IMLebanon

لبنان بعد فشل ثلاثية الحوار: تسوية أقل من الطائف وأكثر من الدوحة!

ايلي الفرزلي

انتهت ثلاثية الحوار. لا إنجاز فعلياً يوضع في سلّتها. عملية الهروب إلى الأمام لم تنجح. لا مناقشة الملفات العالقة نجحت ولا السلة المتكاملة على شاكلة «اتفاق الدوحة» نجحت ولا الكوّة التي فتحت لبدء تطبيق إصلاحات الطائف الأساسية، بشكل فعلي، بعد 27 عاماً من إقراره، بقيت مفتوحة.

إذا كان قرار تشكيل لجنة مهمتها وضع اقتراح قانون إنشاء مجلس الشيوخ يحتاج إلى شهر من الآن، فكم سنة سيحتاج التوصل إلى اقتراح القانون ومن ثم إقراره في مجلس النواب قبل الحديث عن وضعه موضع التنفيذ؟

ليس واضحاً بعد لماذا فضّل الرئيس نبيه بري أن ينتظر حتى الجلسة المقبلة في 5 أيلول حتى يزوده أعضاء هيئة الحوار الوطني بأسماء مندوبيهم وممثليهم إلى ورشة العمل تلك، لكن ذلك بدا إشارة إلى أن الخطوة الاصلاحية الموعودة باءت بالفشل أو تكاد. إشارات الفشل لا تقف عند حدود المهلة بل تتخطاها إلى تراجعات بالجملة عن المواقف التي حفلت بها الجلسة الثانية من ثلاثية الخلوة الحوارية.

قد يكون بري أراد أن يضع الجميع أمام ضغط عامل الوقت، ريثما يتأكدوا أن لا بديل عن السير بقرارات كبيرة تكسر المراوحة التي بدأت تأخذ بطريقها من رصيد البلد والسياسيين على حد سواء. لكن الواضح أن مجلس الشيوخ لن تقوم له قائمة من دون ارتباطه بانتخابات نيابية تجرى على أساس وطني، أي وفق الدائرة الوطنية والنسبية. هما توأم وأي أمر آخر لن يسير به لا بري ولا أي من حلفائه، لأنه إذا كان الهدف من طرح مجلس الشيوخ هو تطمين كل شرائح المجتمع وتمثيلها بشكل عادل وفق «القانون الارثوذكسي» أو ما يشبهه، فإنه من البديهي أن يكون دور مجلس النواب عندها تمثيل اللبنانيين تمثيلاً وطنياً. أما أن ينتخب النواب على أساس قانون تسووي يخلص إلى مجلس شبيه بالمجلس الحالي، فهذا يعني عملياً أنه سيكون للبنانيين مجلسا شيوخ من دون مجلس نيابي!

راح النقاش في جلسة يوم الأربعاء باتجاه لا يمت بصلة للطبقة السياسية التي اعتادت أن تبيع وتشتري بالمفرق. بدت «لحظة تجلّ» بأن يدخل الجميع في نقاش عميق وعلمي وجدي وهادئ يطوّر مفهوم الدولة ويطمئن مختلف الطوائف في الوقت نفسه. لكن «جلسة التجلي» سرعان ما راح مفعولها في الجلسة الثالثة، أمس، فصار التجلي تخليا، على ما قال النائب علي فياض، الذي خرج من الجلسة بكثير من التشاؤم من كثرة «القنابل المتفجرة التي وضعت في طريق الاصلاح السياسي».

استعان المتحاورون بالطائف لعلّ تطبيقه يشكل مدخلاً لحلحلة الملفات العالقة، لكن التفاؤل الذي ساد الجلسة الثانية انتهى مفعوله مع بداية الجلسة الثالثة، وإن كان الرئيس نبيه بري، قال أمام زواره، أمس، انه خرج من خلوة الحوار أكثر تفاؤلا مما كان عليه عند انطلاقتها، قبل أن يستدرك «إن الأمور تبقى في خواتيمها، وما تقول فول ليصير بالمكيول».

بري الذي توقع انتخاب رئيس للجمهورية قبل نهاية السنة، متفقا مع ما كان قد قاله قبله وزير الداخلية نهاد المشنوق، أصر على أن «هناك فرصة لتطبيق الإصلاحات المدرجة في اتفاق الطائف آملا في ألا تكون مهمة اللجنة التي ستشكل تقطيع الوقت، كما يخشى البعض، بل وضع تصور عملي لانشاء مجلس الشيوخ وانتخاب مجلس النواب خارج القيد الطائفي، من دون أن يعني ذلك تجاهل أهمية انتخاب رئيس الجمهورية في أسرع وقت ممكن».

لكن ذلك لا ينفي أن الجلسة التي قيل إنها «أمّ الجلسات»، كانت مليئة بالخيبات على حد وصف أحد المشاركين. من كان متحمساً للموضوع عاد وتراجع، فيما بدا الوزير جبران باسيل كمن التقط الإشارات متأخرا. تخلى عن تحفظاته التي طبعت الجلسة الثانية، بعنوان «لا أولوية تتقدم على انتخاب رئيس الجمهورية»، وذهب إلى «الزبدة»: الأولوية لمجلس شيوخ يراعي الهواجس المسيحية، كأن ينتخب أعضاؤه على أساس القانون الارثوذكسي مقابل انتخاب مجلس نواب على أساس الدائرة الوطنية والنسبية.

لكن هذه المرة، وقف النائب سامي الجميل في خانة المتصدي «لأي محاولة لترحيل ملف الرئاسة وصرف النظر عن انتخاب رئيس للجمهورية»، وجاراه في ذلك الوزير بطرس حرب وإن بنفس أقل حزماً. بالرغم من أن الرئيس بري كان واضحاً في تأكيده، أكثر من مرة، على أنه لن يتم إقرار ما اتفق عليه دستورياً إلا بعد انتخاب الرئيس، الذي يحق له الطعن ورد القوانين.

لكن الانعطافة النظيفة جاءت من عند الرئيس فؤاد السنيورة، الذي حافظ على موقفه الإيجابي من المبادرة التي تبناها إلى حد التسويق لها بين المتحاورين في الجلسة السابقة، مذكّراً أنها ليست تعديلاً للنظام بل هي تطبيق له. ثم رفدها بالكثير من التفاصيل التي أصر على طرحها بالرغم من أنه يمكن تركها لورشة العمل. تحدث عن صلاحيات مجلس الشيوخ ودوره، حتى فجّر بهدوء كل الإيجابيات التي تحدث عنها سابقاً، من خلال ثلاث نقاط:

– دعا إلى تمثيل الطوائف في مجلس الشيوخ نسبياً وليس بالتساوي، مخالفاً ما أعلنه في جلسة الأربعاء.

– لم يمانع في اعتماد لبنان دائرة واحدة، لكنه قال إن النسبية بحاجة إلى نقاش.

– ذهب إلى اقتراح أن يكون لمجلس الشيوخ حق الاعتراض على قوانين يصدرها المجلس النيابي.

وإذا كانت النقطتان الأولى والثانية كافيتين لنسف أي إيجابية، فإن الاقتراح الثالث جاء ليخلق نزاعاً عملياً بين الصلاحيتين، برغم تأكيده نظرياً أن مجلس الشيوخ ليس سلطة تشريعية تنازع مجلس النواب على صلاحياته.

النقاش السابق لأوانه خلق انطباعاً لدى معظم الحاضرين أن النقاش انتهى وأن السنيورة أعطى بالشكل ثم جوّف ما أعطاه بالمضمون.

بعد استنفاد كل وسائل العلاج، صار السؤال مشروعاً: ماذا بعد؟ لا اتفاق على رئيس الجمهورية ولا اتفاق على قانون الانتخاب ومجلس النواب لا يعمل ومجلس الوزراء يعمل بالحد الأدنى.

الإجابات لا تطمئن، خصوصا مع تسليم جميع المتحاورين أن المعركة الانتخابية تبدأ فعلياً قبل ستة أشهر من موعد الانتخابات. ثلاثة أشهر هي الحد الفاصل بين الدولة والمجهول. أي استهتار بالوقت من خلال تأجيل التفاهم على رئيس للجمهورية أو الاتفاق على قانون انتخابي جديد أو البدء بتطبيق اصلاحات الطائف (أبرزها انشاء مجلس الشيوخ)، يعني الوصول إلى موعد الانتخابات النيابية بدون قانون جديد.

هل يمكن إجراء الانتخابات في العام 2017، وفق قانون الستين؟

نظرياً الأمر ممكن، لكن عملياً، قد يؤدي ذلك الى تهديد الاستقرار.

ما البديل؟

ثمة بديلان كل واحد منهما أسوأ من الآخر. التمديد الثالث قد يكون كارثة، ولن يتمكن أحد من تسويقه وحتى إن حصل ذلك، ثمة خطر جدي من أن تؤدي المقاطعة إلى منع مجلس النواب من الاجتماع للتمديد لنفسه. وهذا يقود عملياً إلى السيناريو الأخير، الذي يخشى منه الجميع، أي الفراغ الشامل: لا رئيس للجمهورية، تصبح الحكومة مستقيلة وعاجزة عن تصريف الأعمال، المجلس النيابي تنتهي صلاحيته من دون تمديد ولايته. عندها يصبح الحديث عن تسوية أقل من الطائف وأكثر من الدوحة، أمرا لا مفر منه.