IMLebanon

«الرؤوس الكبيرة» في الاتصالات المهدورة.. من يكشفها؟

خطة لمواجهة التجسس الإسرائيلي.. تنتظر تنفيذها!

«الرؤوس الكبيرة» في الاتصالات المهدورة.. من يكشفها؟

كتب المحرر السياسي:

لم يعد مسموحا أن يتحول اجتماع لجنة الإعلام والاتصالات النيابية شهريا، إلى مبارزة يسعى فيها أهل السلطة بكل مستوياتها (التشريعية والتنفيذية والقضائية) الى تبرئة ذممهم أمام الرأي العام اللبناني، وبالتالي، يصبح «راجح» هو المسؤول عن هدر مئات ملايين الدولارات في ملفات التخابر الدولي غير الشرعي والانترنت غير الشرعي، ناهيك عن مسؤوليات أخرى لعل أخطرها استمرار انكشاف لبنان واستباحة قطاع الاتصالات فيه بكل تفرعاته.

نعم، صار المطلوب من لجنة الاتصالات النيابية، أن تصارح اللبنانيين وتطمئنهم الى وجود إرادة بالمحاسبة، إذا حسنت النوايا، يفترض أن تتمدد باتجاه قطاعات أخرى، في زمن بات فيه الهدر والفساد وجبة يومية تلوكها الألسن وتعبر من خلالها أرقام فلكية، وينبري من يبرر ولا يرمش له جفن.

ولو ركزت لجنة الاتصالات النيابية فقط على نقطتين اثنتين، أولاهما، الشق المالي، لعل هذا القطاع الذي يدر ذهبا، يكون أحد القطاعات التي يمكن أن تغذي سلسلة الرتب والرواتب الموضوعة على الرف منذ سنوات. وفي هذا السياق، يقول أحد العاملين في قلب قطاع الاتصالات إن قيمة الهدر في موضوع الـ E1 خلال سنة واحدة (2013) في شركتي الخلوي يبلغ حوالي 35 مليون دولار، فيما بلغت تقديرات وزير المال علي حسن خليل حول حجم الخسارة السنوية في ملف الإنترنت غير الشرعي حوالي الـ 200 مليون دولار سنويا، علما أنه يُسَجَّل لوزير الاتصالات بطرس حرب أنه ألزم الشركتين الخلويتين بشراء الـ E1 من «أوجيرو» وألزم الأخيرة بأن تعطي الشركات.

يطرح هذا الأمر السؤال حول قدرة القضاء على استدعاء «الرؤوس الكبيرة» وأن يجعلها تتدحرج، حتى تكون عبرة لغيرها، وإن كان الجواب من خلال تعامل القضاء مع قضية متفجرة كسارة ـ زحلة يشي بأن تدخل المرجعيات الدينية والسياسية لم يعد وحده المؤثر، بل صار خطباء المساجد يملكون القدرة على إصدار الأحكام بدل القضاء.

أما النقطة الثانية التي لم يعد جائزا أن تستمر لجنة الاتصالات، ومن خلالها باقي المؤسسات، بإدارة الظهر لها، فهي قضية التجسس الإسرائيلي التي يبدو أنها صارت أمراً واقعاً يجب على اللبنانيين أن يتعايشوا معه كما يتعايشون مع الفساد والهدر.

ولعل السؤال المطروح هنا: هل يُعقَل أن دولة يفترض أنها ذات سيادة تقبل في أن يكون التجسس «على عينك يا تاجر»، حيث تنتشر أبراج المراقبة على طول الحدود اللبنانية، قبل أن يتبين أن الخرق لا يقف عند الحدود، بل يدخل في صميم قطاع الاتصالات (شبكة الباروك، والمعدات الإسرائيلية المستعملة في شبكة الإنترنت غير الشرعي …الخ).

لا يبرر الفراغ الرئاسي ولا «الحروب» حول ترشيح هذا أو ذاك لرئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة أن لا يتحمل أحد في هذه الجمهورية مسؤولية التقاعس المقصود الذي يسمح للإسرائيلي بتوسيع نطاق عملياته وصولا إلى التمدد داخل مفاصل الدولة، من دون إجراءات فعلية للحد منه.

في العام 2009، كانت الفضيحة الكبرى باكتشاف شبكة غير شرعية في الباروك، ليست معداتها إسرائيلية فحسب، بل تبين أنها موصولة على شبكة الإنترنت الإسرائيلية.

ويصدف أنه بعد 7 سنوات، يتم اكتشاف 4 شبكات إنترنت غير شرعية، نواتها شركتان «لم يُلغَ ترخيصهما، عندما تبين أنهما متصلتان بإسرائيل (الباروك) على ما قال وزير الاتصالات بطرس حرب، مذكراً أنه عند المحاكمة، «جرى تسخيف الجرم واعتباره جرما بسيطا وهو خرق قانون مقاطعة إسرائيل».

لم يتغير الكثير منذ ذلك الحين إلى الآن. عملية التسخيف مستمرة، والقضاء لا يزال «يعس» في التعامل مع كل ملف الاتصالات، من دون أدنى اكتراث لكل الاتهامات التي تطاله وتتهمه بالتقصير وبالإصرار على إبعاد يد العدالة عن «الرؤوس الكبيرة» التي تمس بالأمن القومي للدولة وتتسبب بهدر مئات ملايين الدولارات سنويا من هذا القطاع الحيوي.

لا شك أن إسرائيل تجد في اختراق قطاع الاتصالات وسيلة مثلى للوصول إلى داخل كل البيوت والآذان اللبنانية، استكمالاً لما ترصده طائراتها التي «تكزدر» يوميا في السماء اللبنانية، فتقابل ببيان يصدر عن «التوجيه» واحتجاج في الاجتماعات الثلاثية وبعبارات تدبج ضمن التقرير الدوري للقرار 1701.

وإذا كان لبنان لا يملك القدرة على منع التجسس الجوي الإسرائيلي، فإنه لا شك يملك كل الإمكانيات، إن لم يكن لمنع، فعلى الأقل للحد بشكل كبير من استباحة قطاع الاتصالات.

للتذكير، فقد أخذ الاستخفاف الإسرائيلي بلبنان، في العام 2013، بُعداً أكثر جذرية، بلغ حد الإهانة، مع قيام العدو بتحسين وتعزيز أبراج التجسس الموجودة مباشرة على الحدود مع لبنان، بشكل علني لا مثيل له في العالم.

استنفر لبنان الرسمي حينذاك، وتم تشكيل لجنة تقنية أمنية للتحقيق في مخاطر الأبراج التي شيدت. استناداً الى المعلومات المتوافرة لها، أوردت اللجنة في تقاريرها الأولية، أن لبنان مفتوح على كل أشكال التجسس، في ظل وجود مواقع (مثل «جل العلم» الذي يُعدّ ثاني أكبر مركز تجسس إسرائيلي بعد موقع العباد، وقد أعادت إسرائيل تشييده، بعدما دمّرته المقاومة في العام 2006)، على طول الحدود الجنوبية، تسمح للعدو الإسرائيلي بالحصول على كل أشكال المعلومات عن الاتصالات اللاسلكية اللبنانية (خلوية ورادوية). كما تقوم التقنيات الموجودة بتصوير مناطق شاسعة في الجنوب وبتحليل الصور تلقائياً.

ويمكن لمحطة «جل العلم» التي تبين أنها موجهة إلى محطات الإرسال التابعة لشركتي «تاتش» و «ألفا»، التنصت على المكالمات الصوتية واختراق «الداتا»، أضف إلى كونها، بحسب اللجنة، من أكثر مراكز التجسس تعقيداً وتتضمن رادارات متصلة بموقعَي جبل الشيخ ومزارع شبعا.

هذا التقرير النهائي للجنة قُدِّم إلى رئاسة مجلس الوزراء في ربيع العام 2016، وتضمن مقترحات منها التشويش على إسرائيل ومنعها نسبياً من التقاط الموجات اللبنانية، عبر تركيب أعمدة تواجه هوائياتها وتؤدي إلى إعاقة الموجات الرادوية، «وهي قادرة بحسب مصادر اللجنة، في حال تطبيقها، على الحد من قرصنة العدو».

السؤال: هل حصل ذلك، أو بشكل أدق، هل من يهتم رسميا بهذا الملف؟

تؤكد مصادر معنية لـ «السفير» أنه لم يعد بالإمكان ترك قطاع الاتصالات على غاربه، بل صار لا بد من إعادة نظر جذرية. على أقل تقدير لم يعد مسموحاً أن تستمر الاتصالات الخلوية في الانتقال عبر الهواء. ذلك يعتبر بمثابة الهدية لإسرائيل، التي يمكنها أن تسيطر على الأثير بأدنى مجهود.

ما هو المطلوب؟

المطلوب استلام الشبكة التي أنجزت في العام 2013 وتشغيلها، والتوقف عن التحجج بوجود ملاحظات على التنفيذ تتعلق بالمسالك الأسمنتية المستحدثة، خصوصا أن الألياف نفسها لا تشوبها شائبة، فيما الملاحظات تتعلق بـ700 كلم من أصل 3500 كلم من الأشغال المدنية.

وعليه، فإن مجرد تشغيل الشبكة، الجاهزة للعمل منذ ثلاث سنوات، سيضع لبنان على سكة حماية اتصالاته وشبكته العنكبوتية، حيث يمكن البدء بربط المواقع المهمة لشركات الخلوي والجيش اللبناني وباقي المؤسسات الأمنية وسنترالات وزارة الاتصالات مع شبكة الألياف الضوئية. إذ إنه لا يزال هنالك نحو 140 سنترالاً من أصل 300 سنترال ثابت تستخدم الوصلات اللاسلكية، وهذا الأمر متاح في فترة وجيزة جداً إذا سمح بدخول المتعهدين إلى مباني السنترالات.