ايلي الفرزلي
أسهم العماد ميشال عون ترتفع اليوم، فينخفض سقف خطابه السياسي. أسهم «الجنرال» تنخفض غدا، فيرتفع سقف خطابه. الدليل القريب هو خطاب السادس عشر من تشرين أمام الحشد العوني في بعبدا.
وبرغم عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت، ومن بعده مباشرة، وصول موفد فرنسي في «مهمة رئاسية عاجلة»، استوجبت طلب مواعيد من معظم القيادات السياسية، فإن التوقعات باكتمال الصفقة الرئاسية قبل جلسة 31 تشرين الأول، ليست في متناول يد أحد ما دامت ملامح الضمانات والتفاهمات، التي ستلي الإعلان الحريري الرسمي، لم ترتسم خيوطها الأولى بعد، ما يعني أن المواعيد الرئاسية مؤجلة حتى إشعار آخر.
واللافت للانتباه في السياق نفسه، أن الرئيس نبيه بري ينتظر أن يغادر بيروت إما السبت أو الأحد المقبلين في رحلة رسمية تستمر حتى التاسع والعشرين من تشرين الأول الجاري، أي إلى ما قبل يومين فقط من موعد جلسة الانتخاب، وبالتالي، لن تكون فسحة الثماني والأربعين ساعة (وتصادف عطلة نهاية أسبوع) كافية لإنضاج سلة أو تفاهم، الأمر الذي جعل أحد الأقطاب يجزم ليل أمس أن لا نصاب لجلسة 31 الحالي ومن المرجح أن تتأجل إلى الثامن والعشرين من تشرين الثاني المقبل (يوم إثنين).
هل تكون مهلة الشهر كافية لجعل ترشيح عون مستندا الى أرضية أكثر صلابة أم يصيبه ما أصاب ترشيح سليمان فرنجية، فيذهب الحريري الى باريس ويدخل لبنان في موسم الانتخابات الرئاسية الأميركية، فيتأجل كل شيء الى ربيع العام 2017؟
من ناحية الرابية، يبدو جلياً أن «صفر مشاكل» صارت النظرية الأحب إلى قلب «الجنرال»، بعدما قرر رمي كل المشاكل وراءه وفتح صفحة جديدة مع الجميع، وهي الرسالة التي أراد إيصالها للجميع من خلال خطاب ذكرى 13 تشرين.
بالنسبة الى عون، لم يعد يفصله عن القصر الجمهوري سوى إعلان سعد الحريري الترشيح رسمياً (التقديرات في الرابية أن ذلك سيحصل غدا الأربعاء أو بعد غد الخميس). ذلك الإعلان قد يشكل حجر «الدومينو» الأول لكل إجراءات «تتويج» عون رئيساً.
هل تأخر الإعلان؟
لا أحد يملك الجواب الشافي، لكن المرجح أنه إذا كان الحريري قد حسم أمره، فإن التأخير يصبح مرتبطا بإصراره على تقديم كل الأسباب الموجبة لهذا التحول الرئاسي، تمهيداً لتثبيت تفاهمات سياسية رئاسية ـ حكومية تثبيتاً أعمق، وذلك مخافة أن ينجح بإيصال عون وأن يكلف هو برئاسة الحكومة، ولكنه يعجز عن التأليف في ظل فخ التفاهمات، وإلى ذلك الحين، تجد كتلة «المستقبل» متسعاً من الوقت للتصويب على «الموقف التعطيلي الجائر لحزب الله وحلفائه» في بياناتها الأسبوعية، إلا إذا قرر الحريري في جلسة اليوم أن يبعث برسالة مختلفة.
في الرابية التي ستستضيف، اليوم، اجتماع «تكتل التغيير والإصلاح» الأسبوعي، ثمة استشعار أننا على «عتبة مرحلة سياسية جديدة ستبدأ اعتبارا من لحظة التبني الحريري الرسمي لترشيح الجنرال».
في مطلق الأحوال، هناك أربعة سيناريوهات للجلسة النيابية المنتظرة على الأقل يتم التدوال بها:
– يسير الحريري بعون مرشحاً، في إطار خريطة طريق تتضمن إرساء تفاهمات وطنية كبرى، وتشمل قيام عون بجولة على كل المرجعيات السياسية، وأبرزها الرئيس نبيه بري والنائب سليمان فرنجية، وهو الأمر الذي أشار إليه السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير بكل وضوح.
– تتعثر المبادرة، لأسباب محلية أو خارجية، فلا يعلن الحريري ترشيحه لعون، وتعود الأمور إلى نقطة الصفر.
– عدم نضوج ظروف المبادرة الحريرية، ما قد يؤدي إلى تأجيل جديد للجلسة، وهو الاحتمال الأكثر ترجيحا، مع الإبقاء على كل الخيارات مفتوحة.
– يذهب بري الى جلسة 31 تشرين الأول، ويسبقها إعلان الحريري ترشيحه لـ «الجنرال»، من دون تفاهم مع رئيس المجلس، الأمر الذي يبقي التنافس قائما بين عون وفرنجية، ويؤدي الى عملية خلط أوراق والتئام جلسة تنافسية برغم موازين القوى التي ستكون وازنة لمصلحة الرابية، وفق تقديرات المقرّبين من عون «ورقيا».
ومع افتراض سيناريو تخطي كل الألغام، فإن ذلك سيعني نزول كل الكتل إلى مجلس النواب للمرة الأولى منذ الشغور الرئاسي (جلسة الانتخاب الأولى عقدت قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان)، بحيث يمكن أن يصل عدد النواب إلى 128 نائباً (إذا حضر النائب عقاب صقر من «الغربة»).
عندها، ستمر الصندوقة الانتخابية أمام كل النواب، الذين ينتخبون بالاقتراع السري، قبل أن يبدأ موظفو المجلس بعدّ الأوراق. وهنا ليس مستبعداً أن يصل عدد الأصوات التي يمكن أن ينالها عون إلى 117 صوتاً، إذا سار فرنجية في ركب «الجنرال» بمباركة بري وجنبلاط.
أما النتائج المفترضة، فهي على الشكل الآتي: «التيار الوطني الحر» (21 نائباً مع احتساب النائب فادي الأعور)، «الطاشناق» (نائبان)، «الوفاء للمقاومة» (13 نائباً)، «التنمية والتحرير» (13 نائباً)، «القوات» (8 نواب)، «اللقاء الديموقرطي» (11 نائباً)، «الأحزاب الوطنية والقومية» (4 نواب)، «كتلة المردة» (4 نواب)، «الهانشاك» (نائبان)، «الجماعة الإسلامية» (نائب واحد)، ونحو 9 نواب مستقلين هم: ميشال المر، نايلة تويني، طلال ارسلان، نقولا فتوش، محمد الصفدي، ميشال فرعون، فريد مكاري، روبيرغانم وخالد ضاهر.
وهنا، ستلعب كتلة «المستقبل» (31 نائباً)، دورا في بلوغ هذا الرقم، برغم أنه يُتوقع ألا ينتخب كل أعضائها عون، حيث يتردد أن عدد المعترضين سيتراوح بين نائبين وخمسة نواب. وإذ كان الرئيس فؤاد السنيورة والنائب أحمد فتفت قد حسما أمرهما بعدم انتخاب عون، فإن المسألة لم تحسم من قبل النواب محمد قباني ومحمد كبارة وغازي يوسف، أي أن عدد المصوّتين لعون في الكتلة قد ينخفص إلى 26 نائباً في الحد الأدنى، وفق التقديرات العونية.
ويضاف إلى المعترضين، كتلة «الكتائب» (5 نواب)، «التضامن الطرابلسي» (نجيب ميقاتي وأحمد كرامي)، و «المستقلين» دوري شمعون وبطرس حرب.
وإذا لم ينته التوتر بين عون وفرنجية، فإن «كتلة المردة» (3 نواب كون إميل رحمه سيتبنى موقف «حزب الله») ستضاف إلى شاهري «اللا» بوجه «فخامة الرئيس». وعليه، فإن عدد الأصوات التي لن تسمي عون ستتراوح بين 11 (2 «المستقبل»، 2 مستقلان، 5 «الكتائب» 2 كتلة ميقاتي) و17 نائباً (5 «المستقبل»، 4 «الكتائب»، 4 «المردة» 2 «التضامن الطرابسي» و2 مستقلان).
وإذا كان السيناريو السابق، قد تركّز على وجود عون كمرشح وحيد وإبرام تفاهمات تبدو صعبة المنال حالياً، فإن استمرار فرنجية في ترشيحه سيخلط الأوراق، وسيسمح لكثير من المعترضين بالتعبير عن رأيهم بانتخاب منافس عون.
أما إذا لم يكن بري قد أبرم التفاهم مع عون، ومع افتراض تجرؤ العونيين على تأمين نصاب الجلسة، فإن فرنجية سيكون حكماً رقماً صعباً، وستكون الأرقام التي ستصب لمصلحة زعيم «المردة» على الشكل الآتي: كتلة بري (13 نائبا)، كتلة الكتائب (5 نواب)، كتلة المردة (3 نواب)، كتلة القومي (نائبان)، كتلة البعث (نائبان)، كتلة نجيب ميقاتي (نائبان)، كتلة ميشال المر (نائبان)، بطرس حرب ودوري شمعون، أي يكون مجموع الأصوات التي سينالها فرنجية بوجه عون 31 صوتا، قابلة للزيادة اذا قرر بعض المعترضين في «المستقبل» إعطاء أصواتهم الى فرنجية مثل محمد كبارة، وهو خيار مستبعد، علما أن أجواء الرابية تشي بأن «المستقبليين» المعترضين وهم لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة، لن يمنحوا أصواتهم لعون، وسيكتفون بالتصويت بأوراق بيضاء.
الخيار الأخير هو الأكثر ترجيحا حتى الآن، أن ينال العماد عون في ضوء هذا السيناريو حوالي 90 صوتا، على الأقل، فيما ينال فرنجية حوالي 30 صوتا.
حتى الآن، يمكن القول إن هذه السيناريوهات لا تجيب عن أسئلة سياسية مرتبطة بالعناصر الداخلية والخارجية للاستحقاق الرئاسي وحدود القدرة على «تحييد لبنان»، ومسارات معركتي الموصل وحلب وارتداداتهما على كل الإقليم.
في الانتظار، لنرَ كيف سيتعامل «الجنرال» مع جلسة تشريع الضرورة التي ينتظر أن يدعو إليها الرئيس بري اليوم، ويرجح أن تنعقد بمن حضر، بعد غد الخميس، إذا اكتمل نصابها؟