بري لـ«السفير»: الجميع اعترض أو تحفظ على «الجنرال»
ما هو سر الرحلة الحريرية إلى موسكو؟
لا يملك العماد ميشال عون ترف الانتظار الطويل. رسالته الى الرئيس سعد الحريري كانت واضحة بعد محطة الرابية الأخيرة: الوقت ليس مفتوحا يا دولة الرئيس.
أما الوقت عند الرئيس نبيه بري، فله حسابات مختلفة، فقد توقع أن تنقشع الصورة السياسية «خلال أيام»، وكشف لـ «السفير» أن جميع الذين التقاهم الحريري خلال مشاوراته الأخيرة اعترضوا أو تحفظوا على انتخاب «الجنرال».. «وأنا أعرف ما أقول وواثق منه ومن كلمة جميعهم».
ماذا عن رئيس «تيار المستقبل» ومواعيده؟
إذا كان الحريري، قبل نحو ثلاث سنوات، يمتلك قدرة كبيرة ورغبة قليلة ولم يكمل مشروع رحلته الرئاسية الموعودة مع «الجنرال»، فكيف الحال مع القدرة الأقل بكثير والرغبة الأكبر بكثير في يومنا هذا؟
من محطته السعودية، وما تخللها من مشاورات يصعب التكهن بنتائجها، حطّت طائرة سعد الحريري، ليل امس، في العاصمة الروسية، ليجد هناك دولة عظمى لا يمتّ جدول أعمالها ولا أولوياتها بصلة إلى «أجندة» وأولويات زائرها الآتي من عاصمة خليجية منخرطة «حتى العظم» في حرب إقليمية ـ دولية تستهدف الدور الروسي في الإقليم.
فإذا كانت سعودية سعد الحريري، وفق المتداول، لا تريد أن تسمع بلبنان ورئيسه وزعيم الغالبية السياسية المحسوب عليها، فهل سيجد روسيا متلهفة لتسييل طلباته الرئاسية؟
الأكيد أنه زمن شح «المشاريع» و «الالتزامات» والوعود اللبنانية التي اختبر الروس مفاعيلها سابقا، يوم ذهب اليهم «دولة رئيس» يطلب هبة عسكرية (طائرات ودبابات وأسلحة وذخائر)، فكان أن صُدم بتجاوب «الجيش الأحمر»، وبالتالي، راح يبحث عن «تخريجة» للانسحاب والاعتذار، مخافة تنفيذ التهديد الأميركي بتجميد شحنات المساعدات العسكرية الأميركية للجيش اللبناني، اذا قبل لبنان أي مساعدة عسكرية روسية.
المعلن في هذه الزيارة أن زعيم «تيار المستقبل» سيلتقي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أما غير المعلن، فهو محاولة سبر أغوار الموقف الروسي الذي واظبت موسكو عليه في السنتين الماضيتين، وبلغ مسامع الرابية وغيرها لبنانيا، بعدم حماسة الكرملين لوصول «الجنرال» الى سدة الرئاسة الأولى والتمسك بنظرية «الرئيس التوافقي»، الى حد أن هناك من ردد اسم ميشال عون في إحدى المرات أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فكان أن جاء الجواب على عكس ما يشتهي السائل!
ما بعد المحطة الروسية، يفترض أن يحزم الحريري حقائبه، نحو عواصم أخرى، وهو المدرك قبل غيره، أن قرار الحل والربط، ليس في أي من تلك العواصم، بل في عاصمة وحيدة: الرياض، وما أدراك ما الرياض في هذه الأيام الحريرية الصعبة!
هذا لا يعني التقليل من دور عواصم أخرى، بما فيها موسكو، غير أن الاستدارة من مرشح لفريق «8 آذار» صوب مرشح آخر، تحتاج الى ممر خارجي إلزامي، هو السعودية.. قبل أن تحط طائرة زعيم «المستقبل» في بيروت وتعقيداتها السياسية التي تجعل معظم أهل السياسة يتصرفون على قاعدة أن المضمر هو غير المعلن.
وللسعودية حساباتها بمعزل عمن يرددون ليل نهار أنها «استقالت» من لبنان، أو «تخلت» عنه. الثابت أنها لا تثق بالإدارة السياسية لفريقها، لا بل تحمّل الحريري مسؤولية الكثير من «اللكمات» التي تعرضت لها لبنانيا، وآخرها زج اسمها في موضوع ترشيح سليمان فرنجية، فكيف اذا كرر الحريري السيناريو مرة أخرى، ولم يتمكن من إيصال «الجنرال» الى سدة الرئاسة؟
ما يخشى منه في ضوء هذه الأسئلة كما المعطيات التي رافقت الحراك الرئاسي الأخير، أن تكون مبادرة الحريري غير محسوبة بعناية، وبالتالي أن يصل الى لحظة يجد نفسه مضطرا لـ «فرملة» اندفاعته أولا، ومن ثم إما التراجع الى الوراء نحو إعادة تثبيت خيار سليمان فرنجية أو الذهاب نحو خيار رئاسي ثالث، وعندها سيكون عاجزا عن تقديم تفسير جديد الى الرابية أو الى حلفائه وتياره وجمهوره و «مملكته».. وحتى لمن سيعتبرون أنفسهم.. «منتصرين» في حال سقوط خيار «الجنرال»!
في غضون ذلك، لا بأس من «اشتباكات سياسية لبنانية متفرقة»، شرط ألا تتخذ بعداً طائفياً مقيتاً يذكّر اللبنانيين ببعض مناخات الحرب الأهلية الغابرة. وهنا، يبدو لوم بعض القيادات المسيحية الوسطية كبيرا على بكركي وسيدها البطريرك بشارة الراعي، ذلك أنه بإطلاقه النار على سلة التفاهمات التي دعا اليها الرئيس نبيه بري، انما يساهم، من حيث يدري أو لا يدري، بشحن الجو الطائفي لبنانيا، والمؤسف أكثر أن «التيار الوطني الحر» يساهم في إذكاء هذا الاصطفاف الطائفي، بدليل الأسئلة التي طرحتها مقدمة «او تي في» ليل أمس عما «سيفعل حزبُ الله حيال موقف بري»، في محاولة لتحميل الحزب أكثر من قدرته على الاحتمال.
وفي انتظار إطلالة العماد عون عبر شاشة «أو تي في»، هذه الليلة، وما سيصدر عن مجلس المطارنة الموارنة في بيانهم الشهري، غدا، توجه الرئيس بري بالسؤال الآتي الى الراعي: «أليس حصر الترشيحات الرئاسية بأشخاص مع احترامي لهم، بمثابة أكبر مخالفة للدستور، وهو الأمر الذي ساهم في إطالة أمد الشغور وإيصالنا الى المأزق الحالي»؟
واعتبر بري أن المسؤول الأول عن تعثر انتخاب عون حتى الآن هو عون نفسه، معتبرا أن سلوكه الإجمالي في العديد من الملفات والمحطات دفع الكثيرين الى الارتياب في نياته والامتناع عن دعمه.
وسأل رئيس المجلس النيابي: «لماذا هذه الحملة على سلّة التفاهمات الوطنية المقترحة والتي لا تنطوي على أي غاية شخصية أو حزبية، في حين ان التسريبات والمعلومات تشير الى مناقشات جانبية وثنائية تتم بين البعض حول أدق التفاصيل المتعلقة بتوزيع السلطة في حال وصول الجنرال الى الرئاسة، فلماذا يحلل البعض لنفسه ما يُحرّمه على الآخرين»؟
واستهجن بري اتهام «سلته» بأنها تخالف الدستور وتضرب صلاحيات رئيس الجمهورية، قائلا: تعالوا ندقق في محتوى السلة المدرج أصلا على طاولة الحوار.. قانون الانتخاب ليس من صلاحيات رئيس الجمهورية بل هو يأتي نتاج توافق وطني عام، ثم أنا متفاهم مع «التيار الحر» حول مشروع مشترك، وبالتالي لا مشكلة على هذا الصعيد.. أما في ما خص رئاسة الحكومة فأنا لم أخترع البارود، وعون يتفاوض أصلا مع الحريري باعتباره سيكون رئيس الحكومة المقبل، وكذلك فرنجية، كما أن الحريري يتصرف على قاعدة هذه الفرضية، فلماذا لا يقال إن الجنرال ورئيس «المستقبل» يخالفان مبدأ الاستشارات النيابية الملزمة بينما تُكال الاتهامات لي بمخالفة الدستور لأنني أتعاطى بواقعية.. ثم هناك مسألة تشكل الحكومة التي يمكن أن تخضع لتفاهم مسبق من شأنه أن يسمح لاحقا بإنجاز التأليف سريعا، وهذه تختلف عن التشكيل الذي يجب أن يُترك لمشاورات رئيس الحكومة المكلف بالتنسيق مع رئيس الجمهورية.
وأعلن بري أنه متمسك بدعمه لترشيح فرنجية، على أن يتم تحصين انتخابه بسلة التفاهمات الوطنية، معتبرا ان فرنجية «هو الخيار الذي يمكن الاطمئنان اليه، على كل الصعد، من الطائف وتوازناته الى خيار المقاومة وثوابته». ويتابع: «هذا لا ينفي أن من حق عون أن يترشح وأن يدعمه «حزب الله» الذي أتفهم موقفه جيدا ولا أطالبه بأن يتخلى عن حليفه، لكن لا أقبل في المقابل أن يدفعنا الجنرال الى قرارات لسنا مقتنعين بها»(نص الحوار ص3)..