IMLebanon

الحريري يحسمها.. و«الأمتار الأخيرة» تختبر عون

بري «يقاوم».. جنبلاط «يحتجّ».. وفرنجية «يصمد»

الحريري يحسمها.. و«الأمتار الأخيرة» تختبر عون

عماد مرمل

حسمها الرئيس سعد الحريري.. وأبلغ كتلته النيابية أنه سيرشّح العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، الأمر الذي أثار امتعاض العديد من الحاضرين، وفي طليعتهم الرئيس فؤاد السنيورة. إلا أن الحريري لم يعد بوارد التراجع أو المراجعة، على قاعدة أن رفضه لعون سيعني الانتحار من الطابق العاشر حيث لا فرصة للنجاة، في حين أن تبنّيه لترشيح الجنرال سيكون كالقفز من الطابق الرابع، وفي هذه الحالة فإن إمكانية النجاة السياسية تبقى واردة، ولو مع بعض الكسور والرضوض، وفق توصيف أحد السياسيين المواكبين للحراك الرئاسي.

وفيما توقع البعض أن يبادر الحريري اليوم الى الإعلان عن قراره بعدما مهّد له بلقاءات مكثّفة في بيت الوسط توّجها ليلاً باستقبال الوزير جبران باسيل، استبعدت مصادر أخرى ذلك مرجّحة أن يتم الإعلان غداً الخميس أو في موعد لاحق، لافتة الانتباه الى أن الأربعاء تصادف ذكرى اغتيال اللواء وسام الحسن، وبالتالي فإن رئيس «المستقبل» قد يفضّل تجنّب المجاهرة بقراره في هذا التوقيت.

الحريري: لست سعيداً

وقد شرح الحريري خلال اجتماع الكتلة أمس بإسهاب الأسباب الموجبة التي دفعته الى دعم ترشيح عون، معتبراً أنه القرار الصحيح قياساً الى التوقيت والظروف. وقدّم الحريري مقاربة شاملة للأوضاع الإقليمية المتفجّرة ومخاطرها على الواقع اللبناني. وتوقف عند تداعيات الشغور الرئاسي الذي لم يعد يُحتمل، لافتاً الانتباه الى أنه جرّب كل الخيارات الممكنة لمعالجة هذا الشغور وانتخاب الرئيس، إلا أنها لم تلق التجاوب المطلوب، ولذلك كان عليَّ أن اتخذ قراراً جريئاً للخروج من المأزق لأننا وصلنا الى مرحلة فائقة الخطورة.

وأبلغ الحريري بعض زواره أنه ليس سعيداً بخيار دعم عون لكنه قرار اضطراري لاستنقاذ ما أمكن قبل فوات الأوان، منبّهاً الى أن البلد ذاهب نحو الخراب ما لم نتدارك الانحدار. واعتبر الحريري أن «حزب الله» هو الذي عرقل الخيار الآخر وبالتالي أوصلني الى انتخاب عون.

ومع حسم الحريري لخياره الرئاسي، سارع المعترضون الى إعلان حالة الاستنفار القصوى واستدعاء «الاحتياط السياسي» الى الخدمة، فعاجل النائب وليد جنبلاط «المحتفلين» بتغريدة شديدة اللهجة رفض فيها «أن يتمّ التعاطي معنا كالغنم»، وداعياً الى أخذ رأي «اللقاء الديموقراطي» بالحسبان، ثم أضاف تغريدة أخرى تفيد بأن الفرج بات قريباً.

وبالتزامن مع هذه «الصلية» الجنبلاطية العابرة للعالم الافتراضي، تحركت «قوة التدخل السريع» في اتجاه عين التينة، وهي ضمّت كلا من تيمور جنبلاط والوزيرين أكرم شهيب ووائل ابو فاعور والنائب غازي العريضي، علماً أن أبو فاعور زار الحريري أيضاً.

«المصيبة» تجمع

وبدا واضحاً أن اللقاء بين بري ووفد «التقدمي الاشتراكي» يهدف الى تنسيق المواجهة السياسية لثنائية عون ـ الحريري، وما يمكن أن تفرزه من أمر واقع، وصولاً الى تحسين شروط التفاوض، لاسيما أن الكواليس تضج بالأخبار عن اتفاق متكامل وضعه جبران باسيل ونادر الحريري، ويغطّي الكثير من جوانب العهد الرئاسي الجديد.

وأكدت مصادر قيادية في «التقدمي» لـ «السفير» أن بري هو بالنسبة الى جنبلاط حليف استراتيجي في السرّاء والضرّاء لا يُستغنى عنه، مشيرة الى أن هناك تحسساً مشتركاً من الجانبين لـ «الصفقة الرئاسية» الثنائية التي يراد لها ان تتم على حساب أطراف اساسية. واستغربت المصادر استبعاد رئيس المجلس وزعيم المختارة عن مفاوضات التسوية التي يحكى عنها، «أما القول بانه سيجري الكلام معنا بعد دعم الحريري رسميا انتخاب عون، فهو طرح مرفوض، إذ ليس مقبولا التصرف معنا على قاعدة الاكتفاء بإبلاغنا بما اتفق عليه الآخرون وكأننا مجرد متلقين لا شركاء».

لكن جنبلاط قد لا يستطيع ان يستمر في خوض المعركة على إيقاع بري الذي يبدو مستعداً للذهاب فيها حتى النهاية، إذا اقتضى الأمر، في حين ان حسابات جنبلاط الجبلية والمحكومة بالتوازنات الدرزية ـ المسيحية ـ السنية، ربما تدفعه في لحظة الحقيقة الى مسايرة عون والتصويت له، «مكره أخاك لا بطل».

اشتباك «ثنائي»

أما بري، فلا يبدو أنه بوارد المهادنة وهو المتخصص بالانتفاضات، ومن تسنى له رصد «مزاجه» خلال الساعات الأخيرة لمس ان كل أبواب عين التينة ونوافذها مقفلة بإحكام امام ترشيح الجنرال، وهذا ما عكسه بصراحة الوزير علي حسن خليل الذي أكد ان كتلة بري ستصوت ضد الجنرال وأن رئيس المجلس سينتقل الى المعارضة.

لم تتأخر الرابية في الردّ على «حركة أمل»، خصوصاً ان تسريبات المصادر كانت قد تسببت في احتقان برتقالي، سرعان ما ترجمه بيان تكتل «التغيير والإصلاح» بعد اجتماعه برئاسة عون، معتبراً «أن أي كلام عن الثنائية المسيحية ـ السنية هو كلام غير مسؤول وغير مقبول»، مشيراً الى أنه «يصب في فتنة نأمل ألا تكون مقصودة وسنتصدى لها».

وأكد التكتل رفض الابتزاز والتهديد بحرب أهلية، «ومن يرغب في تأييدنا فليؤيدنا ومن لا يرغب فليعارضنا من دون محاكمة نيات وإيكال التهم جزافاً».

ولاحقا، أوضحت أوساط بري لـ «السفير» ان الكلام المنسوب الى مصادر بري هو مختلق، وليس صادرا عن رئيس المجلس او مصادره، مشددة على ان موقف بري واضح وقوامه انه لا يقاطع جلسات انتخاب الرئيس وأنه سيهنئ من يفوز.

كما ان خليل أوضح انه لم يتحدث عن ثنائية مسيحية ـ سنية ولم يستخدم هذه التسمية على الإطلاق، لافتاً إلى أن ما انتقده هو «الثنائيات السياسية».

«انتفاضة» بري

ولئن كان البعض يراهن على تدخل «حزب الله» لدى بري لإقناعه بتليين موقفه، بعد إعلان الحريري عن دعم عون، إلا ان محاولات جس النبض التي قام بها الحزب لم تؤشّر الى ان هناك إمكانية للتأثير على قرار رئيس المجلس.

ووفق المطلعين، فإن بري أبلغ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، عبر أحد قياديي الحزب، رسالة واضحة مفادها انه ليس واردا لديه انتخاب الجنرال، ومثل هذا الاحتمال هو خارج إطار النقاش والبحث.

وعلى وقع زيارة الوزير خليل الى بيت الوسط أمس، نُقل عن بري قوله: سأرى بعدما أنتقل الى صفوف المعارضة، كيف سيشكل الحريري حكومته من دون التوافق مع البيت الشيعي..

بهذا المعنى، يوحي بري بأن سلّة التفاهمات الوطنية التي اقترحها كانت ستسمح بإنجاز تسوية شاملة بكلفة مقبولة على اساس «سعر الجملة»، أما وأن هذه السلة رُفضت، فان مضمونها بات سيُناقش بـ «المفرق» وعلى «القطعة»، الامر الذي يعني ارتفاع «السعر السياسي» لكل بند من بنودها.

في المقابل، اعتبرت أوساط في «المستقبل» ان هناك ضرورة ملحّة للتفاهم مع بري وتفهّم مطالبه، «لأن دوره حيوي ليس فقط من أجل إنجاز انتخابات الرئاسة وإنما لترتيب مرحلة ما بعدها».

عون.. والأقطاب

أين عون من كل هذا المخاض؟

بينما تسود اجواء احتفالية في صفوف قياديي «التيار الحر» وقواعده، مع صعود «الدخان البرتقالي» من بيت الوسط، يؤكد المطلعون على ما يدور في كواليس الرابية، أن الجنرال سيبادر فور إعلان الحريري عن تأييده، الى طلب مواعيد عاجلة لزيارة الأقطاب ومن بينهم بري وجنبلاط، وربما فرنجية أيضاً، بغية مناقشة الهواجس التي تسكن المعترضين على انتخابه، والسعي الى إزالتها او تقليصها.

وإذا كان موقف بري يشكّل أحد تحديات «الماراتون» الذي يخوضه عون على طريق بعبدا، فإن هناك من يلفت الانتباه الى ان «عقدة» فرنجية لا تقل استعصاء، إذ ان رئيس «المردة» ليس بصدد سحب ترشيحه، و «حزب الله» الذي حجب عنه الدعم، التزاما بترشيحه المسبق للجنرال، لن «يزيدها» عليه الى حد ان يطلب منه الانسحاب.

وفي هذه الحال، ترجح بعض الاوساط السياسية ألا ينزل عون الى جلسة الانتخاب ما لم يسحب فرنجية ترشيحه، وذلك خشية من ان يحصل «تسرب» للاصوات في اللحظة الاخيرة في الاتجاه المعاكس، على حساب الجنرال، فيما تتوقع أوساط أخرى ان يتجاوز عون هذا الاعتبار استنادا الى بوانتاج دقيق للأصوات، يُبين حتمية فوزه بالرئاسة، بعدما يعلن الحريري عن دعمه.

وأكدت مصادر المردة لـ «السفير» ان فرنجية مستمر في ترشيحه، ولو فقد تأييد الحريري، لاسيما ان هناك قوى وازنة لا تزال تدعمه.

وكان الحريري قد التقى أمس، كلا من الوزير روني عريجي والوزير السابق يوسف سعادة وأطلعهما على نيته دعم ترشيح عون، والاسباب التي دفعته الى اتخاذ هذا الخيار.