IMLebanon

خليّة كسارة العنقوديّة: استهداف مواكب أمنية وخرق الجيش

لينا فخر الدين

كشفت «خليّة كسارة ـ زحلة» الكثير من المستور. صحيح أنّ العبوة التي وضعت في زحلة لم تحقّق مبتغاها باستهداف المتوجهين من البقاع إلى صور للمشاركة في إحياء ذكرى تغييب الإمام السيد موسى الصّدر، إلّا أنّ التّحقيقات بشأنها استطاعت تفكيك خليّة عنقوديّة خطيرة، كشفت احترافيّة تنظيم «داعش» وخلاياه النائمة من جهة واستخدامها «البريد الميّت» على طريقة العدوّ الإسرائيليّ من جهة ثانية.

ومع ذلك، فعلتها المديريّة العامّة للأمن العام عندما أوقفت وبسرعة قياسيّة واضع العبوة (ع. م. غ.) لتتساقط الخليّة ويظهر أن سجلّها حافل وهي مسؤولة عن عدد من التفجيرات التي استهدفت مواكب أمنية وعسكرية لـ «حزب الله» على طريق شتورة ـ دمشق، وآخرها التفجير الذي حصل قبل سنة.

وللمرة الأولى منذ فترة طويلة، تَعَمَّدَ الأمن العام، أمس، بعد ختم التحقيقات في «خلية كسارة» كشف أدوار بعض أفراد الخليّة، ببيان رسمي مفصل، بدا أنه شكل من أشكال الرد على الحملة السياسية التي تعرض ويتعرض لها الأمن العام منذ قراره القاضي بتوقيف الخلية وأحد المشتبه بهم من رجال الدين في منطقة راشيا، على أن يصدر اليوم بيانٌ ثانٍ عن الأمن العام يتعلق بالخلية نفسها.

ومع سلسلة التوقيفات التي شملت حوالي العشرة أشخاص، جنّب الأمن العام البلد انفجارات إرهابيّة، خصوصا أن الموقوفين كشفوا وجود مجموعة كانت تقوم باستطلاع مفصّل لمنطقة النبطيّة، من دون إغفال أدوار خلايا نائمة أخرى تتلقى أوامرها من «داعش» بواسطة شيفرات سرية موجودة ضمن تطبيق «إنستغرام».

وبحسب معلومات «السّفير»، فإنّ البدء بمعرفة هويّات أفراد الخليّة جاء حينما سُئل (ع. م. غ.) عن مكان جهاز «الريموت كونترول» الذي استخدمه في تفجير العبوة في كسارة، باعتباره لا يعلم هويّة باقي أفراد المجموعة.

عندئذٍ أقرّ أنّه خبأه لدى (و. س.) الذي تَبَيَّنَ أنّه «لولب الخليّة» بعدما تمّ إلقاء القبض عليه، ليُقِرَّ أنّه ضالع، بعبوة المصنع التي تزن 12 كغ وتمّ ضبطها، واستهداف موكب لـ «حزب الله» قبل عام وقبلها عدد من العبوات التي صُنِعت داخل منزله، بالإضافة إلى انتمائه لـ «داعش» ومبايعته أميرها السوري (ع. ع.).

ارتبك المحقّقون أمام هذه الاعترافات، (المعروف أنَّ الأمير السوريّ هو من محلة بابا عمرو في حمص) التي تشير إلى أنّه معوق ووضعه الصحيّ حرج جداً. تمهّل هؤلاء قبل أن يتوسّعوا في التحريّات ويكتشفوا أنّ (ع. ع.) كان على علاقة وطيدة مع الموقوف حسام أبو حلق المتّهم بضلوعه بتفجير الرويس وتفجير عبوات على طريق المصنع.

صار لدى الأمن العام شكوكٌ أكبر ضد أمير المجموعة (ع. ع.)، ممّا ساهم بتوقيفه ليظهر أنّه دخل إلى لبنان بواسطة «الصليب الأحمر الدولي» وكان يقاتل إلى جانب «لواء الإسلام»، قبل أن يصبح أميراً شرعياً للخلية. اعترف الموقوف سريعاً بالعمليّات التي خطط لها كونه المسؤول التقنيّ عن تفجيرات طريق البقاع – سوريا.

كما تبيّن أنّ السوريّ (م. ب.) الذي كان خبيراً في المتفجّرات في الجيش السوري قبل انشقاقه، هو مصنّع عبوة كسارة ومعظم العبوات التي انفجرت على طريق البقاع بالتّعاون مع اللبنانيّين الموقوفين (ع. م. غ.) و(و. ع. س.)، الضالعين أيضاً بالعبوة التي وُضِعت في شهر أيّار الماضي في معرض عبد الله الكردي في سعدنايل – زحلة، أمّا الثانية (كسارة) فَوُضِعت بالتنسيق بين (ع. م. غ.) و(م. ش. ر.) في منطقة دوار زحلة ــ كسارة.

ومنذ بدء التّحقيقات، برز اسمان آخران أوّلهما جندي في الجيش اللبنانيّ (س. ح.) وهو على علاقة مع أحد المتورطين في العبوة (خ. ص.)، فأبلغ الأمن العام مخابرات الجيش بالأمر لتوقيفه، وهو ما حصل مساء أمس بعدما تمّت مداهمة منزله في بلدته كفردنيس.

أمّا أبرز الموقوفين فهو الشيخ (ب. ط.)، الاسم الأوّل الذي أتى على لسان الموقوف (ع. غ.) الذي أكّد أنّه كان الرابط بينه وبين من أعطاه أمر التفجير وهو القيادي في تنظيم «داعش» الملقب بـ «أبو البراء» المتواجد في الأراضي التركية.

لم تكن اعترافات رجل الدين اللبناني سهلة بعدما تمّ استدعاؤه للتّحقيق، وإنّما حاول نفي الاتّهامات. غير أن المحقِّقين الذين كانوا يعلمون أنّ اللبناني الفار محمد قاسم الأحمد المتّهم بملف سيارة الناعمة التي ضُبِط فيها 250 كغ من المتفجّرات، لقبه «أبو يوسف»، ليتبين لهم أنه هو المدعو «أبو البراء»، وفق اعترافات «الشيخ».

حينها، أشار الشيخ إلى أنّ معرفته بـ «أبو البراء» تعود لـ10 سنوات مضت وبدأت بمعالجة إبنه الذي كان يعاني من مرض التوحّد. المزيد من الاستقصاءات كشفت أنه في ذلك الوقت كان عمر الطفل لا يتعدّى الـ6 أشهر، مّا يعني استحالة اكتشاف التوحّد أو إمكان نطق الطفل، فضلا عن العلاج!

ولم تكن هذه السّقطة هي الوحيدة خلال التّحقيق مع الشيخ، وإنّما تبعتها سقطة أخرى باعترافه أنّه التقى الموقوف (ع. غ.) واللبناني الموجود في تركيا (ب. أ. خ.) داخل شقة في مجمع في منطقة لاريس، تعود ملكيتها الى السوري (م. ح. ر.) الملقب بـ «أبو علاء».

تفنيد أسماء المتواجدين في هذا اللقاء ثبّت التّهمة على الشيخ، باعتبار أن اللبناني (ب. خ.) متواريا عن الأنظار ومطلوبا بأكثر من ملفّ إرهابي لا سيّما ملفات تتصل بمتفجّرات في البقاع قبل أن يتبيّن أنّه ضالع أيضاً بعبوة كسارة، بالإضافة إلى أنّ «أبو علاء» هو نفسه الشخص الذي ذُكِر اسمه على لسان موقوفين باعتباره أحد المتورطين في التفجير الذي استهدف المستشاريّة الثقافية الإيرانيّة في بئر حسن قبل أكثر من ثلاث سنوات.

أُخِذت كلُّ هذه النقاط في الحسبان خلال التحقيق لتحسب ضدّ الشيخ (ب. ط.)، ولو أنّه استمر في نفيه ولم يبدأ بالاعتراف إلّا حينما سَمع باعترافات (ع. غ.) ضدّه. فالأخير أقرّ بمضمون اللقاء الذي حصل في تركيا، مشيراً إلى أنّ الشيخ هو الذي نصحه بالتواصل مع «أبو البراء»، قائلاً له حرفيا: «كلّ شي بيطلبو منّك أبو البراء بتنفذو».

وأكثر من ذلك، أعطى الشيخ (ب. ط.) رقم «أبو البراء» وطلب منه أن يتواصل معه عبر «التلغرام» وعبر صفحة على الإنترنت بعد أن يقوم بتنزيل تطبيق على هاتفه يسمح بتشفير المحادثات (يبقى مضمونها سريا).

وبرغم كلّ هذه الاعترافات، أخلي سبيل رجل الدين (ب. ط.) الذي لم يتوانَ عن المجاهرة بأنّ الملفّ كان «تلفيقاً»، علما أنّ الرّجل الذي أُخليَ سبيله قد يوقف مجددا إذا تبين أن له علاقة بتجنيد العسكري اللبناني الذي أُوقِف أو تحريضه للقيام بأعمال إرهابية!

وكان بيان الأمن العام قد أشار إلى أنّ «أفراد الخلية يتحرّكون في منطقة البقاع، ويتوزع نشاطهم على الشكل الآتي: «تجنيد أشخاص لمصلحة المنظمات الإرهابية وتنسيق عملية انتقالهم إلى الداخل السوري للالتحاق بهذه التنظيمات، تأمين المواد التي تستعمل في صناعة العبوات الناسفة، استطلاع المناطق اللبنانية لاستهدافها بعمليات تفجير إرهابية».

ولفت الانتباه إلى أنّ «المديريّة وبتاريخ 14/9/2016 ختمت التحقيق في قضية عملية التفجير الإرهابية التي وقعت في منطقة كسارة – زحلة، وأحالت ملف التحقيق والموقوفين والمضبوطات إلى مديرية المخابرات في قيادة الجيش استنادا لإشارة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر».