ماذا عن حسابات الجيش والتكفيريين و«المستسلمين» والأهالي؟
هكذا يقاوم «عين الحلوة».. المخرز!
عماد مرمل
ما هي حقيقة الوضع الأمني في مخيم عين الحلوة وتالياً المية ومية، وهل صحيح أن المخيم يقيم على فوهة بركان، وماذا عن الحجم الذي بلغه حضور الجماعات التكفيرية والمتشددة فيه، وإلى أي مدى باتت تشكل خطراً داهماً عليه وعلى المحيط وصولا الى طريق صيدا ـ الجنوب؟
تساؤلات كثيرة طرحت في الأيام الأخيرة، على وقع تسريبات من هنا وهناك حول احتمال حدوث تطورات دراماتيكية في داخل المخيم وخارجه، لخلط الأوراق وبعثرة الجغرافيا الجنوبية، المعروفة بحساسيتها الفائقة.
وما ساهم في تفاعل تلك التسريبات وبالتالي في ارتفاع منسوب القلق هو طابع المخيم، الأكبر في الحجم، الأدق في الموقع، والأكثر اكتظاظاً بالسكان والأجندات السياسية المتعارضة والتنظيمات المسلّحة المتنافسة والخلايا التكفيرية.. وأجهزة المخابرات المحلية والإقليمية.
وعليه، فإن أي ثقاب «طائش» أو «موجّه»، قد يهدد بإشعال برميل البارود هذا، والتسبب بانفجار كبير، ما لم تُتخذ أعلى درجات الحيطة والحذر تحت سقف «الأمن الاستباقي»، على المستويين اللبناني والفلسطيني، لاسيما ان المخيم المُفرز الى «مربعات» مرقّطة، بات رغماً عن أهله، بمثابة «ملجأ» للكثيرين من المشبوهين والمطلوبين.
ولعل شبح التجربتين الدمويتين لمخيمي نهر البارد في لبنان واليرموك في سوريا يطارد سكان عين الحلوة الذين يخشون من أن يدفعوا، في لحظة ما، ثمن أي مغامرة متهورة قد ينزلق اليها بعض أصحاب المشاريع الانتحارية، خصوصاً أن «داعش» و «النصرة» تسرّبا الى المخيم، سواء عبر خلايا تابعة لهما مباشرة او عبر اسماء حركية مرادفة.
وإذا كانت التدابير الصارمة المتخذة من قبل الجيش و «الفصائل» تحدّ من المخاطر المحتملة، إلا أن الرهان الأكبر يبقى بالدرجة الاولى على «الحراك الشعبي» في داخل عين الحلوة، والذي قطع الطريق على إمكان انتاج بيئة فلسطينية حاضنة للخلايا التكفيرية التي أصبحت منعزلة عن محيطها، ما افقدها القدرة على انتزاع المبادرة.
ويبدو أن مبادرة عدد من أنصار أحمد الاسير الى تسليم أنفسهم بوتيرة متسارعة ومتلاحقة الى الجيش، خلال الأيام الماضية، انطوى على مفاجأة غير سارة لرموز مسلّحة في عين الحلوة، توجّست مما يجري وارتابت في توقيته وأبعاده.
وعُلم ان الجيش لم يقدم أية وعود أو ضمانات للمستسلمين الذين ضاقت بهم السبل في داخل المخيم، بعد اربع سنوات من الضغوط اليومية، بل هم سيخضعون الى التحقيق الأولي لدى مخابرات الجيش ثم يُحالون الى المحكمة العسكرية، مع الأخذ بالاعتبار أن من يسلّم نفسه يمكن أن يحصل على عقوبة أدنى من تلك التي تُتخذ بحق من يُلقى القبض عليه.
وفي المعلومات، أن الجيش يعتمد إستراتيجية إضعاف المجموعات المشبوهة وزعزعتها، من خلال دفع أنصار الأسير الذين كانوا قد توزعوا عليها بعد معركة عبرا («جند الشام» بقيادة هيثم الشعبي، «جبهة النصرة»، «فتح الاسلام» الخ..) الى تسليم أنفسهم تباعاً.
وبينما تكاثرت الشائعات خلال الساعات الأخيرة حول امكان ان يقتدي فضل شاكر بشقيقه، ويسلم نفسه، يستبعد العارفون حصول ذلك في وقت قريب جداً، مشيرين الى ان هناك جهات فلسطينية لا تزال تستفيد ماديا من وجود فضل شاكر في عين الحلوة، باعتبار أن مخزونه المالي لم ينضب بعد، ولذا فهي لا تسهّل ولا تشجع خيار تسليم نفسه، إلا إذا وقعت مفاجأة من خارج السياق، علما ان السلطات اللبنانية تتحفظ على كل أملاكه وأمواله خارج المخيم.
رواية رسمية
ويقول مصدر أمني بارز لـ «السفير» إن الوضع في عين الحلوة قد يكون دقيقاً، لكنه ليس سيئاً الى الحد الذي يجري تصويره، لافتاً الانتباه الى ان بعض المجموعات المسلحة تلجأ الى نوع من «البروباغندا» الاعلامية والترويج لسيناريوهات افتراضية حول تحولات عسكرية محتملة على الارض، بغية شد عصب أعضائها، بعدما سلم عدد من المطلوبين أنفسهم الى الجيش اللبناني، ما أثار غضب مسؤولي تلك المجموعات التي كان المطلوبون ينتمون اليها او من المقربين منها، وبالتالي فهم يعرفون الكثير من خفاياها، المتعلقة بعددها وعتادها ومخابئها ومخططاتها.
ويلفت المصدر الانتباه الى تواجد مجموعات صغيرة من «داعش» و «النصرة» وبعض القوى المتطرفة في عين الحلوة، مؤكدا ان الوضع الاجمالي تحت السيطرة، والجيش يحكم الانتشار حول المخيم من كل الجهات، كما ان عيونه مفتوحة ويقظة في الداخل، بل يمكن القول إن يده الاستخبارية في عمق المخيم «أطول مما يعتقد كثيرون».
ويعتبر المصدر الأمني، أن احتمال سيطرة «داعش» او «النصرة» على المخيم ومن ثم التمدد خارجه، هو احتمال أقل من ضعيف، في ظل وعي أهالي المخيم الذين يعرفون جيدا ان مثل هذا السيناريو سيضع عين الحلوة في مهب رياح المجهول وسيهدد مصير 100 ألف فلسطيني يقطنونه، مشيرا الى ان الحراك الوقائي الذي باشر فيه السكان يمثل خط دفاع أول عن المخيم، ويشكل قوة ضغط لا يستهان بها على القوى التكفيرية والمتشددة التي تبين انها تفتقر الى البيئة الحاضنة.
ويرجح المصدر ان تفكر الجماعات المتشددة الف مرة قبل ان تقرر خوض مغامرة عسكرية، لانها تدرك ان عين الحلوة بات البقعة الاخيرة لها على مستوى المخيمات الفلسطينية، وسط غياب أي حضور وازن لها في المخيمات الاخرى في لبنان.
ويوضح المصدر ان هناك تعاوناً كبيراً من قبل الفصائل الفلسطينية في مخيمي عين الحلوة والمية ومية مع الجيش، لضبط الأرض واحتواء التوترات وتسليم المطلوبين وملاحقة الفارين، لافتاً الانتباه الى ان المسؤولين في المخيمين يعرفون الكلفة الباهظة التي ستترتب على سقوطهما في آتون «داعش» او «النصرة»، مع ما يعنيه ذلك تلقائيا من عزل لهما عن العالم الخارجي وتوقف المساعدات التي تقدمها اليهما «الأونروا» وباقي المؤسسات الدولية من حكومية وغير حكومية.
ويختم المصدر:»إذا قررت أي جهة سلفية ان تتخلى عن المنطق وتتجاوز الخطوط الحمر، فإن الجيش لن يسمح بسقوط مخيم عين الحلوة في أيدي المسلحين التكفيريين، وإذا حصل مثل هذا الأمر لسبب ما، سيكون الرد عنيفاً وقاسياً، بحيث لن يبقى موطئ قدم لهم في المخيم».