IMLebanon

لماذا لم يُعطٍ «حزب الله» ضمانة رئاسة الحكومة للحريري؟

عامل الوقت ضد عون وفرنجية وجعجع..

لماذا لم يُعطٍ «حزب الله» ضمانة رئاسة الحكومة للحريري؟

كتب المحرر السياسي:

لماذا أقدم الرئيس سعد الحريري على طرح قضية تبني ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية أمام «كتلة المستقبل» النيابية قبل حوالي الأسبوع؟

عندما دُعي نواب «المستقبل» إلى الجلسة الاستثنائية التي ترأسها الحريري في «بيت الوسط»، عشية اليوم الأول من ثلاثية الحوار الوطني، اعتقد معظمهم أن الاجتماع متصل باتخاذ موقف من القضايا المثارة في الحوار وأبرزها السلة المتكاملة، خصوصا أن رئيس «التيار الأزرق» كان قد مهد لذلك بسهرة جمعته ورئيس مجلس النواب نبيه بري قبل يوم واحد في عين التينة.

غير أن الحريري فاجأ معظم نوابه عندما قدم عرضا سياسيا طرح فيه الاحتمالات المطروحة رئاسيا: استمرار الفراغ الرئاسي، المضي بتبني ترشيح سليمان فرنجية حتى النهاية، تبني ترشيح ميشال عون أو البحث عن رئيس توافقي.

لم يكتف الرجل بذلك، بل عرض للخيارات البديلة اذا كان متعذرا المضي بالوضع الحالي، بدءا من الانسحاب من طاولة الحوار الوطني، وصولا الى الاستقالة من الحكومة، مرورا بالانسحاب من الحوار الثنائي مع «حزب الله». هذه الخيارات تحديدا كان قد عرضها كلها أمام بري قبل 24 ساعة، وقال له إن الوضع الحالي يؤدي الى تراكم الخسائر، فأجابه بري «مبادراتك تسببت لك بخسائر عند جمهورك ولكنها جعلتك تربح على المستوى الوطني»، فرد الحريري بسرعة: «كيف أصرف الأرباح الوطنية في صناديق الانتخاب يا دولة الرئيس»، حسب الرواية «المستقبلية».

وباستثناء الحماسة التي يعبر عنها علنا وزير الداخلية نهاد المشنوق بدعوته المتكررة الى كسر المراوحة وتوسيع الهوامش والخيارات (نظرية الحد من الخسائر)، فإن نتيجة اجتماع الساعات الأربع، لم تكن مفاجئة للحريري، لا بل مدركا أنها النتيجة نفسها التي كان يمكن أن «يكتشفها» لو أراد وضع ترشيح سليمان فرنجية على «السكة الديموقراطية» نفسها!

يصبح السؤال: ما هو الهدف من طرح الترشيح وهل استفاد الحريري من النتيجة وكيف يمكنه أن يستثمرها في الاتجاهات الداخلية كافة (في تياره ومع حلفائه ومع خصومه)؟

من الواضح أن الحريري يملك أربعة خيارات واذا أراد يستطيع جعلها عشرة خيارات، لكن معضلته تكمن في اقتران هذا الخيار أو ذاك بالقدرة المنعدمة على ترجمة أي منها، وربما يتعادل في ذلك مع قوى لبنانية تملك خياراتها الرئاسية ولكنها لا تملك أيضا القدرة على فرضها، بحيث يتعادل الجميع في العجز وبالتالي في تشريع الأبواب أمام فراغ رئاسي مضى عليه أكثر من سنتين وشهرين.. والحبل على الجرار.

صحيح أن سعد الحريري قال للبطريرك الماروني بشارة الراعي عندما اجتمعا في باريس «أنا مستعد للقبول برئيس ينكل بي لمدة ست سنوات لكنني لست مستعدا لتحمل استمرار الفراغ»، لكن هذه الجملة حمّالة أوجه، ويدرك معناها أقرب حلفاء «بيت الوسط» سابقا، وهو رئيس «القوات» سمير جعجع الذي لم يتردد قبل أيام في مخاطبة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بأن دعاه للصمود أكثر لأن الخيارات تضيق شيئا فشيئا.. وعامل الوقت قد يكون لمصلحة «الجنرال».

الحقيقة التي يدركها جعجع ولا يجاهر بها علنا، ويتفق فيها مع ميشال عون، أن عامل الوقت ليس لمصلحة الحريري لأنه يخسر كل يوم من رصيده باستمرار الفراغ نتيجة أزمته المادية والإهمال السياسي السعودي المتمادي لـ «قضيته». يريد الحريري تسوية تنتشله من مأزقه وتعيد فتح أبواب السرايا الكبيرة أمامه. هو قرع الباب على هامش الحوار الثنائي في عين التينة، عندما همس مدير مكتبه نادر الحريري بسؤال في أذن أحد أعضاء وفد «حزب الله» عن موقف الحزب من رئاسة الحكومة، ما دام هناك أخذ ورد (رئاسي) بين «المستقبل» وعون، لكن الحزب، حسب المصادر «المستقبلية»، لم يقدم الجواب الموعود، بل استمهل قبل أن يقدم ردا رسميا، فيما قالت مصادر محايدة إن الحزب أراد بذلك رمي الكرة في ملعب العماد عون، وذلك للقول إن الضمانات موجودة في الرابية وليس في أي مكان آخر.

لا الحزب يريد أن يعطي ضمانات مباشرة للحريري في موضوع رئاسة الحكومة، ولا الحريري يريد ضمانات من أي جهة على وجه الكرة الأرضية باستثناء «حزب الله». يقود ذلك للاستنتاج أن المسألة باتت تتجاوز رئاستي الجمهورية والحكومة وكل السلة التي يطرحها رئيس مجلس النواب، فـ «حزب الله» لم يعد يقبل بعد التضحيات اليومية غير المسبوقة والقابلة للارتفاع على أرض سوريا، بأن يوافق على عملية تقليدية شبيهة بكل المسار الذي سلكته التسويات الداخلية منذ العام 2005 حتى الآن. هذه المزاوجة بين الخيارات، على حد تعبير رئيس كتلة المستقبل النيابية، لم تعد تقنع الحريري نفسه، لأنه يعتبر أنها أوصلته فعليا الى ما هو عليه اليوم، لذلك يريد تسوية نهائية على قاعدة صلبة، برغم أن معطيات المحيط ووقائعه لا تشي بجهوزية لبنانية وإقليمية لمثل هذا الطموح الحريري المشتهى!

المسألة بديهية عند «حزب الله» وتتصل أولا بضمانات حول موقع لبنان الاقليمي وكيف سيترجم ذلك في أي بيان وزاري، ومستقبل العلاقة اللبنانية السورية، والموقف من سلاح المقاومة وكيفية محاربة الإرهاب، وتأتي في المرتبة الثانية قضايا من نوع إعادة تكوين السلطة عبر قانون انتخابي يعتبره الحزب القضية الوطنية الأولى التي لا تتقدم عليها قضية أخرى، ناهيك عن قضايا أخرى متصلة بتوازنات الحكومة ومضمون بيانها الوزاري وتعيينات الفئة الأولى وتنفيذ مضامين الطائف، وأبرزها إعادة الاعتبار الى مؤسسة مجلس الوزراء (المقر الخاص والنظام الداخلي الخ..).

صحيح أن عامل الوقت اليوم ليس لمصلحة معظم اللاعبين المحليين، سواء أولئك المتحمسون لفرنجية، من الفريقين الآذاريين، أو أولئك الراغبون بوصول ميشال عون، وفي طليعتهم «الجنرال» نفسه وحليفه الماروني الأول سمير جعجع. ربما يصب الوقت بمعناه المفتوح على احتمالات إقليمية ومحلية شتى، لمصلحة طرف لبناني أساسي هو «حزب الله» الذي ضمن النصاب الرئاسي سياسيا منذ لحظة تبني ترشيح فرنجية، ولم يعد مستعدا للتنازل عنه، بأرجحية أن ينعقد لميشال عون إلا اذا قرر الأخير الانسحاب، «وهو لن يفعل ذلك إلا شهيدا.. شهيدا» كما يردد نائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي.

ماذا يريد الحريري من وراء طرح الخيارات الأربعة؟

وصلت الرسالة الى الرابية، لكن ميشال عون الذي ينتظر الرئاسة منذ أكثر من ربع قرن، مستعد لأن ينتظر حتى آخر لحظة من عمره. لا يعنيه في حساباته ما يردده الحريري بأنه لا يريد حرق أوراقه مجددا وأن «يصدم» جمهوره، مرددا «سامح الله من كان هو السبب» (أي إقناعه بأن فكرة تبني ترشيح فرنجية مضمونة سياسيا بالكامل).

عود على بدء. السعوديون لا يملكون رؤية للبنان رئيسا وحكومة وتسويات. هم يفكرون بالمواجهة المفتوحة مع ايران ومقتضياتها. اذا كانت الصياغات الحريرية تصب لبنانيا في هذا الاتجاه، فلن يعارض الديوان الملكي خيارات زعيم «المستقبل»، أما اذا كانت متعارضة، فعندها تصبح عبارة عن انتحار سياسي!

الكل في مأزق. الفراغ مشرع ومفتوح على كل الاحتمالات. لعل الكلمة الأبرز التي قالها الحريري لنوابه: «أنا لا أطلب منكم السير بترشيح ميشال عون. أنا أدعوكم الى البحث عن كل الخيارات».

هل هناك خيار رئاسي توافقي جديد بدأ الهمس باسمه محليا.. تمهيدا لتسويقه خارجيا؟

لننتظر حتى موعد الجلسة الرابعة والاربعين في السابع من ايلول، على مسافة يومين من موعد الحوار في الخامس من الشهر المقبل، أو بالأحرى لننتظر بلا مواعيد.