Site icon IMLebanon

عندما تنفجر صواعق «مغارة» الاتصالات

«حرب نفسية» بين «التيار الحر» وبطرس حرب!

                                    

عماد مرمل

ما بين مجلس الوزراء ولجنة الاتصالات النيابية وأجهزة القضاء، تتنقل فضائح الإنترنت «المتسرب»، والتخابر الدولي «المهرّب»، من دون أن تتضح بعد الأدوار الحقيقية لجميع أبطال هذه القرصنة الموصوفة للأثير اللبناني الأسير، بحيث تكاد المساءلة تقتصر حتى الآن على الـ «كومبارس».

وبرغم أن الفضائح المكتشفة تتعلق بمال عام مهدور وبحق سيادي منتهك، فإن بعض الظواهر المرافقة لها لا تتناسب وحجم الاختبار الذي يواجه آخر ظلال الدولة:

قنابل دخانية وصوتية تنفجر هنا وهناك للتمويه، اتهامات واتهامات مضادة تضيع معها الحقائق، محاولات لتسييس أو تطييف ملفات الهدر والفساد بهدف تجهيل الفاعل المعلوم، غبار كثيف يعبث بمسرح الجريمة التي يكثر ضحاياها من الخزينة العامة إلى جيوب المواطنين ولا مجرمين (إذا استثينا بعض الموقوفين من الصف الثاني وما دون).

والخوف، كل الخوف، أن تطوي فضيحة جديدة ما سبقها، وذلك على الطريقة اللبنانية التي تستهلك الملفات، من دون أن تصل الى النهايات السعيدة.

ولعل أخطر ما يمكن أن يواجه ملف الاتصالات بأنفاقه المتداخلة، هو أن يطغى الاشتباك السياسي – الشخصي بين «التيار الوطني الحر» والوزير بطرس حرب على جوهر القضية وأصلها، فينحرف النقاش عن مساره الأساسي، وينزلق إلى أزقة محلية ضيقة يتوارى فيها المتورطون الكبار.

وما حصل في داخل مجلس الوزراء وخارجه من كر وفر، أمس، أظهر مجددا أن قطاع الاتصالات ـ الذي قيل عنه قبل اكتشاف الغاز أنه نفط لبنان ـ تحول إلى جبهة متقدمة من جبهات الصراع الداخلي.

وقد اندلع على خطوط التماس الحكومية، أمس، اشتباك متجدد حول أداء الوزير بطرس حرب ومصير عبد المنعم يوسف الذي يستمر في الجمع بين وظيفتي مدير «أوجيرو» ومدير عام الاستثمار في وزارة الاتصالات، خلافا للأصول، قبل أن يتوقف إطلاق النار السياسي مع نهاية جلسة الحكومة، في انتظار جولة جديدة، في الأسبوع المقبل.

بوصعب: حرب لم يقنعنا

ويقول وزير التربية الياس بو صعب لـ «السفير» إن التقرير الذي أعده حرب حول قطاع الاتصالات، هو أقرب إلى دوامة يشعر مَن يدخل إليها بالدوار، مشيرا إلى أن المفارقة تكمن في أن مئات الصفحات من هذا التقرير لم تقدم ردا كافيا ومقنعا على أي من تساؤلاتنا المشروعة.

ويوضح أنه كان المطلوب من حرب أن يبلغنا في تقريره حصيلة عمل اللجنة الفنية التي شكلها لمعاونة القضاء في التحقيق في شأن الإنترنت غير الشرعي والتخابر غير الشرعي، لافتا الانتباه إلى أن المعلومات التي نحصل عليها من الإعلام هي أكثر وأهم من تلك التي تضمنها تقرير حرب الذي كان عبد المنعم يوسف قد أعده في العام 2011 واعتمده وزير الاتصالات مجددا بعد إضافة بعض التعديلات إليه.

ويتابع: المطلوب معرفة الرؤوس الكبيرة التي كانت تسرق الإنترنت وتستفيد من التخابر غير الشرعي، وليس اختزال الملف بالتصويب حصرا على «استوديو فيزيون» الذي لا تتعدى نسبة المخابرات غير الشرعية عبره الواحد بالمئة، فماذا عن الـ99 في المئة الأخرى؟

ويشير إلى أن هناك شركات ومؤسسات كثيرة معنية بملف التخابر غير الشرعي، بعدما أصبحت التقنيات الجديدة تسمح بإجراء المخابرات الدولية عبر الإنترنت، فلماذا حصر الاتهام بـ «استوديو فيزيون»، وعلى مَن يحاول أن يغطي حرب؟

ويضيف بو صعب: إذا كان القضاء هو المعني بالتثبت مما إذا كان صمت عبد المنعم يوسف طيلة الفترة الماضية على المخالفات المرتكَبة يؤشر إلى أنه شريك في إنتاج ظاهرة الإنترنت والتخابر غير الشرعيين والاستفادة منها، أم لا، فإن الأكيد إلى حين أن يقول القضاء كلمته هو أن يوسف متسبب بالحد الأدنى في هدر أموال الخزينة، بسبب سياساته التي شجعت الارتكابات.

ويشدد بو صعب على أنه لم يعد مقبولا أن يستمر يوسف في الجمع بين موقعَي المسؤول والرقيب على نفسه في الوقت ذاته، لافتا الانتباه إلى أن الوقت حان حتى يتنحى عن إحدى هاتين الوظيفتين أو عن الإثنتين معا، وأنا أرجح أن تتطور الأمور في اتجاه الخيار الثاني.

ويشير وزير التربية إلى أنه يتوقع أن تكون جلسة مجلس الوزراء المقبلة حاسمة على هذا الصعيد، مرجحا أن يصدر عنها قرار ينهي الحالة الشاذة التي يمثلها يوسف، خصوصا أن الرئيس سعد الحريري رفع على الأرجح الغطاء عنه إلى جانب أطراف أساسية أخرى، بحيث لم يعد يغطيه سوى الرئيس فؤاد السنيورة والوزير حرب، أما إذا لم تبادر الحكومة في هذا الاتجاه، فإنها تكون قد أدخلت نفسها في أزمة جديدة.

وردا على قول حرب «احترنا يا قرعة من وين بدنا نبوسك، إذا قدمنا تقريراً موجزاً هناك انتقاد، وإذا قدمنا تقريراً مفصلاً هناك انتقاد أيضا»، يجيب بوصعب: معروف يا شيخ بطرس من وين لازم تبوس القرعة.. المهم أن تتخذ القرار بأن تبوسها، وبعد ذلك كيف ما بستها بتصيب..

ويرى بوصعب أن حرب كان يشتري الوقت قبل أن يسمح باستجواب يوسف مؤخرا، ما يبرر التساؤل عن دوافع المماطلة لفترة من الزمن، وهل جرى خلال هذه المدة تحوير وقائع معينة أو تأمين الحماية لأحد؟ هذا ما يجب التدقيق به.

ويستشهد وزير التربية بقول الوزير جبران باسيل خلال جلسة مجلس الوزراء أمس إن حال الإنترنت في زمن عبد المنعم يوسف يشبه أوتوسترادا من خمسة خطوط، تم إقفال أربعة منها، ما أدى إلى ازدحام على الخط الوحيد المفتوح، الأمر الذي فرض على الكثيرين محاولة المرور عبر طريق جانبية أو التفافية حتى يصلوا إلى المكان الذي يقصدونه، وهذا ما حصل في الإنترنت حيث أدى حجب السعات إلى بدائل مكلفة وغير شرعية.

حرب: معقّدون وحاقدون!

في المقابل، يقول حرب لـ «السفير» إن يوسف كان يجمع بين وظيفتَي مدير «أوجيرو» ومدير عام الاستثمار في وزارة الاتصالات، خلال عهود وزراء الاتصالات جبران باسيل وشربل نحاس ونقولا صحناوي، وبالتالي فإن تعمد البعض إثارة هذا الموضوع الآن، وتضخيمه بهذا الشكل، إنما يندرجان في إطار استهدافي سياسيا ومحاولة منعي من تحقيق أي إنجاز، لأن البعض يزعجه أن أنجز شيئا في وزارة الاتصالات، حتى لا ينكشف عجزه وفشله.

ويتابع: أنا لا أقبل أن يتم حرف الأنظار عن ملفَي الإنترنت غير الشرعي والتخابر غير الشرعي، من خلال التركيز حصرا على مسألة جمع يوسف بين وظيفتين، علما أنني أرفض أن يتولى أحد صلاحيات متعارضة، وأنا لست ضد معالجة هذا الوضع الإداري غير السليم الذي جرى تكريسه بمشاركة معظم القوى السياسية التي تشكو منه حاليا، ولكن المهم ألا تتم المعالجة على حساب القضايا الأخرى المتعلقة بالفضائح المكتشفة.

ويعتبر حرب أن الحقد الشخصي هو الذي يحرّك مواقف بعض الوزراء حيالي، وللأسف هناك مَن تتحكم به عقد نفسية وبالتالي بات يحتاج إلى طبيب نفسي، مضيفا: لقد أصبحتُ أُشكل، على ما يبدو، عقدة لمن يعجز عن الإنجاز.

وردا على مطالبة العديد من الوزراء بإقصاء يوسف كليا عن وزارة الاتصالات، يشدد على أنه كوزير مختص هو صاحب الصلاحية الحصرية في طرح أو عدم طرح هذا الأمر، تبعا لما تقتضيه المصلحة العامة، لافتا الانتباه إلى أنه لم يتبين للقضاء تورط يوسف.

وحول شكوى باسيل وبوصعب من عدم تضمين تقريره أي جديد على مستوى التحقيقات في ملفَي الإنترنت والتخابر غير الشرعيين، يتساءل حرب: هل أنا المدعي العام حتى أصدر الاحكام؟ ويضيف: القضاء يتابع عمله على هذا الصعيد، وليس من حقي أن أصادر دوره او أستبقه، حرصا مني على استقلاليته، وهذا هو الموقف المسؤول الذي يجب اتخاذه.

ويبدي حرب مرارته لكون النقاش السياسي انحدر إلى مستوى النكايات والكيديات، مشيرا إلى أنه اضطر للرد على محاولات تزوير الوقائع والحقائق، لأنني أرفض ان يجري الاعتداء على صلاحياتي من قبل أولئك الذين يحاضرون بالفضيلة وهم منها براء.

ويوضح حرب أن التحقيق الذي أجراه أثبت تورط شركة «استوديو فيزيون» في عمليات التخابر غير الشرعي، ولو ظهرت أرقام أخرى لكنت قد أعلنت عنها، ما اضطرني إلى طلب الادعاء على هذه الشركة.

وعن علاقته بآل المر، يقول: من المعروف أن علاقة صداقة تجمعني بهذه العائلة، ولكن ليس لأن غبريال أو إبنه ميشال صديقان لي أمتنع عن ملاحقتهما، فأنا لا أقبل بأن يؤثر العامل الشخصي في واجباتي، وما دام ثبت أن آل المر لديهم علاقة بالتخابر غير الشرعي من خلال «استوديو فيزيون»، فأنا لست بوارد تغطية أحد، ولن أغطي حتى إبني أو شقيقي إذا تبين انه متورط بأي مخالفة.. هكذا أنا، ولن أبدل سلوكي كي أصبح على الموضة.