«ميثاقية باسيل» تقلب الطاولة.. وفرنجية «المنتفض»: أنتم انتقائيون
«الفراغ» يبتلع الحوار.. ماذا بعد؟
عماد مرمل
حصل ما كان متوقعا، وانفجر «لغم» الميثاقية بطاولة الحوار، فعلق الرئيس نبيه بري جلساتها حتى إشعار آخر، لتنضم الطاولة الجريحة الى الرئاسة الشاغرة والمجلس المشلول والحكومة المتعثرة، تعبيرا عن التمدد المتسارع لبقعة زيت الفراغ التي تكاد تبتلع كل الدولة.
أساسا، لم يتوقع أحد معجزات أو إنجازات من هيئة الحوار، التي تبين منذ البداية أن دورها الأساسي والمضمر هو تقطيع الوقت بأقل الخسائر الممكنة.
بهذا المعنى، كانت وظيفة الهيئة «نفسية» أكثر منها سياسية، بحيث بدت الصورة أهم من المضمون، لأسباب «دعائية» تتعلق بالمحافظة على بقايا صورة الدولة وآخر قطرات ماء وجهها.
لم يكن مطلوبا من الحوار أكثر من أن يجمع المتخاصمين حول طاولة مستديرة، لعل هذا المشهد الدوري يساهم في تخدير اللبنانيين ويخفف من وطأة الشغور المؤسساتي، وكثيرا ما قيل إننا أمام حوار للحوار فقط، على قاعدة أن استمراره ولو من دون نتائج يبقى أفضل من انعدامه، أقله لجهة إبقاء خيوط التواصل الداخلية ممدودة في انتظار أن ينضج أوان الحل الاقليمي.
ولكن حتى هذا الحد الادنى والمتواضع من الطموحات بات متعذرا، بعدما ضاقت الطاولة بالتناقضات المتراكمة والحسابات المتعارضة. لم تعد أرانب الرئيس بري قادرة على تدوير الزوايا في غابة سياسية متفلتة من قانون الجاذبية وأي قانون آخر، ولم يعد التهيّب من تعميم الفراغ يكفي لحماية الحوار من.. أهله!
ما حصل أمس هو إعلان رسمي عن تعليق حوار حائر، كان عالقا في نفق المراوحة، لتكتمل بذلك واحدة من المفارقات الجديدة: الحوار الذي أُريد منه أن ينقذ لبنان، أصبح بحاجة الى إنقاذ!
وإذا كان البعض يعتقد أن تفاقم المأزق قد يمهد لاختراقه، على قاعدة «اشتدي أزمة تنفرجي»، إلا أن أي مقوّمات واقعية للانفراج المنشود لا تبدو متوافرة حاليا، بل ان تدرج «التيار» في التصعيد من مقاطعة الحكومة الى تعليق المشاركة في الحوار يوحي بأنه لمس ان الأفق الرئاسي مسدود بالكامل، بعد طول انتظار لتحولات إيجابية.
مع ذلك، وبرغم «الجرعة الزائدة» من التصعيد البرتقالي، فإن عون تعمد حتى الآن أن يترك خطا أو خيطا للرجعة، عبر قراره بمقاطعة مجلس الوزراء لا الاستقالة، ثم تعليق الحضور في الحوار لا الانسحاب منه، تاركا الأوراق الحاسمة للتوقيت المناسب.
وبينما يُفترض أن تشكل الفترة الفاصلة عن انعقاد مجلس الوزراء الخميس المقبل فرصة لمحاولة احتواء العوارض المتفاقمة للأزمة السياسية، هناك من ينتظر تحركا ما لـ «حزب الله» على خط المعالجة انطلاقا من معادلة مركبة قوامها: تفهم هواجس العماد عون المشروعة وضرورة عدم الاستهتار بها، والتنبيه الى مخاطر تعطيل الحوار والحكومة كونهما يضبطان الإيقاع في ظل شغور أو شلل بعض المؤسسات الدستورية.
ولعل من أبرز العلامات الفارقة لجلسة أمس، الاشتباك المسيحي – المسيحي الذي نشب بين رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وهو اشتباك يتجاوز في أبعاده الخلاف حول مفهوم الميثاقية ليعبّر عن «قلوب ملآنة»، في ظل تمسك كل من فرنجية والعماد ميشال عون بترشحه.
ويبدو أن باسيل رفع منسوب المواجهة من الرئاسة الى الجمهورية، بعدما طرح إشكالية الميثاق من زاوية التحدي الوجودي والمظلومية المتراكمة والاضطهاد السياسي للمسيحيين ومحاولة اختزال دورهم بأصحاب الستة بالمئة من التمثيل، معتبرا انه لم تعد هناك جدوى من الاستمرار بالحوار إذا لم يتم الاعتراف بنا، وسائلا المسلمين: «بدكن يانا او ما بدكن..»، ليختم مداخلته بالإعلان عن تعليق المشاركة في الحوار.
أما فرنجية الذي استفزه كلام باسيل حول تواضع تمثيله المسيحي، فقد رد بعنف، معتبرا أنه ليس من حقه الكلام عن الميثاقية والتمثيل «وأنت الراسب في كل الانتخابات النيابية، وحتى في «التيار» لم تجرؤ على خوض الانتخابات، بل عُيّنت مديرا له من قبل الجنرال، وأنا أتحداك أن تقبل بانتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، حتى نرى النتيجة». وأشار الى أنه إذا كان المسيحيون قد خسروا بعض الحضور فذلك من وراء إدارتكم السيئة لمعارك خاسرة. وتوجه الى باسيل بالقول: أنا مستعد لأن أقف معكم في ما يتعلق بحقوق المسيحيين، ولكن مشكلتكم أنكم لا تنسقون مع أحد وتتخذون القرارات منفردين، وتعتمدون الانتقائية في الميثاقية..
باسيل
وقال باسيل لـ «السفير» ان الوزير فرنجية جرّب أن يأخذ النقاش الى مكان آخر يتعلق بكيفية ادارة الملفات والمعارك السياسية على الساحة المسيحية، ولذلك امتنعت عن الرد عليه حتى لا يضيع أصل الموضوع. ويضيف: نعم.. أنا لا أستحي مما طرحته.. نحن تعاقدنا مع الشريك المسلم على أساس قواعد معينة للشراكة، وأنا أريد أن أعرف ما إذا كان هذا الشريك لا يزال يحترم هذه القواعد ام لا.
واعتبر باسيل ان الازمة الراهنة هي أكثر من وجودية، ونحن بصراحة نفقد القناعة بإمكانية أن نستمر في العيش سويا، مع بعضنا البعض، إذا استمر هذا الاستهتار والاستخفاف بحقوق مكوّن لبناني أساسي، وأنا أتسلح هنا بمقولة شهيرة للرئيس صائب سلام مفادها ان لبنان يبقى بالقناعة المشتركة لا بالعدد.
وأكد عدم السماح بمواصلة المساس بكرامتنا، لافتا الانتباه الى أنه إذا تأخر تعيين مدير عام ينتمي الى طائفة أخرى تقوم الدنيا ولا تقعد ويصبح كيان هذه الطائفة مهددا، ولكن عندما يصل الامر الى المسيحيين يصير الشباب علمانيين فجأة.. كفى عبثا بالتوازنات التي يستند اليها الوطن اللبناني.
وتساءل: إذا انسحب «تيار المستقبل» أو «حركة أمل» و «حزب الله» أو «الحزب التقدمي الاشتراكي» من الحكومة.. فهل تجرؤ على الاستمرار في علمها الطبيعي كما تحاول أن تفعل بعد مقاطعة وزيري «التيار» ووزير «الطاشناق» لها؟ لماذا يستخفون بدورنا ووجودنا على هذا النحو الذي يتنافى مع شروط المساواة والشراكة؟
وأشار الى ان أي استطلاع رأي يتم في الشارع المسيحي سيعكس هذه الهواجس التي يُشكل الاعتراف بها أول الطريق نحو معالجتها.
«المردة»
لكن مصادر قيادية في «المردة» أكدت لـ «السفير» أن الخطاب الذي استخدمه باسيل على طاولة الحوار هو في غاية الخطورة، مشيرة الى أنه ينطوي على نَفَس طائفي متعصب.
واعتبرت المصادر المقربة من النائب فرنجية أن خطاب باسيل يعود بالمسيحيين عشرات السنين الى الوراء ويدفع نحو اتجاه إحياء حالة متطرفة في بيئتهم، كان يُعتقد أنه تم تجاوزها، منبّهة الى محاذير اختزاله للأزمة على أساس انقسام طائفي، وصولا الى سؤاله المسلمين عموما عما إذا كانوا يريدون مواصلة العيش مع المسيحيين ام لا، علما ان جزءا من هؤلاء المسلمين، أي «حزب الله»، هو حليف لـ «التيار الحر»، فكيف يجوز التعميم في الاتهام، معربة عن خشيتها من أن يكون هذا الطرح توطئة للفدرالية أو التقسيم.
ولفتت المصادر الانتباه الى أن خطاب سمير جعجع الاخير لم يتماش مع طرح «التيار الحر» حول مفهوم الميثاقية، كما ان رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل التزم الصمت حين كان الوزير باسيل يتكلم في هيئة الحوار عن هذه النقطة تحديدا، متسائلة عما إذا كان يكفي موقف الرابية وحده، حتى تُعتبر الميثاقية منتهكة.
وأشارت المصادر الى أن غياب التيار عن الحكومة يعكس أزمة سياسية حقيقية، كما أن العديد من المطالب التي يرفعها هي من حيث المبدأ محقة، ولكن هذا شيء ومحاولة اختصار الميثاقية بمكوّن سياسي واحد شيء آخر لا يمكن القبول به، لأن القوى والشخصيات الاخرى في الساحة المسيحية تختزن بدورها حيثية تمثيلية لا يصح تجاهلها.
وتساءلت المصادر المقربة من فرنجية: كيف ارتضى «التيار الحر» انتخاب ميشال سليمان رئيسا للجمهورية ولم تكن لديه مشكلة ميثاقية آنذاك، ثم افتعلها الآن برغم أن هناك تسعة وزراء مسيحيين في الحكومة؟
ورأت المصادر أن ميثاقية الرابية باتت استنسابية، ولا تخضع الى معايير واحدة، بل تُفصل على قياس المصالح المتحركة.