الدولة تطالب «ستديو فيزيون» بـ60 مليون دولار
الحكومة تؤدي واجبها المالي: موازنة وهمية!
قيل ما قيل عن الوضع المالي، وأقفل مجلس الوزراء الملف، أمس، على «وضع مقلق وليس كارثياً». أما الإشارة إلى الاتفاق على إقرار الموازنة وإرسالها إلى مجلس النواب، ومن ثم إصدارها بمرسوم إذا لم تقر في المجلس، فبدت أشبه بمزحة ثقيلة.
كل الحكومات التي توالت على السلطة منذ العام 2005، تعاملت مع الموازنة كأنها غير موجودة، وإن كان لكل منها طريقتها للدخول في النفق الذي يسمح لها بالالتفاف على القانون والدستور والصرف من دون موازنة.
ينطبق ذلك على الحكومة الحالية التي لم تقصّر في رمي الموازنة خلف ظهرها، فأرسلت وزارة المال موازنتي العامين 2015 و2016 إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وبقيت عالقة في جواريره. مع ذلك، لم يتردد مجلس الوزراء في إشاعة خبر الاتفاق على إقرار موازنة 2017، فيما الوزراء أنفسهم يدركون أن ما كان صعب المنال في السنوات السابقة صار أكثر صعوبة اليوم، لأسباب سياسية بالدرجة الأولى.
قطع الحسابات هو القضية الأبرز، بدليل «الزلة المستقبلية» الأخيرة بإطلاق النار على وزير المال علي حسن خليل، واتهامه بالتقصير والفساد «الذي نخر عظم الدولة».. قبل أن تتراجع «كتلة المستقبل» عن الاتهام. لكن ذلك كان كافيا لتأكيد المؤكد عن «القلوب المليانة» منذ العام 2010، يوم كشف الرئيس نبيه بري النقاب عن فضيحة الـ11 مليار دولار، التي صُرفت أيام حكومات الرئيس فؤاد السنيورة من دون مسوّغ قانوني، والتي فتحت الباب أمام محاولة فتح مغارة الحسابات الصحيحة الغائبة منذ العام 1993 (تعمل وزارة المال على تصحيحها منذ العام 2010، وأعلن وزير المال الأسبوع الماضي الانتهاء من إنجاز 6 حسابات من أصل 10 يجري استكمالها).
وعليه، فإن أحداً لا يتوقع أن تنجز الحكومة الحالية، اليوم، ما عجزت هي وغيرها، سابقا، عن إنجازه، لسببين مباشرين، الأول يتعلق باتهام «8 آذار» لـ«14 آذار» بأنها تعرقلها سعياً وراء إبراء ذمة الرئيس فؤاد السنيورة، والثاني يتعلق باتهام «14 آذار» لـ«8 آذار» بأنها تعرقلها رفضاً لقوننة تمويل المحكمة الدولية.
ولأن القضية الأولى تبدو أكثر خطورة وجدية، خصوصا أن «حزب الله» لم يعترض جدياً على طريقة تهريب أموال المحكمة في حكومتي نجيب ميقاتي وتمام سلام، فإن الأزمة الفعلية تبقى في قضية الحسابات وما تجره من مسؤوليات تتعلق بالهدر والفساد، إضافة إلى الصرف غير القانوني الذي بدأه السنيورة، قبل أن يعمم على الحكومات التي تلت.
مرر وزير المال، أمس، «كلمة السر» بقوله إنه «يمكن ربط قطع الحساب باتفاق سياسيّ إذا كنّا جديين ببدء مرحلة سياسية جديدة في الحكومة، وألّا يكون عملنا تضييعاً للوقت». لكن حتى هذه الجملة، التي يفترض أن تحل جزءاً كبيراً من المشكلة، لن يكون سهلاً تسييلها، في ظل الأوضاع الراهنة، حيث صار الملف المالي جزءاً من التسوية الشاملة المنتظرة.
وبمعزل عن الشق السياسي، فإن الموازنة نفسها تحمل في طياتها بذور خلاف كبير يشبه الخلاف الذي طيّر «سلسلة الرتب والرواتب»، فوزير المال يصرّ على نقل كل بنود إيرادات «السلسلة» إلى متن الموازنة، ولا سيما الرسوم على الفوائد المصرفية وعلى الربح العقاري، إضافة إلى التوقف عن اقتطاع الرسوم على فوائد سندات الخزينة من احتساب ضريبة الدخل (تدفع المصارف 5 في المئة رسوماً على أرباحها في سندات الخزينة ثم تقوم باحتساب ما تدفعه كجزء من مصاريفها التشغيلية، فتوفر على نفسها نحو 400 مليار ليرة من المبلغ المفترض دفعه سنوياً كضريبة دخل).
حتى الآن كل شيء مجمّد، بالرغم من كثرة الأفكار المطروحة، والتي لو طبقت لأراحت الوضع المالي حكماً، الذي يتبين من معطيات وزارة المال أن الأزمة السورية ساهمت في إنهاكه، من دون أن ترديه.
لكن ذلك لا يلغي حقيقة أن الوضع ليس على ما يرام، وذلك وفق ما يأتي:
ـ كان معدل النمو بين 2008 و2010 نحو 8 في المئة، فوصل في العام 2015 إلى واحد في المئة، ما يعني أنه لو بقي النمو على حاله، لكان الناتج المحلي وصل إلى 70 مليار دولار بدل 51 ملياراً حالياً، وحتى لو انخفض النمو إلى النصف (4 في المئة) لكان 58 ملياراً حالياً، مع ما يعنيه ذلك من تفعيل الاقتصاد.
ـ في العام 2010 كانت إيرادات الدولة كنسبة من الناتج المحلي 22 في المئة، فانخفضت إلى 19 في المئة في 2015.
ـ ميزان المدفوعات صار (3.3 ـ) مليار دولارات، بعدما كان في العام 2010 (3.3 +) مليارات، وهو ما أدى إلى الاستعانة باحتياط المصرف المركزي لتمويل الاقتصاد.
ـ انخفض نمو الودائع من 12 في المئة في العام 2010 إلى 5 في المئة في العام 2015، كما وصل إلى 0.9 في المئة منذ بداية العام الحالي وحتى نيسان، ما يعني أنه يمكن أن يصل في نهاية العام 2016 إلى 2.7 في المئة.
لجنة الاتصالات تعود بعد غياب
من جهة أخرى، تعود لجنة الاتصالات النيابية، اليوم، للاجتماع بعد استراحة طويلة نسبياً، في جلسة تخصص للاستماع إلى القضاء بشأن مآل التحقيقات في قضية الانترنت غير الشرعي، خصوصا أنه لم يتم إحراز أي تقدم ملموس، بعد مرور خمسة أشهر على بدء التحقيقات.
وتقول مصادر اللجنة إن الصراع واضح «بين محاولة ضخ الحياة في القضية، وهو ما تقوم به اللجنة، ومحاولة إماتتها، وهو ما يفعله القضاء، في ظل إصراره على الابتعاد عن خيوط القضية الواضحة وضوح الشمس».
وترى مصادر اللجنة أن القضاء «يفتقد الجدية في عمله، وهو كان بإمكانه أن يكون حاسماً أكثر في التعامل مع مساعي المتهمين لتأخير المحاكمات، أو من خلال الكف عن غض الطرف عن متورطين أساسيين ما يزال يرفض توقيفهم نتيجة ضغوط سياسية تثبت أن المافيات السياسية أقوى من الدولة».
وإضافة إلى ملف الانترنت غير الشرعي، ستسأل اللجنة اليوم القضاء، بحضور وزير الاتصالات بطرس حرب (لم يُدع غيره من الوزراء)، عن ملف التخابر الدولي غير الشرعي، حيث علمت «السفير» أن محامي الدولة قدم دعوى ضد شركة «ستوديو فيزيون» يطالبها فيها بتعويض قدره 60 مليون دولار، هو قيمة الهدر منذ العام 2013 إلى العام 2016.