فضيحة المياه: الحماية مفقودة.. والفواتير أربع!
حملة سلامة الغذاء: «العدوى» تنتقل إلى حكيم
يبدو أن الحملة التي أطلقها وزير الصحة وائل أبو فاعور في شأن التلوث الغذائي آخذة في الاتساع، بعدما انضم اليها تباعا عدد من الوزراء، وبعضهم ممن كان غير متحمس لانتفاضة زميله في بداية الامر.
كان يكفي أن تضبط المخالفة الاولى بالجرم المشهود و«الموثق»، حتى تتهاوى كل أحجار «الدومينو» وتتكشف أنماط الفساد في العديد من القطاعات الحيوية، بدءاً من الغذاء وصولا الى المياه مرورا بمراكز التجميل والمستشفيات، وربما يكون الآتي أعظم.
وإذا كانت «العدوى الحميدة» قد بدأت تنتقل من ابو فاعور الى زملائه، فإن العبرة الأساسية تبقى في تحول حملة سلامة الغذاء من مبادرات فردية الى سياسات رسمية ملزمة، لا تتغير أو تتلاشى مع تبدل الوزراء والامزجة، الامر الذي يستوجب من الحكومة حسم خياراتها، ومن مجلس النواب إقرار التشريعات الضرورية، وفي طليعتها قانون سلامة الغذاء.
وبات واضحا ان الفضائح المكتشفة على كل المستويات المتصلة بصحة المواطن اللبناني بلغت حجما لم يعد ممكنا تجاهله أو التقليل من شأنه، وبالتالي فإن هذه الفضائح المدوية فرضت إيقاعها على الحكومة ومجلس النواب المطالبين أقله بتحمل مسؤولية حماية السلامة الغذائية للبنانيين، إذا كانت السلامة السياسية تفوق طاقة الدولة، وتتصل بحسابات إقليمية ودولية.
حكيم يقفل معامل لبنة
وفيما أكد ابو فاعور انه سيكشف غدا الاربعاء عن مزيد من المؤسسات المخالفة وسيسمي أخرى استوفت الشروط، أعلن وزير الاقتصاد آلان حكيم عن قرار بإقفال عدد من معامل اللبنة صباح اليوم هي معامل: لبنة اللقلوق – قيصر – مسابكي – سنتر جديتا – منتوجات شتورا وهوا ديري، وسحب منتجاتها من الاسواق.
وقال حكيم لـ«السفير» ان هذه المعامل ارتكبت مخالفات جسيمة من الدرجة الاولى، تضر مباشرة بصحة المواطن، كما ظهر من التحاليل والفحوص، «وبالتالي فأنا كنت ملزما بإقفالها وتسميتها عملا بنص القانون، لا سيما انها تجاهلت الإنذارات التي كنا قد وجهناها اليها لتصحيح أوضاعها»، مشددا على ان ما فعله ليس من باب المنافسة مع الوزير ابو فاعور أو المزايدة عليه، «وإنما أتى موضوعيا وفي سياق الدور الطبيعي لوزارة الاقتصاد».
وأشار الى ان «على مكتبي مخالفات اخرى، لم أعلن عن هوية المؤسسات التي ارتكبتها، لأنها من النوع الإداري والإجرائي، ولا تصيب سلامة المواطن، ولكننا في الوقت ذاته اتخذنا بحق تلك المؤسسات الاجراءات المناسبة، من دون ضجيج».
ابو فاعور: الممانعة سقطت
وقال الوزير ابو فاعور لـ«السفير» ان «كرة الثلج تتدحرج وتكبر، ولن يستطيع أحد ان يقف في مواجهتها»، لافتا الانتباه الى ان «الممانعة التي ظهرت لدى الهيئات الاقتصادية والمطاعم وبعض الوزراء سقطت أمام أولوية حماية صحة المواطن، وبالتالي فإن حملة مكافحة الفساد الغذائي تسلك طريقها نحو التأطر ضمن قواعد ثابتة وعمل مؤسساتي».
وتعليقا على قرار وزير الاقتصاد بإقفال بعض معامل اللبنة غير المطابقة للمواصفات، قال أبو فاعور: أنا مسرور لان زملائي الوزراء اقتنعوا بجدوى الحملة وباشروا في تطبيقها، وتأكدوا من ان سلامة الغذاء والمواطن لا تتعارض مع سلامة الاقتصاد والسياحة.
وأوضح انه في انتظار إقرار قانون سلامة الغذاء «الذي قد يستغرق وقتا في المجلس النيابي، بادرنا مع وزارة الزراعة الى اقتراح آلية لتفعيل التنسيق بين الوزارات المعنية بالسلامة الغذائية، وهذه الآلية ستُناقش ضمن اللجنة الوزارية المختصة، ثم تعرض على مجلس الوزراء».
وبينما تعقد اللجان النيابية المشتركة اجتماعا اليوم برئاسة الرئيس نبيه بري للبحث في ملف قانون الغذاء، ترأس الرئيس تمام سلام اجتماعا للجنة الأمن الغذائي بحضور وزراء: الزراعة أكرم شهيب، الطاقة والمياه أرتور نظريان، السياحة ميشال فرعون، الصحة العامة وائل أبو فاعور، البيئة محمد المشنوق والاقتصاد والتجارة آلان حكيم.
واطلعت اللجنة على الاجراءات والتدابير التي اتخذت بحق المخالفين وتقرر تشكيل لجنة تنسيق بين رئاسة الحكومة والوزارات المعنية لمتابعة الموضوع.
وستجتمع اللجنة الوزارية مجددا عند التاسعة صباح بعد غد، قبل جلسة مجلس الوزراء لمتابعة موضوع سلامة الغذاء واتخاذ القرارات المناسبة.
ملف المياه
والى جانب تلوث الغذاء، طفت على السطح قضية لا تقل خطورة، بعدما تبين ان المياه المعبأة غير المرخصة ملوثة، ما دفع أبو فاعور الى اتخاذ قرار بإقفال جميع معامل ومحال تعبئة مياه الشرب غير المرخصة التي يقدرها بـ800 شركة، بعدما أظهرت فحوصات الوزارة أنها ملوثة بمياه الصرف بنسبة 90%.
والأسوأ ان بعض شركات المياه المرخصة لا تلتزم بما تعلنه على العبوة، من ان «المياه معدنية وطبيعية» لان هناك من يحفر آبارا ويسحب المياه من جوف الأرض من أماكن غير محمية وغير نظيفة ولا تنطبق عليها الشروط ثم يعالجها ويبيعها!
والمفارقة، ان وزارة الصحة كانت تتكل على مختبرات الشركات نفسها للتأكد من سلامة المياه في غياب المختبر المركزي الذي أقفل منذ العام 2007 من دون أن يتأمن البديل «قانونيا»!
وتتغلغل مياه الري والاستعمال التي تبين انها «مخترقة» من الصرف الصحي، في المنتجات الزراعية والمصانع والمسالخ والمنازل، لتتدفق معها جميع أنواع الجراثيم، ما يطرح علامات استفهام حول أسباب التقصير المزمن للدولة في معالجة وضع البنى التحتية المهملة في الكثير من المناطق.
ويضع هذا الواقع الدولة، قبل أي مؤسسة أخرى، في قفص الاتهام، لأنها المعنية بإيصال المياه النظيفة الى مواطنيها وأراضيها الزراعية، لكنها فشلت في هذه المهمة البديهية، وأطلقت العنان لبدائل عشوائية، الامر الذي جعل اللبنانيين يرزحون تحت ضغط أربع فواتير: فاتورة المياه الرسمية التي لا تصل إلا قليلا، وفاتورة المياه المعبأة للشرب، وفاتورة مياه الخدمة عبر الصهاريج، وفاتورة إصلاح الأضرار التي تترتب على تسرب مياه الامطار الى الكثير من المنازل والمؤسسات بفعل ترهل البنى التحتية.
ولإصلاح هذا القطاع الحساس يختلف الرأي بين ابو فاعور ورئيس لجنة الاشغال والمياه النائب محمد قباني حول ما إذا كان يفترض الاستناد الى المرسوم التنظيمي الصادر في العام 1983 كما يرى ابو فاعور، ام الى القانون الجديد الصادر عن مجلس النواب في العام 2012 وفق قباني. (التفاصيل ص8)