لم تعد صالحة للري ولا لتربية الأسماك.. وتسبب الأمراض
نعي رسمي لبحيرة القرعون.. ونهر الليطاني
سعدى علّوه
ماتت «بحيرة القرعون» سريرياً. لم تعد صالحة لا لتربية الأسماك ولا لري المزروعات الممتدة على نحو ثلاثين الف هكتار بقاعاً وجنوباً ومعها أرزاق من يعتاشون منها، وصحة من يستهلكونها على مساحة لبنان.
وبينما يصم المسؤولون آذانهم عن أصوات خبراء دقوا أجراس الإنذار من كوارث تلوث الليطاني منذ نحو عشرين عاماً وأكثر، لم تمت بحيرة القرعون فقط، بل «لم تعد صالحة لري الأراضي الزراعية ولا لصيد الأسماك واستهلاكها»، كما أكد الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية الدكتور معين حمزه لـ«السفير»، مشيرا الى أن الحياة المائية فيها «انتهت».
وتكمن أهمية كلام حمزة كونه جاء بعد صدور النتائج الرسمية لفحوص العينات التي سحبها المجلس الوطني من بحيرة القرعون، إثر نفوق أكثر من خمسة أطنان من الأسماك فيها، الأسبوع الماضي.
وتحتاج البحيرة إلى «ثلاث سنوات حداً أدنى لتعيد توازنها إذا تم إيقاف كل مصادر التلوث عنها، وتنظيفها تنظيفاً جذرياً» يقول حمزة.
قتلت الطحالب السامة من نوع «السيانوباكتيريا» كل حياة مائية وبيولوجية في البحيرة، بعدما أثبتت التحاليل أن نسبة سمومها «وصلت إلى 15 ميكروغراما في الليتر الواحد، بينما يجب أن تكون أقل من ميكروغرام واحد»، وفق التقرير الذي حصلت «السفير» على نتائجه.
ومع موجة الحر الأخيرة، وصلت حرارة مياه بحيرة القرعون إلى 30 درجة مئوية، فانفلتت السموم من خلايا طحالب «السيانوبكتيريا»، في رد فعل دفاعي تجاه التلوث الكبير والحرارة غير المألوفة، ما تسبب بتسمم الأسماك واختناقها بعدما ارتفع التلوث «إلى معدلات غير مقبولة»، وفق الدكتور المتخصص بالطحالب كمال سليم، الذي أشرف على تقرير المجلس الوطني.
وعدا موت البحيرة وانتهاء الحياة فيها، «تعني تسمية ايباتوتوكسين سم الكبد، وهي ناتجة من ترسبات في المزروعات المروية بمياه ملوثة بسم طحالب السيانوبكتيريا، حيث يأخذ النبات السم في تكوينه بطريقة غير مباشرة ويستهلكه الإنسان»، وفق كمال سليم.
وما ينطبق على النبات ينسحب على الأسماك بنسبة أكبر كونها «تمتص السم امتصاصا مطلقاً»، إذ إنها تعيش في المياه الملوثة وتتغذى منها. ويؤكد سليم أن «الأبحاث في العالم تربط بين سم الكبد والأسباب المسببة لسرطان الكبد، وكذلك بالنسبة للبنكرياس».
وبالنسبة للهواء، تنبعث من البحيرة ومن مجرى الليطاني روائح كريهة جداً تتسبب بحساسية وأمراض صدرية وأوجاع في الرأس وشعور كبير بالانحطاط، إذ إنها تضرب الجهاز العصبي، كما يتسبب استعمال المياه للخدمة بحساسية جلدية. أما إذا سبح أحدهم في البحيرة أو وقع فيها (كون التلوث يمنع السباحة)، وصدف أن ابتلع من مياهها «فإنها تؤدي إلى إصابته بأمراض معوية خطيرة»، يقول سليم.
لماذا ماتت بحيرة القرعون؟
يقول حمزة إن البحيرة التي تعتبر روح البقاع الغربي وحوض الليطاني في الجنوب، «تحولت إلى مجرد بركة تجميع لمجارير المياه الآسنة ونفايات المصانع والدباغات والمعامل والمزارع ومياه الصرف الصحي المسلطة من حوض الليطاني في البقاع إليها. إذ تصب فيها النفايات الصناعية لنحو ستمئة مؤسسة صناعية وزراعية ودباغات، بالإضافة إلى مجارير قرى حوض الليطاني.
هذا الواقع دفع حمزة إلى اعتبار «أزمة القرعون مسؤولية وطنية تتطلب معالجة طارئة وسريعة خارج الروتين الإداري المحلي». وقال إن موت بحيرة القرعون يعني «موت كل الحياة في البقاع الغربي والجنوب.. وتدهورا بيئيا وبيولوجيا وصحيا غير مسبوق». يذكر أن كامل حوض الليطاني في البقاع يروي نحو 22 الف هكتار في البقاع وسبعة آلاف هكتار في الجنوب (الهكتار يساوي عشرة آلاف متر مربع). كما أن حوض الليطاني، هو الأكبر في لبنان، إذ يمتد بطول 170 كيلومتراً، فضلا عن كون بحيرة القرعون، هي المسطح المائي الأوسع في لبنان، وتبلغ سعتها 220 مليون متر مكعب عندما تمتلئ شتاء، أما اليوم فلا تحتوي على أكثر من تسعين مليون متر مكعب، وهو ما يزيد خطر التسمم.
يقول سليم ان فريق عمل المجلس المؤلف منه ومن الدكاترة عمر الصمد، وعلي فاضل، ورنا بيضون، أجرى فحوصات بيولوجية وكيميائية وإشعاعية، وقام أيضاً بتشريح الأسماك النافقة، وأثبتت النتائج عدم وجود تلوث إشعاعي فيما التركيزات الكيميائية، وفق سليم، «غير لافتة لدرجة أن تتسبب بنفوق هذا الكم من الأسماك».
وردا على سؤال، يقول سليم إن البحيرة قبل نحو شهر وعشرة أيام لم تكن ميتة سريرياً، أما اليوم، ومع انخفاض مستواها إلى 90 مليون متر مكعب وارتفاع حرارة المياه إلى 30 درجة (غير حرارة الطقس الخارجي) فقد أدى ذلك كله إلى انفلات سموم طحالب «السيانوباكتيريا» من خلاياها في دفاعها عن النفس. وانفلت السم في البحيرة ليقتل، وفق سليم، «كل الحيوانات المائية المجهرية في البحيرة، ومعها كل أنواع الطحالب الخضراء والمشطورات (نوع من الطحالب التي يعتبر وجودها دليلاً على أن البحيرة غير ميتة) والتي اختفت نهائياً.
وأظهرت الفحوصات تفشي طحالب «السيانوباكتيريا» بكثافة تصل إلى عمق عشرة أمتار في البحيرة، عدا اجتياحها لسطحها المائي. وعليه، لم تعد الرؤية ممكنة في البحيرة لأكثر من عمق 80 سنتمتراً (يجب أن تكون الرؤية ممكنة بعمق مترين). كما أثبت تشريح الأسماك أنها ماتت أيضاً اختناقاً بعدما عششت الطحالب السامة في خياشيمها.
وختاماً، يطالب معين حمزة باسم المجلس الوطني للبحوث العلمية بإعلان «خطة طوارئ لمعالجة وضع البحيرة»، مؤكدا أن وزارات البيئة والصحة والطاقة والزراعة والداخلية (كونها مسؤولة عن البلديات) ومصلحة الليطاني تناقش مبادرات وأفكاراً مختلفة، متمنياً أن تتم الاستفادة من مبلغ الـ55 مليون دولار التي تأمنت من البنك الدولي للبدء بمعالجة التلوث القاتل في بحيرة القرعون ونهر الليطاني.