Site icon IMLebanon

بري لـ«السفير»: قواعد التأليف تبدّلت

القوات» تتشدد.. و«المردة» لا يتراجع

بري لـ«السفير»: قواعد التأليف تبدّلت

أغلب الظن، أن الرئيس المكلف سعد الحريري خسر «سباق الاستقلال»، بعدما حالت الشهيات المفتوحة ـ الى حد الإفراط ـ على الحقائب الوزارية الدسمة من دون أن يتمكن من تحقيق «معجزة» تشكيل الحكومة قبل يوم غد الذي يصادف موعد عيد الاستقلال، إلا إذا حصلت في الأمتار الأخيرة مفاجأة سارة، من نوع تبادل التنازلات. والتنزيلات.

في الأساس، كان هذا التحدي السياسي ـ الزمني، نوعاً من المغامرة أو «الترف»، وسط التعقيدات التي تحيط بتأليف الحكومة الاولى في العهد الجديد، لكن الحريري أراد أن يخوض هذه المجازفة، مستعجلا استثمار زخم انتخابات رئاسة الجمهورية قبل أن يتراجع، على قاعدة أن مفاعيل التسوية التي أتت بالعماد ميشال عون الى قصر بعبدا ستفضي الى تشكيل الحكومة سريعا.

ويبدو أن محاولة اختصار الوقت اصطدمت حتى يوم امس بعقبتين: الأولى، التنازع الحاد بين الأطراف الأساسية على الحقائب الـ«سوبر خدماتية» على مقربة من الانتخابات النيابية المقررة في أيار المقبل. والثانية، حالة التشنج التي أفرزها سجال قصر بعبدا ـ عين التينة حول التمديد النيابي وما خلّفه من تشدد في مفاوضات التشكيل، أدى الى فرملة اندفاعتها خلال اليومين الماضيين.

ومع نهاية الأسبوع، بدت صورة التعقيدات كالآتي:

ـ عادت «القوات اللبنانية» الى المطالبة بحقيبة سيادية هي «الدفاع»، ردا على رفض الرئيس نبيه بري تجيير حقيبة «الأشغال» لها، مؤكدا أنه لن يتنازل عنها لأحد، ما دام كلٌ يتمسك بطرحه.

ـ يتمسك «تيار المردة» بالحصول على واحدة من حقائب «الطاقة» و «الاتصالات» و «الأشغال»، مفترضاً أن مجرد قبوله بتوسيع مروحة الخيارات يعكس نيته في التسهيل، بينما لا يزال «التيار الوطني الحر» و «القوات» يرفضان هذا الاقتراح.

ـ يحاول الرئيس ميشال عون جاهداً ضم وزيرين شيعي وسني الى كتلته، فيما يصر بري على أن يتولى مع «حزب الله» تسمية الوزراء الشيعة الخمسة في الحكومة، لا سيما بعدما تناهى الى مسامعه أن عون يتطلع الى توزير شيعي مؤيد له، كما أن الحريري يريد تعويضا مسيحيا ضمن حصته في مقابل أي وزير سنّي يسميه رئيس الجمهورية. لكن، تردد أمس أن الجنرال عاد وأبدى مرونة في طرحه، وأنه قد يكون مستعداً لتليين موقفه.

– السعة المحدودة لتركيبة الـ24 وزيرا التي تؤدي أساسا الى إقصاء أطراف من فريق 8 آذار، ما دفع البعض الى المطالبة بإحياء تشكيلة الـ30.

معادلات مستجدة

وأعمق مما يطفو على سطح المفاوضات الحكومية من مد وجزر، تؤشر مرحلة ما بعد انتخاب عون الى تحول ليس فقط في التوازنات الطائفية وبالتالي الأحجام الوزارية لبعض القوى، بل في وجهة الصراع الداخلي ووجوهه ايضا.

قبل 31 تشرين الاول الماضي، كان الاصطفاف المسيحي – السني الحاد يطغى على ما عداه داخليا، في ظل قناعة راسخة سادت جمهور «التيار الحر» طويلا وفحواها أن هناك مكوّنا مذهبيا بقيادة سعد الحريري يحاول أن يكرّس أرجحيته في النظام والسلطة على حساب المكوّن الآخر الذي يشكل عون أحد أهم رموزه.

تحكمت هذه المعادلة بـ «قواعد الاشتباك» منذ عام 2005 وحتى الأمس القريب، الى أن قرر رئيس «تيار المستقبل» دعم ترشيح الجنرال الى رئاسة الجمهورية.

بعد الانقلاب في خيار الحريري، وتصويته لعون في انتخابات الرئاسة، تغيرت قواعد اللعبة واتجاهات التموضع الطائفي. منذ ذلك الحين خفت وهج التجاذب السني – المسيحي، لتبرز مكانه إشكالية شيعية – مارونية راحت معالمها تتكون شيئا فشيئا، الى أن اتخذت في الأيام الأخيرة شكلا واضحا وصاخبا من خلال سجال بري – عون، والمجلس الشيعي – بكركي.

وإذا كان تأييد «حزب الله» لترشيح عون، في مقابل اعتراض بري، قد خفّف بعض الشيء سابقا من حدة هذه الإشكالية، إلا أن مسعى «التيار الحر» و «القوات اللبنانية» لاحقا لتسييل اتفاقهما الثنائي الى حجم وزاري واسع من شأنه أن يحقق لـ «القوات» حضوراً فضفاضاً، كمّا ونوعاً في الحكومة المقبلة، ولّد نقزة لدى الثنائي الشيعي معا، لا سيما عند «حزب الله» الذي تردد أنه أبدى كذلك انزعاجا ضمنيا مما رافق زيارة عون الى بكركي من مناخات سياسية.

وإذا كان تفويض الحزب لبري بالتفاوض حول الحصة الشيعية في الحكومة قد أعفاه من إحراج الأخذ والرد مباشرة مع عون و «التيار الحر»، خصوصا في الشق المتعلق بـ «فاتورة» تحالف الرابية مع معراب، إلا أن ذلك لا يخفي علامات التبدل أو الانزياح في طبيعة الاصطفافات الداخلية وهويتها الطائفية، وإن تكن العلاقة الاستراتيجية بين السيد حسن نصرالله وعون لن تسمح على الأرجح باهتزازات بنيوية في تحالف شباط 2006 الذي تميز بقدرته على التمدد من القيادة الى القاعدة.

ولعله يمكن القول إن مسؤولية «حماية» ما تحقق على مستوى النسيج الشيعي – الماروني خلال السنوات العشر الماضية ستقع على كاهل الحزب الذي سيكون معنياً بضبط إيقاع الخلافات بين بري والجنرال من جهة، وبتحصين ورقة التفاهم التاريخية من جهة أخرى، مع ما يتطلبه ذلك من احتواء «فائض» تحالف الرابية – معراب ومحاولات سمير جعجع جذب رئيس الجمهورية و «التيار الحر» في اتجاه خياراته.

رسائل بري

في الانتظار، قال بري لـ «السفير» إنه استغرب أن يلجأ عون الى فتح ملف التمديد النيابي مجددا، فيما حبر التصويت له من قبل المجلس لم يجف بعد.

واعتبر أن شلّ عمل مجلس النواب والتعطيل المتكرر لحكومة الرئيس تمام سلام كانا من أسباب الوهن اللاحق بمؤسسات الدولة، وبالتالي لا يجوز اختصار العوامل التي أنتجت الواقع المهترئ للدولة بالتمديد الذي تم اضطراراً، وصدّق عليه المجلس الدستوري بعد الطعن الميمون الذي قدمه «التيار الوطني الحر» تحديدا.

وأشار بري الى أن ما صدر عن عون أتى معاكسا للنيات الحسنة التي كان قد أبداها حيال «الجنرال» عندما بات انتخابه للرئاسة محسوماً، موضحاً أنه أكد لعون حين استقبله في عين التينة، قبيل انتخابه، استعداده للتعاون معه بقدر ما يكون هو كرئيس للجمهورية مستعدا للتعاون ايضا.

وبمعزل عن السجال مع الجنرال، كان بري الممتعض من شروط البعض، يدفع في اتجاه تبديل قواعد التأليف، وهو طلب من معاونه السياسي الوزير علي حسن خليل الاتصال بالحريري وإبلاغه بـ «جواب نهائي»، مفاده أن «حركة أمل» و «حزب الله» يطلبان الحقائب الآتية:

«حركة أمل»: المال (علي حسن خليل)، الأشغال العامة (غازي زعيتر).

«حزب الله»: الصناعة (حسين الحاج حسن)، وزارة الشباب والرياضة (محمد فنيش).

ويبقى وزير شيعي خامس يسميه بري عند صعوده الى القصر الجمهوري، للمشاركة في الاجتماع الذي يسبق الإعلان عن صدور مراسيم تشكيل الحكومة.

وفي سياق متصل، شدد بري على أنه ليس وارداً لديه التنازل عن حقيبة «الأشغال العامة» لأحد، ما دام يتمسك كلٌ بموقعه، مع قيمة مضافة، معتبرا أن النائب سليمان فرنجية محق في مطالبته بحقيبة أساسية، هي بمثابة الحد الأدنى من الحقوق المكتسبة لمن كانت الرئاسة في متناوله، في لحظة ما.

وكشف بري أن عون تعهد له عام 1988، عندما كان قائدا للجيش، بأن تبقى حقيبة المال بحوزة الطائفة الشيعية طوال عهده اذا انتُخب رئيسا للجمهورية، وذلك خلال مفاوضات غير مباشرة تمت بينهما آنذاك، حول إمكان أن يساهم بري – الذي كان وزيرا خلال تلك المرحلة – في إقناع القيادة السورية بتسهيل انتخاب عون رئيسا.

وأكد أنه لا يريد بتاتا أن يحكم مجلس الوزراء أو يتحكم به، «ولكنني في الوقت ذاته أرفض أن يحكمني أو يتحكم بي أحد.. هذا الزمن ولى ولن يعود، وأنا سأفعل كل ما هو ضروري لمنع عودته..».

حصة «القوات»

الى ذلك، قالت مصادر قيادية في «القوات اللبنانية» لـ «السفير» إن الكرة لم تعد في ملعب معراب، بل في ملعب الرئيس بري والنائب فرنجية اللذين يتمسكان ببعض المطالب التي لا تزال تؤخر ولادة الحكومة.

وأكدت المصادر أن «القوات» تصر على نيل حصة وازنة من الحقائب، الى جانب منصب نائب رئيس الحكومة، معربة عن اعتقادها ان التعقيدات المستجدة ستحول على الأرجح دون الانتهاء من تأليف الحكومة قبل عيد الاستقلال.

حسابات «المردة»

إلا أن أوساط «المردة» أبلغت «السفير» أنه ليس صحيحا أن مطلب فرنجية هو الذي يعرقل تشكيل الحكومة، لافتة الانتباه الى أن العقبات الحقيقية في أمكنة أخرى، ومن أهم تلك العقبات محاولة «القوات» الحصول على حصة وزارية منتفخة.

وشددت الاوساط على أن التضحية الرئاسية التي قدمها «المردة» وتحالفاته وقواعده وخياراته تمنحه الحق في نيل حقيبة أساسية.

وأعربت الاوساط عن اعتقادها ان المطلوب إعادة خلط الاوراق والحقائب، وإجراء حسبة وزارية جديدة، محذرة من تبعات سعي البعض الى الاستئثار بالحقائب الوازنة وتوزيعها على المستشارين.