لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الثاني والثمانين بعد المئة على التوالي.
لم يبق من استقلالنا الوطني إلا العَلم والاسم والذكرى والإجازة. بهت المضمون تدريجياً، واكتشف اللبنانيون، ولو متأخرين، أن الاستقلال لم يأت إليهم بدولة بل بـ«دول» تناسلت على صورة الطوائف والمذاهب و«الوصايات» على أنواعها.
لم يبق من الاستقلال إلا الواجب. نسي اللبنانيون قصرهم الرئاسي موصد الأبواب، ومجلسهم النيابي الذي يحتاج في كل مرة إلى أعجوبة للقيام بالحد الأدنى من الواجبات. ومع ذلك، حفظ اللبنانيون لحكومتهم أنها حكومة الـ 24 رئيساً، ولو أن معظم صورهم وأسمائهم مجهولة من أغلبية اللبنانيين!
لم يبق من الاستقلال إلا ليرتنا وجيشنا. إلا باقة أغان وقصائد وألحان. إلا معالم وأضرحة وقلاع. إلا أسماء مهددة بالنسيان.
في الاستقلال الحادي والسبعين، يتقدم هاجس الأمن، متأثراً بعاصفة الإرهاب التي تلفح المنطقة من الخليج إلى المحيط. وها هو رئيس الولايات المتحدة الأميركية باراك أوباما يبحث عن رئيس جمهوريتنا لتهنئته بعيد الاستقلال، فلا يجده، فيقرر توجيه رسالة إلى الشعب اللبناني «الصديق» بالنيابة عنه، مبدياً أسفه لمرور الذكرى «من دون وجود رئيــس منتخب للجمهورية اللبنانية، وهو رمز مهم ـــ غائب ـــ لوحدة الأمة وعامل رئيسي في تعزيز سيادة لبنان واستقراره»، مختتماً رسالته بالتوجيه الواضح: «يجب أن يكون انتخاب الرئيس قراراً لبنانياً بحتاً، ولكنه قرار يجب أن يُتخذ لمصلحة الشعب اللبناني»، وتعهد اوباما بمواصلة الولايات المتحدة وقوفها «مع شركائها اللبنانيين في مواجهة التهديدات التي يشكلها المتطرفون لبلدينا وللعالم».
سلام: الحكومة بنصف طاقتها
وقال رئيس الحكومة تمام سلام لـ«السفير»: مع الأسف، ذكرى الاستقلال اليوم ليست عيداً، لأننا لا يمكن ان نعيِّد في غياب رئيس الجمهورية، وفي ظل خطف عسكريينا الأبطال، الذكرى غصة كبيرة، وأعتقد أنه على الجميع أخذ العبرة من الحال التي وصلنا اليها، والدفع في اتجاه تلاقي القيادات والقوى السياسية لانتخاب رئيس جمهورية وإجراء انتخابات نيابية.
وأكد سلام أن لا سبيل أمام القوى السياسية إلا التحاور والتلاقي والانفتاح بعضهم على بعض، فالتقوقع والجمود والتمترس، لا يمكن ان يوجد سبيلا الى حل، وقال: المطلوب هو السعي الجدي لإيجاد مخارج وحلول لأزمتنا السياسية. اللبنانيون يستحقون العيش بأمان وهناء واستقرار، وقد آن الأوان للاستفادة من كل موقف يصب في اتجاه التلاقي وجمع الكلمة وليس في اتجاه التشبث والتمسك بمواقف او مكاسب أو مواقع.
وحول الوضع الحكومي قال سلام: الحكومة موجودة للحؤول دون الشغور الكامل في السلطة، وأنا لا أقول إنها تقوم بعملها بأفضل ما يكون، هناك تعثر وهناك ضعف، ولكنَّ هناك مكانا تلتقي فيه القوى السياسية لتجاوز العديد من الخلافات، ومن جهتي، سأستمر في بذل الجهد للم الشمل ورأب الصدع في أدائنا الحكومي، بما يضمن الحد الأدنى من الإنجاز، ولكن وضعنا صعب وأنا قلت في مناسبات عدة إن الحكومة تعمل مع الأسف بنصف طاقتها.
قهوجي: لا هوادة ولا استكانة
وفي «أمر اليوم» بعيد الاستقلال، خاطب قائد الجيش العماد جان قهوجي العسكريين، وأشاد بإحباطهم «حلم إقامة إمارة ظلامية من الحدود الشرقية للوطن إلى البحر، والتي لو حصلت، لأدّت إلى أحداث مذهبية مدمّرة تشمل لبنان بأسره، ولدخلنا في دوامة حرب أهلية أخطر ممّا يتصوره البعض».
أضاف: «الحرب ضدَّ هذه التنظيمات (الارهابية) مستمرّة، فلا هوادة ولا استكانة في قتال الإرهابيين، حتى اقتلاع جذورهم من لبنان. وإنّ القيادة ستواصل بذل أقصى الجهود ولن تدّخر وسيلة، في سبيل تحرير رفاقكم المخطوفين لدى هذا الارهاب، وعودتهم الى مؤسستهم وعائلاتهم».
استشهاد العريف علي قاسم علي
على صعيد قضية العسكريين، وغداة تبلغ عائلة العريف علي قاسم علي (24 عاماً) نبأ استشهاد ولدها من المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، أمضى أهالي العسكريين ليلتهم في ساحة رياض الصلح، وسط الأجواء الماطرة التي لفحت، أمس، جميع المناطق اللبنانية.
وفيما أفادت عائلة العسكري ابراهيم مغيط التي زارت ولدها في جرود عرسال، أن «داعش» يطالب بإطلاق سراح جميع الموقوفين والمحكومين الإسلاميين في سجن روميه، قالت مصادر معنية بملف المفاوضات لـ»السفير» إن هذه القضية ما زالت أسيرة العموميات، وأوضحت أن الوسيط القطري (من أصل سوري) أحمد الخطيب ينتظر منذ أكثر من أسبوعين أن توافيه «النصرة» و«داعش» بلوائح تتضمن أسماء الموقوفين الذين يطالب التنظيمان بإطلاق سراحهم من السجون اللبنانية والسورية، لكنها لم تصله حتى الآن، علماً أن «داعش» كان قد سلم لائحة أولية تتضمن عشرات الأسماء لمحكومين وموقوفين في روميه وبينهم كل الرموز الإرهابية المتورطة في التفجيرات والأعمال الإرهابية.
وفي حين أخذت المصادر على القطريين أنهم برغم التزامهم الملف، لا يضغطون على الخاطفين بطريقة فاعلة، أشار مصدر عربي عليم بملفّ التفاوض الى أن أهالي العسكريين وجَّهوا عبر سفير قطر في بيروت علي حمد المري، رسالة الى أمير قطر تميم بن حمد بن خليفة شكروه فيها على اهتمامه بقضيتهم الإنسانية والجهود التي يبذلها في سبيل عودة أبنائهم أحياء إلى أحضان عائلاتهم، وتمنوا عليه الاستعجال في حلّ القضية «خصوصاً أنّ أرواح أولادنا موضوعة على حدّ السكّين».
بدوره، طلب المري من الأهالي التحليّ بالصبر لأنّ قطر بشخص أميرها تقوم بكلّ ما في وسعها لحلّ هذا الملفّ المعقّد، لافتاً الانتباه إلى أن الأمن القطري يتعامل مع مرجعية لبنانية وحيدة تتمثل بالمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
«داعش» تحفظت عن قطر!
وفي السياق ذاته، رشحت معلومات ديبلوماسية تفيد أنّ قطر عانت صعوبات في فرض ذاتها كوسيط في هذا الملفّ، وخصوصاً مع «داعش»، نظراً لأنّ الأخير كان يرفض التعاطي مع دولة مشاركة في التحالف الدولي ضدّه، لكنّ جنسيّة ما يُعرف إعلاميا بـ«المندوب القطري» وهو سوري الجنسية سهّلت الأمر إلى حدّ ما.
وأشارت المعلومات إلى أن الوسيط أحمد الخطيب ينقل مطالب الخاطفين إلى المعني الوحيد بشأن التفاوض، أي اللواء إبراهيم.
من جهته، اكد الرئيس سلام لـ«السفير» ان المفاوضات بدأت «وهي مستمرة ونأمل أن تأتي بنتائج إيجابية، ولكن وقبل حصولنا على شيء ملموس، لا يمكننا ان نطمئن أحداً او ان نضمن النتائج لأحد، وبالتالي كل أحاسيسنا ومشاعرنا مع هؤلاء الابطال العسكريين ومع عائلاتهم».
ورداً على سؤال، اكد سلام «اننا لا يمكن ان نستسلم او نتراخى امام الخطر الإرهابي الذي يهدد لبنان وكل اللبنانيين من دون استثناء، وعليه فإنني أقول.. أيها اللبنانيون تماسكوا، وتوحدوا خلف جيشكم وقواكم الأمنية وتجاوزوا الحساسيات والصغائر وكل ما هو طائفي او مذهبي واعرفوا ان السبيل الوحيد لضمان بلدكم وضمان وجودكم فيه بعزة وكرامة هو الالتفاف حول القوى العسكرية والثقة بها وبأبنائنا الذين يذودون عن بلادنا بأرواحهم».