IMLebanon

هل تضيّع «8 آذار» فرصة عون.. وفرنجية؟

الحريري: قمت بواجباتي.. وقد أذهب إلى خيار ثالث!

هل تضيّع «8 آذار» فرصة عون.. وفرنجية؟

كتب المحرر السياسي:

خرج الرئيس سعد الحريري، ليل أمس، من الرابية، وهو أكثر اقتناعاً من أي يوم مضى بأنه إذا وضع نفسه بين مقارنة لا بد منها، حتما سينحاز إلى «حبيبه الأول» سليمان فرنجية، لكن «الواقعية» تجعله، اليوم وغداً، أكثر اقتراباً إلى «الحبيب الثاني» ميشال عون.

يقود ذلك إلى استنتاج بسيط، أن الرجل أصبح الآن على مسافة واحدة بين مرشحين اثنين. هذه المعادلة تصب لمصلحة العماد عون، لأنه تمكن من فرض نفسه على جدول أعمال سعد الحريري السياسي ـ الشخصي.

قبل سنة، لم يكن المشهد كذلك. عاد فرنجية من باريس ونام رئيساً ليس بمجرد تبنيه فقط من قبل زعيم «المستقبل»، بل من عواصم دولية وإقليمية، حتى أن رئيس فرنسا خابره لمدة ربع ساعة مهنئاً ومستفسراً..

في مطلع خريف العام 2016، تبدلت حسابات سعد الحريري. خلال لقاءاته التي شملت فرنجية ووليد جنبلاط ونبيه بري وسمير جعجع وميشال عون، كرر الرواية السياسية ـ الشخصية ذاتها التي يبدو أنه صار يحفظها عن ظهر قلب، وتجعله موضع إعجاب عند من كانوا يستمعون إلى مفرداته السياسية. الوقائع التي عرضها تدلل على أنه مأزوم، وهو لا يبحث عن حل لأزمة سياسية مفتوحة على مصراعيها منذ ثلاثين شهرا، بل عن مخرج لأزمة شخصية يمكن أن تجعل أموره أكثر صعوبة في المرحلة المقبلة.

سعد الحريري بلا وجوده في قلب قرارات «السرايا الكبيرة» لن يكون قادراً إلا على إنتاج كتلة نيابية لا تتجاوز خمسة عشر نائباً في أحسن الأحوال. «العودة» إلى لبنان و «العودة» من بعدها إلى «السرايا» من بوابة الرابية، قد تجعله يدفع خسائر إضافية في كتلته وتياره وشارعه، لكنه يملك خطة كفيلة بإعادة استنهاض شارعه وصولا إلى الحد من الخسائر والتعويض مستقبلاً.

يستفيد الحريري من حقيقة لا يختلف عليها اثنان لبنانياً وخارجياً، هي أن حماية الاعتدال السني تتطلب إعادة تثبيت زعامته في شارعه، غير أن المعوقات أو الألغام التي تعترض دربه إلى رئاسة الحكومة متعددة وهي:

أولا: لا يملك أي طرف لبناني تفسيراً موحداً لحقيقة الموقف السعودي وتتراوح الأجوبة ومصدرها اثنان لا ثالث لهما (وزير الخارجية عادل الجبير ورئيس المخابرات السعودية خالد الحميدان)، بين عدم وجود ممانعة سعودية لتبني ترشيح عون وبين ترك القرار للبنانيين وبين الانسحاب الكامل وصولا إلى القول قرروا وتحملوا مسؤولية خياراتكم، وهذه الأخيرة، قد تكون حمالة أوجه وتحتمل أكثر من تفسير واحد.

وإذا كانت المحطة السعودية للحريري في جولته التي بدأت ليل أمس (غادر بيروت ليلاً)، تبدو إلزامية أكثر من أي وقت مضى، فإن الأهم من تزكية هذا الترشيح أو ذاك، أن تتبنى «المملكة» بشكل واضح عودة سعد الحريري إلى «السرايا»، فأمر كهذا لا يحتمل مغامرة ولا خطوة من نوع رمي الكرة في ملعب السعوديين، وهم الذين لا ينسون من يهينهم ويشتمهم، وهي حالة يدفع زعيم «المستقبل» ثمنها بسبب عبارة «السفاح» التي قالها يوما ما عن ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، فهل يحتمل مغامرة جديدة في ظل علاقته المأزومة مع السعوديين الذين لم يعد لهم تأثير في لبنان سوى في شارع واحد محسوب عليهم وفي بعض التقاطعات المؤدية إليه!

ثانيا: وبمعزل عن قدرة الرياض كما قدرة غيرها من العواصم الإقليمية أو الدولية على التأثير في الواقع اللبناني، هل يملك أحد تفسيراً لحقيقة الموقف الأميركي ولماذا لم تطلب السفيرة الأميركية في بيروت، على مدى أسبوع، موعداً من «بيت الوسط» للقاء سعد الحريري، بينما بادر عدد من السفراء الى طلب مواعيد على وجه السرعة، وآخرهم ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة سيغريد كاغ؟

ثالثا: كل المناخات في «المستقبل» (كتلة وتياراً وشارعاً) تجعل الحريري متيقنا من أن الصعوبة التي واجهها في موضوع هضم ترشيح فرنجية، ستكون هذه المرة مضاعفة، فهل يستطيع تحمل الأكلاف ومن يضمن له أن يعوّض في المدى القريب، وتحديدا في الانتخابات النيابية التي باتت على الأبواب؟

رابعا: برغم كل المناخات التي أشيعت في الساعات الأخيرة، تلقت قيادة «حزب الله» رسالة واضحة من الرئيس بري مفادها أن السلة المتكاملة هي المعبر الإلزامي لأية تسوية. السلة هي جدول أعمال الحوار: تفعيل المجلس النيابي والحكومة والتفاهم على المرحلة المقبلة. يطرح ذلك اسئلة على كل المرشحين وليس على مرشح بذاته، لكن مع «الجنرال»، ثمة مقدمات ضرورية لا يمكن التنازل عنها، وفي طليعتها الاقرار بأن المجلس النيابي شرعي 100 % ورئيسه ليس «…..»، فهل يمكن أن يقبل «التيار الحر» بالعودة الى الحوار والحكومة وفتح أبواب المجلس النيابي؟

خامسا: صحيح أن وليد جنبلاط «براغماتي» وواقعي، وهو كان مباشرا مع الحريري عندما قال له: لندخل في صلب الموضوع، أنت تريد تبني ترشيح ميشال عون، لكن ماذا عن موقف حليفي نبيه بري؟ قد يفسر هذا الموقف بأنه نوع من الاختباء وراء موقف رئيس المجلس وصولا لطرح السؤال ـ المفتاح: ألا يوجد خيار رئاسي ثالث؟

بكل الأحوال، ثمة عقدة اسمها «السلة»، وبرغم كل ما ساقه الحريري من أسباب موجبة، لم يتزحزح رئيس المجلس قيد أنملة عن مقاربته، مؤكداً أنها لا تتصل باسم هذا المرشح أو ذاك وأن ما ينطبق على عون ينطبق على فرنجية. ساق بري أمثلة كثيرة ومنها كم استغرق تشكيل أول حكومة للحريري وكم استغرق حتى تشكيل حكومة اللون الواحد برئاسة نجيب ميقاتي.. وصولا لطرح السؤال نفسه: إذا تم انتخاب عون رئيساً للجمهورية وسعد الحريري صار رئيساً للحكومة، من دون اتفاق مسبق على المرحلة اللاحقة، ماذا سيحصل عندما يحين أوان الانتخابات النيابية ووفق أي قانون ستتم وهل سنعود إلى قانون الستين الذي من شأنه ان يستنزف وهج العهد في بدايته؟

وبعكس الانطباعات التي سادت في الساعات الأخيرة، أبلغ الحريري كلا من رئيس حزب «القوات» سمير جعجع ورئيس المجلس النيابي بأنه لم يتخذ قراره النهائي بعد، أي أنه لم يفك ارتباطه العضوي مع فرنجية، والكرة في ملعب زعيم «المردة»، فإذا استطاع أن يكسر الجمود الذي يحيط بترشيحه، سأكون معه، لكن لم يعد مقبولا استمرار الفراغ والجمود. في الوقت نفسه أنا في مرحلة تفاوض مع العماد ميشال عون «وقد أصل معه إلى نتيجة وقد لا أصل.. الأكيد أنني اذا أخفقت، أكون قد قمت بواجباتي. لقد تبنيت مرشحين لفريق 8 آذار، ولم نتمكن من اجراء الانتخابات الرئاسية. لا أحد يلومني اذا قررت أن أنفض يدي بعدما بذلت اقصى جهدي، وبالتالي سأكون مضطرا للذهاب مجددا نحو خيار رئاسي ثالث».

من الواضح أن كل طرف من الأطراف التي تملك حضورا في الملف الرئاسي، لا يملك تقديرا دقيقا لا لقدرته ولا لقدرة أي طرف آخر ولا للخيارات المتاحة، لذلك، تبدو الايجابيات طاغية هنا مقابل سلبيات تطغى في جانب آخر، فيما يبدو التقدير الأدق عند من يردد أن الطريق الرئاسي ما زال طويلا، ولا بد من خريطة طريق، خصوصا أن زلات اللسان أحيانا تكون كافية والا لماذا قال أحد المقربين من «الجنرال» أن الاتفاق مع الحريري.. «شامل»، ولم يعد ينقص سوى أن نضعه «على الورق»!

سعد الحريري قرر الاستدارة نحو ميشال عون، وهو لا يشعر كل من التقاه بأنه قلق من الموقف السعودي. هذه الاستدارة لها مقومات كثيرة، لا يبدو أنها ناضجة حتى الآن.