جشع «قواتي».. و«تيار» محرج بتفاهماته و«وزرائه» و«فيتوات» سياسية متبادلة
إلى حكومة الثلاثين در.. هذه «فخاخها» وأسئلتها
كتب المحرر السياسي:
للبنان رئيس جمهورية سيطل يوم الأحد المقبل من على شرفة «قصر الشعب» ويقول الجملة السحرية التي لطالما دغدغت مشاعر كثيرين من اللبنانيين قبل أكثر من ربع قرن: «يا شعب لبنان العظيم». بعدها، ينتهي موسم التهاني والتبريكات ويبدأ «الجد».
لقد تمكن ميشال عون من «الثأر». ثأر من داخل وخارج. من موارنة أولا ومن لبنانيين كثر حاولوا إبعاد «لقمة» الرئاسة عن فمه، لكنه، بعناده المستحيل، تمكن من خطفها في لحظة تخل حريرية، فكان أن صار عضواً في نادي رؤساء الجمهورية، فهل سيكون بمقدوره أن يترك بصمته الإصلاحية، على غرار فؤاد شهاب، أم أنه سيكون شبيهاً بمن توالوا قبله على كرسي الرئاسة الأولى، من بشارة الخوري الذي فرضت عليه عوامل داخلية وخارجية الاستقالة، الى ميشال سليمان الذي تسلم من الفراغ وسلّم الى الفراغ وورّث «إعلان بعبدا» الذي صار اعتبارا من أمس.. من الماضي.
وللبنان اعتبارا من أمس أيضا رئيس حكومة كاد يطير فرحاً عندما خرج يخاطب الصحافيين من موقع «الرئيس المكلف». لقد تمكن سعد الحريري من «الثأر» أيضا. الثأر من طريقة إخراجه المهينة من رئاسة الحكومة، لحظة دخوله الى البيت الأبيض للقائه باراك أوباما، قبل أكثر من ست سنوات. وقتذاك، أعلن وزراء «8 آذار» استقالتهم من الحكومة من دارة ميشال عون في الرابية. كان للرسالة وقعها الكبير على الحريري.. وحتى على الأميركيين.
انقضت ست سنوات على تلك الواقعة، تبدلت معها خرائط المنطقة والعالم، من سوريا التي تكتوي بنار حرب لا بل حروب، الى أميركا التي قررت أن تنطوي على نفسها، فلا تفرط في استخدام فائض قوتها بتدخلات عسكرية على هذه الأرض أو تلك، ولا تحارب نيابة عن هذا الحليف أو ذاك، ولا تستعجل إنهاء حرب إذا كان احتدامها يضعف «أعداءها» ويقلل المخاطر الإستراتيجية على حلفائها مثل إسرائيل في المنطقة.
ست سنوات جعلت الحريري يعيد صياغة الكثير من مواقفه ومعادلاته. نظرته الى «حزب الله» تبدلت، ولو أنه يجاهر بعكسها في العلن، لأجل «احترام» مشاعر حلفائه الخليجيين. نظرته الى حلفائه المسيحيين، ولو أنه مضطر الى مسايرة سمير جعجع وسامي الجميل. نظرته الى بيئته. من كانوا خصومه في طائفته، ويريد تحيّن الفرصة لتصفية الحساب معهم، أو بالنيابة عن والده رفيق الحريري.
هؤلاء كلهم ذهب إليهم أمس يعلن أنه جاء ليأخذ «النصائح» منهم. نصائح سليم الحص الذي يقف على ضفة نقيضة، وطنياً وقومياً، كما في مجمل النظرة الى الشأن العام. نصائح نجيب ميقاتي الذي لطالما حورب من «تيار المستقبل» فقط لأنه قَبِل أن يكون رئيسا للحكومة في زمن صعب سياسيا محليا وإقليميا. نصائح من سمع من السعوديين كلاما مباشرا يتصل بحماية سعد الحريري من جهة وبأن رئاسة الحكومة لن تكون مطوّبة لبيت سياسي واحد بعد الآن من جهة ثانية.
112 صوتاً لـ «العهد»!
ولحظة تبلغه من رئيس الجمهورية أنه حصل على أصوات 112 نائبا، أي بفارق 29 صوتا عن الأصوات التي نالها عون في مجلس النواب، بادر سعد الحريري إلى القول لـ «الجنرال»: «هذه النسبة العالية هي تعبير عن ثقة النواب العالية بفخامتك وبالعهد الجديد وليس بي أنا وحسب».
بعد هذه الجملة، انفرجت أسارير «الجنرال» ـ الرئيس، بينما كان الرئيس نبيه بري يتأملهما ويتأمل معهما مشهد «الترويكا» الجديدة. «ترويكا» لن يكون عمرها من عمر الحكومة التي ستؤلف، من الآن وحتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة، بل من عمر المجلس النيابي الذي ستفرزه تلك الانتخابات على الأرجح.
صحيح أن الجفاء سيطر بداية على لقاء نبيه بري وسعد الحريري، بحضور رئيس الجمهورية، غير أن الأخير قرر أن يضع نفسه للمرة الأولى في موقع دستوري وسياسي جديد. بادر، من موقع «الحكم» هذه المرة، إلى ترطيب الأجواء بين الجالسين إلى يمينه وشماله، ليدخل الجميع في نقاش بعدها بشأن «حكومة الوفاق الوطني والسياسي التي لن تستثني أحدا أو تصفّي حسابا مع أحد»، بتأكيد مشترك من الرؤساء الثلاثة.
ترك الحريري انطباعا عند من التقاهم من رؤساء الحكومات أنه مستعد لتقديم تنازلات من أجل التسريع بولادة حكومة وحدة وطنية جديدة تأخذ على عاتقها أولوية وضع قانون انتخابي جديد والتحضير لإجراء الانتخابات النيابية.
في الوقت نفسه، أكد الرئيس نبيه بري أن جواً من التفاهم والتعاون يسود هذه المرحلة، مشيرا إلى انه لمس إيجابية لدى عون والحريري وقال: «نحن نبادل النيات الحسنة بمثلها»، وأوضح أن لقاءه مع عون في القصر الجمهوري، أمس، كان ودياً للغاية، لافتا الانتباه إلى أن تسميته الحريري كانت موضع ترحيب من رئيس الجمهورية الذي أبدى إصرارا على مقاربة الملفات الملحة والدفع في اتجاه معالجتها، وأمل أن يتم تشكيل الحكومة سريعا وعدم وضع تعقيدات أمامها، لافتا الانتباه الى انه سينتظر ما سيُعرض عليه «حتى يبني على الشيء مقتضاه». وشدد بري على ضرورة إنجاز قانون جديد للانتخاب قبل نهاية ولاية المجلس الحالي، معتبرا أنه يجب ان يتصدر ذلك جدول أعمال الحكومة الجديدة.
قضية القانون الانتخابي تتصدر جدول أعمال رئيس الجمهورية، وهو لمس من خلال الاتصالات الدولية التي تلقاها، وخصوصا من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند (اتصل أمس بسعد الحريري وهنّأه بالتكليف) والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وقادة دوليين آخرين اهتماما استثنائيا بإنجاز الاستحقاقات في مواعيدها، سواء تشكيل الحكومة الجديدة في أسرع وقت ممكن، أو إجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري في الربيع المقبل.
الى حكومة الثلاثين در
ومن التقى عون والحريري، أمس، خرج بانطباع مفاده أن خيار حكومة الثلاثين وزيرا يتقدم على خيار الأربعة والعشرين وزيرا بسبب تخمة مطالب الكتل النيابية على صعيد الأرقام والحقائب، غير أن «الفجع الوزاري»، لم يمنع أوساط الحريري من القول إن الحكومة ستولد قبل عيد الاستقلال في الثاني والعشرين من الشهر الحالي، فيما رجح مرجع واسع الاطلاع أن تحتاج عملية التأليف إلى حوالي شهرين على أقل تقدير.
وما يساعد في تسريع عملية التأليف الحكومي أو تأخيرها، ستبيّنه مطالب الكتل النيابية والنواب المستقلين، في استشارات التأليف، مع الرئيس المكلف، اليوم وغدا، في مجلس النواب، وكذلك قدرة الحريري على الإجابة عن الأسئلة الآتية:
- هناك معادلات سياسية جديدة فرضت رئاسة جمهورية ورئاسة حكومة، فهل ستكون الحكومة الجديد محكومة بالتفاهم السياسي المبرم بين عون والحريري، وما هي طبيعته، وكيف سيتمكن «التيار الوطني الحر» من التوفيق بين تفاهمه مع الحريري من جهة وتفاهمه، من جهة ثانية، مع «القوات» التي تتصرف كمنتصرة رئاسيا وبشهية وزارية مفتوحة (4 وزراء على الأقل مع حقيبة سيادية)؟
- اذا كانت الحكومة ثلاثينية، فكيف ستتوزع أرقامها؟ ما هي حصة رئيس الجمهورية الذي يريد أن يحظى بفريق وزاري، مثله مثل ميشال سليمان وإميل لحود والياس الهراوي، وإذا حُسمت الحصة الرئاسية، فماذا سيكون عددها وهل سيكون جميع الوزراء (ثلاثة أو أربعة) من لون طائفي واحد (مسيحي) أم يتم تلوينهم بوزراء مسلمين (شيعي واحد وسني واحد)؟ ومن يضع الضوابط والفواصل بين دور وتصويت وزراء رئيس الجمهورية ووزراء «تكتل التغيير»؟
- اذا كانت قاعدة «8 آذار» و «14 آذار» التي حكمت كل البنيان الحكومي منذ 11 سنة حتى الآن، باتت غير سارية المفعول مع إبرام الصفقة الرئاسية ـ الحكومية، فعلى من سيحتسب وزراء «التيار الوطني الحر»، على «8 آذار» أم رئيس الجمهورية أم يشكلون مع وزراء «القوات» متساوين «شراكة العهد»، وماذا عن شراكة «التيار الحر» مع «تيار المستقبل» حكوميا، وكيف سيصرف «التيار» تفاهمه السياسي مع «حزب الله» المتفاهم سياسيا مع حركة «أمل» التي لن تبصم على حكومة لا تضم وزراء لـ «المردة» و «القومي»؟
- على من يُحتسب وزراء وليد جنبلاط في مجلس الوزراء، وهل سيكون مسموحا لجنبلاط أن يتمثل بوزيرين درزيين (الثالث لطلال أرسلان)، على أن يعوض بوزير مسيحي ثالث؟
- ماذا عن التوجه السياسي الواضح الذي يعبّر عنه «حزب الله» و «أمل» هذه المرة بوجوب أن يتمثل «القومي» في الوزارة الجديدة بمقعد مسيحي وليس شيعيا كما جرت العادة في السنوات الماضية؟
- كيف سيتم توزيع المقاعد السيادية الأربعة (الداخلية والخارجية والمالية والدفاع) في الحكومة، وماذا عن الحقائب الخدماتية التي تبيض ذهباً كالأشغال والاتصالات والطاقة، وماذا عن الحقائب الحيوية كالصحة والتربية والعمل والشؤون الاجتماعية، ولمن ستكون حقيبة وزارة العدل؟
- كيف سيتعامل رئيس الحكومة مع «الفيتوات» التي بدأت تطل برأسها من أكثر من مكان، برفض إسناد هذه الحقيبة أو تلك لهذه الجهة السياسية أو تلك، والأخطر كيف سيتعامل مع إصرار رئيس الجمهورية على وضع «فيتو» على تسلم وزير المال علي حسن خليل لوزارة المال، مع إقراره بأن تبقى بعهدة الطائفة الشيعية ومن يسميه رئيس مجلس النواب؟ وماذا عن «الفيتوات» المضادة المحتملة والتي تتعلق بوزارات أخرى أبرزها الطاقة والتربية؟
- هل سيعتمد رئيس الحكومة المكلف قاعدة المداورة وبالتالي يوافق على وجهة نظر رئيس المجلس التي تستثني وزارة المال من هذه القاعدة ربطا بمحاضر ومناقشات اتفاق الطائف؟
- هل سينتظر رئيس الحكومة جلاء غبار المعارك داخل كل بيت حزبي أو سياسي، خصوصا أن ثمة «شهداء» كثراً على الطريق، ولعل أصعب عملية تلك الجارية في بيت رئيس الجمهورية، في ظل «الفيتوات» المتبادلة ومحاولة تأجيل دفع بعض الفواتير المتأخرة، فهل يؤدي مسار التأليف الى تشظي بعض البيئات الحاضنة للحكومة قبل ولادتها، وأي أثر لكل المسار الحكومي، سواء بالتسريع أو التعطيل على صورة العهد الجديد؟