توقيف انتحاريّين قبيل ساعات من تفجير نفسيهما!
الأمن العام يضبط «طائرة متفجّرة».. وأربع خلايا
لينا فخر الدين
حرّكت إطلالتا وخطابا الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، في ليلة العاشر من محرم ونهارها، الماء الرئاسي الراكد، بتأكيده على المسار السياسي الإيجابي الذي أحدثته المبادرة الحريرية النظرية بتبني ترشيح العماد ميشال عون. في الوقت نفسه، أظهرت مواقف «السيد» أن المنطقة مقبلة على مرحلة تصعيد وتوتر سياسي وميداني من اليمن الى سوريا مروراً بالعراق والبحرين، الأمر الذي يضع الجميع لبنانياً أمام مسؤولية صياغة تسوية انتقالية تساعد في تثبيت الاستقرار السياسي والأمني وعدم تأثر لبنان بالنيران التي سترتفع ألسنتها في كل الإقليم في الأسابيع والأشهر المقبلة.
في هذا السياق، كان الاستنفار الأمني، قد بلغ ذروته مع العاشر من محرم. عشرة أيام من الجهد الأمني الذي شاركت فيه كل المؤسسات العسكرية والأمنية، وكانت حصيلته توقيف عشرات الإرهابيين هم عبارة عن خلايا نائمة موزعة بين الشمال والجنوب والجبل والبقاع والعاصمة.
ومع هذه الإنجازات الأمنية الجديدة، يكتسب الداخل مناعة أكبر، لكن الخطر يبقى قائما في كل ساعة ويوم، الأمر الذي يستوجب تزخيم التنسيق والتعاون الأمني الذي يعطي مفاعيله كما في أكثر من حالة في الآونة الأخيرة..
كان الاستنفار الأمني في أوجّه. البحث عن الانتحاريين في المناطق اللبنانيّة كالبحث عن إبرة في كومة قشّ. ومع ذلك، ألقت المديريّة العامّة للأمن العام ومخابرات الجيش اللبنانيّ القبض على انتحاريين كانا قاب قوسين أو أدنى من تفجير نفسيهما في مركزين دينيين.
هكذا، نجت الضاحية الجنوبية لبيروت من مجزرة حتميّة، إذ أقرّ الانتحاري الذي ألقى الأمن العام القبض عليه الأربعاء الواقع في 5 تشرين الأوّل الماضي في الكولا بأنّه كان يتحضّر لتفجير نفسه بعد يومين (أي يوم الجمعة الماضي) أثناء صلاة الجمعة وداخل أحد أكبر المساجد في الضاحية.
وبدا واضحاً من خلال التّحقيق وقبله الرصد التقني، أنّ مشغّل الانتحاريين (أمير في تنظيم «داعش» في مدينة الرقّة) واحد، وقد أرسلهما في الفترة نفسها، فيما تبيّن أنّ الانتحاريين لا يعرفان بعضهما البعض، برغم تلقيهما الأوامر نفسها من المشغّل نفسه.
وفي الوقت نفسه، تبين أن مجموعتين لوجستيتين كانتا تؤمّنان للانتحاريين الدّعم اللوجستيّ المتمثّل بتأمين التنقّلات ومقرّ الإقامة في لبنان إلى حين موعد التّفجير، بالإضافة إلى استطلاع الأماكن المنوي استهدافها وتوضيب الأحزمة، وهاتان المجموعتان لا تعرفان بعضهما البعض وتتلقيان الأوامر من المشغل «الداعشي» نفسه في الرقة.
إذاً، هي خلايا عنقوديّة أنشأتها قيادات «داعش» في الرقّة بطريقة احترافيّة من دون أن يؤدّي إلقاء القبض على واحد من أفرادها الى انهيار الشبكة بكاملها. وهذا ما يفسّر كيف أنّ مخابرات الجيش رصدت الانتحاري الأوّل وألقت القبض عليه وكادت أن تُنهي استجوابه الى أن انكشف أمر الانتحاريّ الثاني الذي سقط بيد الأمن العام الذي قام بتسليمه الى مخابرات الجيش كي يكون ملفّ التحقيق معهما واحداً.
أمّا أهمّ الإنجازات التي سجّلها الأمن العام، فكانت فجر أمس، عندما ألقت مجموعة منه القبض على ثمانية أشخاص داخل مستودع ذخائر ومتفجّرات يعود لشخصٍ ينتمي إلى «جبهة النّصرة»، ولكنّ تبين من خلال التحقيقات الأولية أن الرّجل الذي بايع «النّصرة» يتصرف كتاجر أسلحة.
لم يترك الرّجل تنظيماً إرهابياً إلّا وباعه أسلحة وذخائر. لذلك، لم تجد الدوريّة عند مداهمة المستودع المذكور في محلة بحمدون أثراً للمتفجّرات، وإنّما صواعق ورمانات يدويّة وذخائر بحمولة نصف بيك اب. فيما الأخطر هو مصادرة الأمن العام لـ «فلاي كام» (كاميرا صغيرة مثبتة على جسم طائر على علوّ منخفض) وبمقدورها أن تحمل متفجّرة صغيرة.
ولدى التّحقيق مع صاحب المستودع، اعترف أنّه باع المتفّجرات لأكثر من تنظيم وبينها «داعش». فيما أخطر اعترافاته حينما توجّه إلى المحقّقين بالقول: «لو جئتم بالأمس، لكنتم وجدتم ستّ كاميرات طائرة متفجّرة». إذ أنّ الرّجل باع خمسة منها لـ»النّصرة»، عشية المداهمة ولم يتبقّ سوى واحدة هي التي ضبطت في المستودع!
«انتحاريّ دمث»!
وبالتّوازي مع هذه العمليّة النوعيّة، فإن عيون الأمن العام كانت تتابع مشتبهاً به آخر في منطقة صور. لا يشبه الرّجل السّمين واللطيف والدّمث الأخلاق، أشكال الانتحاريين المعتادين وأطباعهم، تماماً كإقامته واتّكاله في كثير من الأحيان على معارف ممن سبقوه من أقاربه النّازحين إلى المنطقة.
وبرغم ذلك، فإنّ الشبهات التي تحوم حوله كثيرة وكان آخرها تلقّيه مبالغ ماليّة تمّ تحويلها على اسمه من الرقّة. وبالفعل، ما إن تمّ إلقاء القبض عليه حتّى اعترف الرّجل أنّه جاء إلى لبنان مؤخّراً بعد تلقّيه دورات تدريبيّة على المتفجّرات وكيفيّة صنعها.
وتبيّن أنّ دوره لوجستيّ يتمحور في إيواء انتحاريين، بالإضافة إلى استطلاع أماكن يمكن استهدافها عبر أعمالٍ إرهابيّة ووضع لائحة بها لإرسالها إلى قيادته في «داعش» قبيل تحديد الأهداف نهائيا.
وبالإضافة إلى هذه الإنجازات الثلاثة، فإنّ الأمن العام قام بعمليّة أمنيّة في حيّ السلّم، حينما رصد اتصالات مشبوهة بين أشخاص تابعين لـ «النصرة» وشخصين اشتريا رقمين لبنانيين تمّ استخدامهما فور وصولهما للإقامة في حيّ السلّم أثناء إقامة المراسم العاشورائيّة وبالقرب من أحد المساجد.
ما زاد الشبهات هو إرسال أحدهم رسالة نصية إلى أمير في «النصرة» مفادها: «أنا وصلت عالضيعة، وصلوا الشباب؟».
وحتّى ساعة متأخرة من ليل أمس، لم تُثبت التّحقيقات مع هؤلاء الموقوفين أنّهم كانوا مكلفين بمهام انتحارية، برغم تأكيد صلتهم بـ «النّصرة» بسبب سيطرتها على قريتهم، مؤكّدين تواصلهم مع أشخاص مشبوهين بسبب الصلات العائليّة فقط.
إبراهيم: التنسيق قائم بين الأجهزة الأمنية
من جهته، أكد المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أنه عندما أعلن، أمس، عن توقيف الجيش شبكة كانت تنوي القيام بعمليات ارهابية في الضاحية الجنوبية، «لا اخفي اننا أوقفنا أحدهم وسلمناه إلى الجيش قبل 24 ساعة على تنفيذ العملية التي كان ينوي القيام بها»، في اشارة الى الارهابي الذي أوقف في محلة الكولا، وكان سيفجر نفسه في أحد المساجد، بينما أوقف الجيش الانتحاري الثاني الذي تلقى أمرا بتنفيذ عملية ثانية من المشغّل نفسه في الرقة.
ونفى ابراهيم أن يكون توقيف المفتي السابق الشيخ بسام الطراس قد تم بناء على معلومات خارجية، مؤكداً أن العملية صنعت في لبنان 100 في المئة. وأثنى، خلال غداء تكريمي أقامته نقابة المحررين، لمناسبة العيد الحادي والسبعين للأمن العام، على أهمية التنسيق بين مختلف الأجهزة العسكرية والأمنية اللبنانية، مشيراً إلى أنه «في قضية الطراس مثلا كانت كل المعلومات لدينا، ولمّا تم توقيفه من قبل فرع المعلومات زودناهم بالمعلومات التي بحوزتنا، مما سمح لهم بإكمال المهمة وهي عملية متبادلة بكل ما في الكلمة من معنى».
وأكد أن الخبرات التي باتت تمتلكها الأجهزة الأمنية اللبنانية مكنتها من أن تكون متقدمة على البعض من الأجهزة الأمنية الغربية، ولو أحسنت بعض هذه الأجهزة استخدام ما زودناها به من معلومات، لكان بامكانها تجنيب بلادها بعض العمليات الأمنية التي وقعت.