للديون السيادية يحمِّلها مخاطر تهدّد جدارتها الائتمانية ويربط تصنيفها بتصنيف لبنان (B2 سلبي). وبحسب تقديرات «موديز»، سيسجل العجز المالي 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المتوسط في العامين 2016 و2017، وستعتمد الحكومة في المقام الأول على المصارف المحلية لتغطية فجوة التمويل.
وعلاوة على ذلك، توقعت وكالة التصنيف نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 1.7 في المئة خلال العام 2016 (في العام 2015 كان 1.3 في المئة)، أي أقل بكثير من المتوسط بين العامين 2007-2010 (9 في المئة)، في حين أن عدم الاستقرار السياسي والصراع الإقليمي سيستمران في التأثير على الاستثمار الخاص، وثقة المستهلك، وعلى قطاع البناء والتشييد والتجارة. وهذا بدوره سيرفع الضغوط على جودة الأصول للمصارف، مع تقدير «موديز» بأن خسائر القروض ستبقى مرتفعة بين 1 و1.5 في المئة من إجمالي القروض، بينما تزداد القروض المتعثرة إلى أكثر من 5 في المئة من إجمالي القروض، فيما كانت سجلت مع نهاية العام 2015 ارتفاعاً بنسبة 4 في المئة.
وبرغم هذه الضغوط، تلاحظ «موديز» أن مستويات رأس المال ستظل مستقرة على نطاق واسع، بدعم من تنفيذ اتفاقية «بازل 3» مع الاحتفاظ بالأرباح ونمو محدود للموجودات، على أنها ستبقى عرضة لخطر الهبوط.
وتتوقع وكالة التصنيف أن يبقى إجمالي أصول رأس المال مستقراً عند نسبة 9 في المئة خلال العام 2016، وهو مستوى متواضع بالنظر إلى البيئة التشغيلية الصعبة والتعرض السيادي العالي جداً للمصارف.
بالإضافة إلى ذلك، توقعت «موديز» أن تبقى الربحية مستقرة، ويبلغ صافي الدخل للأصول الملموسة ما بين 0.9 و 1.1 في المئة خلال العام 2016 (بلغ 1.0 في المئة خلال العامين 2014 و2015) بدعم من العمليات الخارجية وهوامش فائدة مستقرة على نطاق واسع.
وعلاوة على ذلك، ستستمر مخازن السيولة الصلبة والتمويل القائم على المودعين في دعم استقرار النظام في لبنان. وستستمر الودائع بالنمو ولكن بمعدل أبطأ، ما يعكس النمو الاقتصادي المحلي الضعيف، في ظل تدفقات (مالية) أقل من دول مجلس التعاون الخليجي. وللمصارف اللبنانية اعتماد منخفض على تمويل السوق، بينما تمول الودائع أكثر من 80 في المئة من إجمالي موجودات النظام المصرفي.