Site icon IMLebanon

السعودية في لبنان مجدداً: تحشيد للمواجهة أم التسوية؟

موفد ملكي إلى بيروت.. يمهّد لنزع «الشمع الأحمر» عن هبة التسليح

السعودية في لبنان مجدداً: تحشيد للمواجهة أم التسوية؟

جمود حكومي لا أحد يرغب بكسره. وفي الوقت نفسه، لا أحد يرغب بتقديم المزيد من التنازلات، بل ربما هناك من يريد العودة إلى ما قبل انطلاقة مفاوضات التأليف، وهناك مَن يرسم خطوطاً حمراء جديدة للحصص والحقائب، أما مَن يملك القدرة على التأثير، فلا يريد أن يتدخّل طالما أنه فوّض غيره بالملف التفاوضي، اللهم إلا إذا قرّر سعد الحريري أن يجتهد أكثر فأكثر، فيبادر إلى دعوة قيادات «8 آذار» إلى اجتماع في «بيت الوسط» لتنظيم خلافاتها وحصصها، برعايته المباشرة، طالما أن «القوات» محظية بمَن يدافع عنها بشراسة أكثر منه في هذه الأيام.. بينما صارت «14 آذار» مجرد تذكار!

وسط هذه الأجواء التي لا تشي بولادة قريبة للحكومة الحريرية، تستقبل بيروت في نهاية الأسبوع موفداً ملكياً سعودياً يحمل رسالة إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، تتضمّن دعوة له لزيارة العاصمة السعودية، علماً أن وزير الخارجية جبران باسيل، كان قد أبلغ السعوديين بأن الرئاسة اللبنانية ستلبي الدعوة بعد وصولها، لكن ثمة محطة فرنسية أولى، على أن تليها محطة الرياض، برغم تحسّس المصريين الذين كانوا يطمعون بأن تكون رحلة عون العربية الأولى إلى القاهرة، وذلك من زاوية تعزيز رغبة مصر بتأدية دور سياسي جديد في العالم العربي من جهة وأهمية أن يختار الرئيس العربي المسيحي الوحيد، تدشين إطلالته العربية من بوابة القاهرة والأزهر الشريف من جهة ثانية.

ما كُتب قد كُتب. ولكن هل يعكس التجاذب السياسي حول تأليف الحكومة، بشكل أو بآخر، أية مناخات أو تجاذبات خارجية أبعد من صراع القوى المحلية على السلطة؟

يطرح ذلك أسئلة بديهية من نوع هل يمكن أن تكون مثلاً دمشق متحمّسة لطريقة تعامل العماد عون مع زعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية، وهل دمشق متحمّسة للانجذاب العوني لإعطاء «القوات» مطالبها كاملة، بينما يعيب البعض على القوميين والبعثيين وطلال أرسلان وفيصل كرامي أن ينالوا حصة في الحكومة؟

قد يكون الجواب السهل، أن لا ميشال عون يريد أن يضع نفسه في موقع كهذا، ولا دمشق راغبة بالتدخل في الوضع اللبناني، لكن الترابط العضوي بين لبنان وما يجري في المنطقة، يستدعي عدم إهمال العامل الخارجي.

ومَن يراقب تعامل السعودية مع الملف اللبناني من صمتها حمّال الأوجه، مع ارتسام معالم الصفقة الرئاسية، الى مراجعة مجمل تعاملها مع الملف اللبناني، وصولاً الى حماستها لأن تستضيف رئيس الجمهورية، يستدعي طرح أسئلة لمناسبة زيارة الموفد الملكي الى بيروت:

هل تشعر القيادة السعودية بعد وصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض أن مرحلة جديدة من العلاقات السعودية الأميركية ستبدأ وربما تكون من أصعب المراحل وأكثرها تأزماً وتعقيداً؟

إذا كان هذا الشعور موجوداً عند السعوديين، هل قرروا إعادة النظر في مجمل سياساتهم الإقليمية، بدءاً من الملفات الحيوية في اليمن والبحرين مروراً بالعراق وسوريا ولبنان وصولاً الى مصر ودول شمال أفريقيا؟ وهل استفادوا من دروس اليمن والعراق وسوريا ولبنان أم أنهم يريدون التوغل أكثر في حروب؟

الى أين يمكن أن تقود إعادة النظر السعودية، هل نحو المزيد من التشدّد والمواجهة، رداً على استمرار الاستراتيجية الهجومية لإيران في العراق والدفاعية في سوريا والتوافقية في لبنان، أم نحو المزيد من الواقعية والانفتاح، لإعادة فتح أبواب الحوار مع طهران وتعميم التجربة التوافقية في لبنان في أكثر من ساحة عربية؟

هل يصح القول إن السعوديين كسبوا بوصول عون إلى رئاسة الجمهورية من خلال الآتي: أولاً، عودة رمز السعودية الأول لبنانياً إلى السلطة (سعد الحريري). ثانياً، إعادة تثبيت اتفاق الطائف. ثالثاً، دفن «اتفاق الدوحة» ومعه معادلة «الثلث المعطل». رابعاً، تحييد ميشال عون بترئيسه بعدما فشلت كل المحاولات السابقة للفصل بينه وبين «حزب الله». خامساً، تثبيت «قانون الستين»، أي إعادة إنتاج موازين القوى نفسها. سادساً، تحييد لبنان باتباع «النأي بالنفس» عن أزمات المنطقة كلها. سابعاً، إعادة الاعتبار الى القرارات الدولية كلها؟

من الواضح أن ثمة مقاربة سعودية جديدة للعلاقات مع لبنان، سيتم إرسال أولى إشاراتها بتعيين سفير سعودي جديد في بيروت قبل نهاية العام الحالي، ومن ثم جعل مناسبة زيارة رئيس الجمهورية إلى المملكة مناسبة لنزع «الشمع الأحمر» عن هبة الثلاثة مليارات دولار أميركي لتسليح الجيش اللبناني.

ومن حسن حظ الجيش اللبناني أن هذه الاتفاقية أبرمت بين الحكومتين السعودية والفرنسية، ولم يكن دور لبنان فيها سوى إرسال لوائح الأسلحة والذخائر الى هيئة الأركان في الجيش السعودي، وهي بدورها ترسلها الى الفرنسيين عن طريق شركة «أوداس» التي تدير الصفقة. في هذا السياق، تقاطعت معلومات مصدرَيْن فرنسي وسعودي عند القول إن فرنسا تواصل الالتزام ببرنامج تسليح الجيش اللبناني، وإنها قامت بتصدير أسلحة وذخائر تمّ توضيبها في مستودعات الجيش السعودي في السعودية.

هنا يصبح السؤال: هل سيتمّ تحويل هذه الأسلحة مباشرة وبالتالي سيستأنف الفرنسيون توريد الدفعات المتبقية إلى لبنان مباشرة؟

يقول مصدر ديبلوماسي في بيروت إن «السعودية أبلغت الحلفاء والأصدقاء اللبنانيين أنها ليست بصدد دفع الأموال في الساحة اللبنانية وغيرها من ساحات المنطقة، كما كانت تفعل في السابق، وأن جلّ ما تستطيع فعله هو إعادة تحريك الهبة للجيش اللبناني بقيمة 3 مليارات دولار (دفع السعوديون من أصلها حوالي 700 مليون دولار للفرنسيين)، لكن بشروط ترتبط الى حد كبير بهوية من سيكون وزيراً للداخلية ومَن سيكون وزيراً للدفاع ومن سيكون قائداً للجيش في المرحلة المقبلة».