Site icon IMLebanon

خلوة الحوار: مغامرة في «الربع الخالي»

الجيش في عيده: ليس وقت الاحتفال

خلوة الحوار: مغامرة في «الربع الخالي»

عماد مرمل

يطل الاول من آب، فيما الجيش منشغل عن عيده بالانتظار المرير لعودة جنوده المختطفين لدى تنظيم «داعش»، وبمحاربة الارهاب على الحدود وفي الداخل، وبالاستعداد لمواجهة أي اعتداء اسرائيلي.

نعم، لا مساحة أو حماسة للاحتفالات الرسمية والبروتوكولية، وسط هذه التحديات الممزوجة بالتضحيات، والتي لا تحتمل ترف الطقوس التقليدية.

ما من عرض عسكري بحضور اصحاب البذات والألقاب، كما درجت العادة في الظروف الطبيعية. العرض الوحيد الذي اتسع له الشارع هو لأهالي العسكريين المخطوفين الذين عادوا الى الاعتصام في ساحة رياض الصلح، بعدما ملوا من الصبر.. وملّ منهم.

ولعل أفضل هدية يمكن ان تُقدم الى المؤسسة العسكرية في عيدها، هي تزويدها بمزيد من السلاح المُجدي الذي من شأنه ان يعينها على التصدي للمخاطر الداهمة، أكثر من كل التنظير الذي يجيده البعض في الداخل والخارج.

والهدية الاخرى التي يتطلع اليها الجيش، ويستطيع السياسيون منحها له بدل إغداق العواطف عليه، هي إعادة الانتظام الى الدولة وبالتالي تأمين غطاء سياسي متين له، يُحصنه في مواجهة الاستحقاقات، علما ان هذا الغطاء لا يمكن ان تنسج خيوطه سوى مؤسسات دستورية، مكتملة التكوين.

والواقع المترهل لهذه المؤسسات، في ظل شغور بعضها وشلل بعضها الآخر، ستناقشه خلوة الحوار التي يفترض بها ان تبحث في كيفية اعادة انتاج السلطة، وتبعا لأي تراتبية، وسط اجتهادات متباينة تتراوح بين الدعوة الى الصعود من قعر الازمة بسلة متكاملة، وبين المطالبة بتجزئة المسارات واعطاء الاولوية لانتخاب رئيس الجمهورية. صحيح، ان أحدا لن يستسهل الاعتراف بالفشل الذي دونه الرهبة من المجهول، لكن الصحيح ايضا ان خلوة 2 و3 و4 آب هي محك حقيقي، والاخفاق فيها سيتسبب، مهما جرى تجميله، في انتكاسة إضافية.

والى حين اتضاح نتائج الاختبار المنتظر، يُبين استطلاع المواقف المسبقة والحسابات المضمرة، ان «الخلوة» المسكونة بالكثير من شياطين التفاصيل، تخوض مغامرة في الربع السياسي الخالي، وبالتالي فانها تترنح قبل ان تبدأ، بالنظر الى الهوة الواسعة بين أطرافها التي لا تختلف فقط حول توصيف الدواء وانما ايضا حول تشخيص الداء، إلا إذا تمكنت دينامية النقاش او «صحوة ضمير» من تحقيق اختراق غير متوقع.

والمفارقة، ان هناك من استبق «ثلاثية آب» بتحميل «حزب الله» سلفا تبعات فشلها، ربطا بالخطاب الاخير لأمينه العام السيد حسن نصرالله، فيما يروج آخرون لامكانية توسيع جدول الاعمال في الوقت الضائع، حتى يضم بند الموازنة العامة!

ولعل احتدام الاشتباك الاقليمي، من حلب على تخوم الحدود السورية – التركية، الى نجران عند الحدود اليمنية – السعودية، سيرخي بظلاله على طاولة الحوار التي يبدو ان نجاحها لا يزال يفتقر الى بيئة اقليمية حاضنة، في انتظار «ربط النزاع» او معالجته بين طهران والرياض.

كما ان «مزاج» الخلوة سيتأثر الى هذا الحد او ذاك بانخفاض منسوب التفاؤل، الغامض «النسَب»، بامكانية انتخاب رئيس قريبا على قاعدة التوافق حول العماد ميشال عون، وذلك بعد الهجوم المضاد الذي شنه النائب سليمان فرنجية، من عين التينة.

وبهذا المعنى، لا توحي المناخات العامة بان هناك قابلية لدى مراكز الثقل في هيئة الحوار لتبادل التنازلات وتسهيل التسوية، في هذا التوقيت، إلا في حال تمت «معجزة اللبننة».

وعشية الحوار، وبعد يومين من لقائه النائب فرنجية، التقى الرئيس نبيه بري أمس الرئيس سعد الحريري في عين التينة، واستبقاه الى مائدة العشاء، بحضور الوزير علي حسن خليل ونادر الحريري.

ويندرج هذا الاجتماع الليلي في سياق المساعي والاتصالات التي باشر فيها بري بعد عودته من الخارج لتأمين افضل ظروف ممكنة امام اجتماعات هيئة الحوار التي تنطلق غدا.

ويشدد بري امام زواره على ان خلوة الحوار في 2 و3 و4 آب هي فرصة مهمة جدا للخروج من المأزق الحالي واعادة إحياء مؤسسات الدولة المشلولة، لافتا الانتباه الى ان نسبة النجاح تتراوح بين صفر ومئة في المئة.

ويجزم بري مرة أخرى بان المؤتمر التأسيسي ليس مطروحا من قبله، داعيا المتحاورين الى تحمل مسؤولياتهم: «نحن أشبه ما نكون في ملعب كرة قدم، حيث لا يمكن تسجيل أي هدف من خارج حدوده القانونية، ولذلك على المتحاورين – اللاعبين ان يدركوا ان الكرة في ملعبهم، وان بامكانهم ان يربحوا المباراة إذا أحسنوا تبادل التمريرات وخففوا من ارتكاب الفاولات…».

ويعتبر بري ان المطلوب محاكاة تسوية الدوحة، لافتا الانتباه الى ان الحل العميق للازمة الحالية لا يكون سوى ضمن سلة متكاملة تشمل رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب ورئاسة الحكومة وتركيبة مجلس الوزراء، على ان يبدأ تنفيذ التفاهم من موقع رئيس الجمهورية، «وإلا فالبديل الوحيد ان يأتوا الى انتخابات نيابية على اساس النظام النسبي الكفيل بانتاج سلطة جديدة».

ويتابع بري متوجها الى محبذي تجزئة المسارات: في لبنان، يجب ارضاء الجميع، لا إرضاء فريق واحد، حتى تستقيم الامور، ومن خصائص «السلة» انها تستطيع التوفيق بين مصالح الجميع، علما انه لو افترضنا اننا استطعنا انتخاب رئيس الجمهورية بمعزل عن الملفات الاخرى، فان الازمة ستتجدد حين نخوض في تشكيل الحكومة التي لن يشهد ولادتها إلا المعمّرون.

مقاربة أخرى ومغايرة للاختبار الحواري يعكسها الرئيس فؤاد السنيورة الذي يقول لـ «السفير»: بصراحة، لم أعد أعرف ما هو بالضبط جدول الأعمال، وإذا كان المطلوب ان نعالج دفعة واحدة ملفات رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وطبيعة الحكومة وقانون الانتخاب، فهذا برأيي يشكل تعديا على الدستور واتفاق الطائف. ويضيف: لماذا كل هذا اللف والدوران، تارة باسم الواقعية السياسية وطورا باسم الحل الشامل. المطلوب أمر واحد وهو ان نركز على انتخاب رئيس الجمهورية الذي يتولى بعد ذلك الإشراف على الآليات المتعلقة بتسمية رئيس الحكومة وتأليفها، وأنا سأشارك في الخلوة الحوارية ضمن القواعد الدستورية.

وحين يقال له ان الرئيس بري يكرر في كل مناسبة تمسكه باتفاق الطائف، يجيب السنيورة: لا يجوز ان نعطي اشارة انعطاف نحو اليمين ثم نتوجه نحو اليسار، وبالتالي لا يكفي ان نتمسك بالطائف كلاميا من دون ان نلتزم به عمليا.

ويؤكد السنيورة انه سيدخل الى اجتماعات هيئة الحوار بكل جدية وبيد ممدودة، ونحن تقدمنا خطوات حتى الآن في اتجاه الآخرين، من دون ان نجد من يلاقينا في منتصف الطريق.

وفي ما خص قانون الانتخاب، يشير الى ان «المشروع المختلط الذي طرحناه يشكل خطوة متقدمة على طريق النسبية التي ينبغي ان نتدرج في اعتمادها»، داعيا الى «ألا نزايد على بعضنا البعض في هذا المجال»، ومؤكدا ان «تيار المستقبل ليست لديه النية بإضاعة الوقت حتى نعود الى قانون الستين كأمر واقع».

ويلفت السنيورة الانتباه الى انه لو سئل الآن النواب والمرشحون الى النيابة عن مدى معرفتهم بالنظام النسبي لتبين ان أغلبيتهم غير مطلعة كفاية عليه، فما بالك بالناخبين، ولذلك يجب التدرج في تطبيقه.

ويوضح السنيورة انه ليس متفائلا ولا متشائما بما يمكن ان تنتهي اليه خلوة الحوار، «وكل ما أستطيع تأكيده هو ان لدي نية حقيقية في ان نحقق تقدما، علما ان الخطاب الاخير للسيد حسن نصرالله لا يشجع توقع ايجابيات».