«سلفة» من بري لرئيس «المستقبل».. و«حزب الله» متفهم
الحريري يعبر التكليف.. ماذا عن «أفخاخ» التأليف؟
… وفي اليوم الأول للاستشارات النيابية الملزمة، حصل الرئيس سعد الحريري على 86 صوتاً، أحالته رئيساً مكلفاً تأليفَ الحكومة بشكل غير رسمي، في انتظار أن ينتهي الرئيس ميشال عون من الاستشارات اليوم وتبيان الحصيلة النهائية للأصوات التي سينالها رئيس «تيار المستقبل» الذي وضع أمس إحدى قدميه في السرايا الحكومية.
ولما كانت «التسمية الرقمية» قد حُسمت، على الورقة والقلم، فإن التركيز بات منصبّاً على معرفة اتجاه الثنائي الشيعي الذي من شأن تصويته أن يساهم في التأثير سلباً أو إيجاباً على الوزن الميثاقي للتكليف.
وحتى مساء أمس، كانت المشاورات مستمرة بين «حركة أمل» و«حزب الله»، وداخل قيادة كل من التنظيمين، بهدف تحديد الموقف النهائي من ترشيح الحريري الى رئاسة الحكومة. وفي هذا الإطار، عقدت هيئة الرئاسة في «أمل» اجتماعاًَ برئاسة الرئيس نبيه بري للتداول في الخيارات الممكنة، فيما كان التشاور متواصلاً على أعلى المستويات في «الحزب»، تمهيداً لإبلاغ عون القرار النهائي.
وبدا واضحاً أن الطرفين يحرصان على المشاركة في الاستشارات اليوم، وهما بأقصى قدر ممكن من الانسجام، انطلاقاً من قاعدة «التفاهم والتفهم». وبهذا المعنى، فإن «الحزب» و«الحركة» تعمدا أن يوجها رسالة مشتركة في الشكل والمضمون الى كل من يهمه الأمر حول صلابة تحالفهما، حين بادرا معاً الى طلب نقل موعد الاستشارات مع كتلتيهما النيابيتين من أمس الى اليوم.
وسواء قرر الجانبان أو أحدهما، إما تسمية الحريري أو عدم تسميته أو إيداع الأصوات لدى رئيس الجمهورية، فإن الأكيد أن الثنائي الشيعي سيصعد اليوم الى قصر بعبدا وهو في أعلى درجات التناغم والتوافق اللذين سينعكسان لاحقا على مجريات التأليف، حيث سيخوض «الحزب» و«الحركة» التفاوض كفريق سياسي واحد، يتشارك في السرّاء والضرّاء، على المستوى الوزاري.
وأكد مصدر مقرب من «حزب الله» لـ«السفير» أن التباين الذي ظهر مع بري في الاستحقاق الرئاسي نتيجة ظروف استثنائية لن يتكرر في الملف الحكومي، والجميع سيلمس ذلك حين تنطلق مفاوضات التشكيل. وشدد المصدر على أن «الحزب» ليس بوارد الدخول الى حكومة لا تضم «حركة أمل»، وهذه واحدة من المسلمات والثوابت التي لا تحتمل النقاش لديه.
وفضّل المصدر ترك كل الاحتمالات مفتوحة في ما خص القرار الذي سيتخذه الحزب حيال ترشيح الحريري، مع أرجحية الامتناع عن تسميته، تاركاً لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد أن يعلن اليوم رسميا من قصر بعبدا الموقف النهائي.
في هذا الوقت، بدا أن بري ـ الذي أثنى مجلس الأمن الدولي على جهوده في تعزيز الحوار بين جميع الأطراف اللبنانية ـ يتجه نحو تسمية الحريري اليوم، بالتشاور والتفاهم مع «حزب الله»، وهو ما أمكن التقاطه بين سطور بيان كتلة «التنمية والتحرير» التي أبدت حرصها على التعاون مع العهد من أجل تحقيق الأهداف والغايات الوطنية وبناء دولة المؤسسات.
وميل بري الى تأييد تكليف الحريري ومنحه «سلفة سياسية»، يرتكز على مجموعة اعتبارات، عددتها أوساط رئيس المجلس كالآتي:
ـ إن بري هو راعي الحوار الشيعي ـ السني من خلال لقاءات عين التينة بين «حزب الله» و «تيار المستقبل» بمشاركة «أمل»، وبالتالي فإن رفضه تكليف الحريري سيعطي إشارات سلبية في توقيت حساس، ما قد يؤثر سلباً على هذه التجربة الحوارية التي ربما تكون الوحيدة من نوعها حالياً في العالم العربي المتشظي، تحت وطأة الصراعات العابرة للحدود.
ـ إن حجب الأصوات الشيعية عن المرشح السني لرئاسة الحكومة قد يسبب إعادة إنعاش الاحتقان المذهبي، بينما المطلوب خفض منسوبه.
ـ إن رغبة رئيس المجلس في التعاون مع العهد الجديد وإنجاحه تستوجب إعطاء فرصة لرئيس أولى حكومات هذا العهد.
ـ إن بري يحرص على ألا يتحمل مسؤولية إجهاض أو تنفيس موجة الارتياح التي سادت إنهاء الشغور الرئاسي، وهو لا يريد لهذا البالون التفاؤلي أن ينفجر بدبوس عين التينة.
لكن أوساط بري تلفت الانتباه في الوقت ذاته إلى أن الفرصة التي سيمنحها رئيس المجلس، يواكبها حرص شديد منه على ضرورة تأمين شروط الشراكة المناسبة، بالتكافل والتضامن مع حليفيه وليد جنبلاط وسليمان فرنجية.
وتؤكد الأوساط أن بري لن يقع في فخ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي يحاول التشويش على انطلاقة العهد الجديد من خلال الترويج لمقولة إن من لم ينتخب عون، فعليه أن يبقى خارج الحكومة وأن ينتقل الى صفوف المعارضة.
وتشير الأوساط إلى أن بري ينتظر ما سيُطرح عليه في شأن التشكيلة الوزارية، حتى يبنى على الشيء مقتضاه، معتبرة أن تسهيل أو تعقيد مسار التأليف يتوقفان على طريقة مقاربته من قبل الآخرين، وبالتالي إذا وُجد من سيتعمد «تهشيل» بري عبر طروحات غير متوازنة، فسيكون هو المسؤول عن العرقلة من ثم التداعيات التي ستترتب على محاولة استبعاد مكوّن أساسي هو المكوّن الشيعي عن التركيبة الحكومية، لا سيما أن «حزب الله» لن يشارك في أي حكومة يقاطعها بري.
وإلى حين أن يُكلف الحريري رسمياً اليوم تأليف الحكومة الجديدة، بدا أن الشهيات المفتوحة على الاستيزار لم تنتظر صدور مرسوم التكليف، وها هي الصالونات والكواليس السياسية تضج بالطامحين وبتشكيلات وزارية افتراضية، اختلط فيها الحابل بالنابل، والواقعي بالخيالي.
والمفارقة، أن عدد المستوزرين الذين يتطلعون الى حجز مقاعد لهم في الحكومة المقبلة، لا يمكن أن تتسع له تركيبة من 24 أو 30 وزيراً، بل يحتاج إلى «مجمع» من الحكومات!