قطر توقف وساطتها.. وبري وجنبلاط ينتقدان «الإدارة»
ملف العسكريين: هذه نقاط القوة والضعف
كتب المحرر السياسي:
لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الثامن والتسعين بعد المئة على التوالي.
خيّمت ظلال استشهاد الدركي علي البزال على المشهد العام، في ظل تعاطف وطني كبير مع عائلة الشهيد التي أظهرت مستوى عالياً من الانضباط والوعي، قطع الطريق مرة أخرى على الفتنة المذهبية المتسربة من جرود عرسال.
وتداعيات استشهاد البزال بلغت أيضاً الدوحة، حيث أعلنت وزارة الخارجية القطرية عن عدم إمكانية استمرار دولة قطر في جهود الوساطة لإطلاق سراح العسكريين اللبنانيين.
وذكرت الوزارة القطرية، في بيان امس، أن «جهود الوساطة جاءت لأسباب إنسانية، وانطلاقاً من حرص دولة قطر على الحفاظ على أرواح الأبرياء، وذلك بعد طلب من الأشقاء في لبنان الوساطة القطرية».
وأكدت «الخارجية» أن قرار عدم إمكانية الاستمرار في الوساطة «جاء نتيجة قيام الخاطفين بقتل الجندي اللبناني» معربة عن بالغ أسفها لمقتله. وجددت «حرص دولة قطر على بذل كل الجهود الديبلوماسية من أجل الحفاظ على الأرواح».
أما داخلياً، فقد جمع دم البزال اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم، تماماً كما حصل عند إعدام الشهداء الآخرين، لتسقط من جديد محاولات الخاطفين المتكررة اللعب على وتر التناقضات اللبنانية، وتفجيرها «عن بُعد».
وأبلغت مراجع لبنانية معنية «السفير» ان المعطيات المتوافرة بحوزتها تفيد بأن تاريخ قتل البزال من قبل «جبهة النصرة»، سابق لموعد الإعلان عنه، مرجحة أن يكون قد تم قبل اربعة أيام.
لكن فشل الخاطفين حتى الآن في استثمار دماء العسكريين لإحداث الفتنة، لا يعني أن الخطر زال، خصوصاً أن أوساطاً متابعة لملف المخطوفين تبدي خشيتها من أن يلجأ الإرهابيون في المرحلة المقبلة الى التهديد بتصفية أسماء متعددة الانتماءات الطائفية والمذهبية، لزيادة الضغط، ما يدفع الى التساؤل حول الخيارات التي تملكها الدولة في مواجهة الاحتمالات المستقبلية.
بري وجنبلاط يرفعان الصوت
وفي هذا الإطار، قال الرئيس نبيه بري أمام زواره أمس إن «خلية الازمة» تحولت الى «أزمة الخلية»، لافتاً الانتباه الى ان بحوزة الدولة العديد من أوراق القوة، إلا انها للأسف لم تُحسن حتى الآن استعمالها، بفعل ما يسودها من تخبط في المواقف وتضارب في الأدوار.
وقال النائب وليد جنبلاط لـ»السفير» إنه يجب الإسراع في إنجاز التبادل بين العسكريين وبعض الموقوفين، ضمن مقايضة تشمل سجناء لبنانيين وحتى غير لبنانيين في سجن رومية. ودعا الى الكف عن المزايدة والتذاكي، مشيراً الى فوضى في خلية الأزمة. وأضاف: أنا صامت حتى الآن، لكن في الوقت المناسب سأقول كل ما لدي إذا لم يتغير النهج المتبع.
الخيارات الممكنة
وفي ما خص الخيارات الممكنة للمعالجة، يمكن القول إنه إذا كان إقفال «جبهة القلمون» دونه اعتبارات كثيرة، سياسية وميدانية، ربطاً بمجريات «معركة الأمم» على أرض سوريا، فإن ذلك لا يعفي السلطات اللبنانية من مسؤولياتها في تحصين إدارتها لملف العسكريين بكل مستوياته ومندرجاته، ولعل «القرارات المناسبة» التي اتخذتها «خلية الأزمة» في اجتماعها الاستثنائي (بعد 18 ساعة من استشهاد البزال)، أمس الأول، في دارة رئيس الحكومة، تشكل مدخلاً لمقاربة مختلفة يفترض أن تأخذ في الاعتبار العناوين الآتية:
أولاً، إن ملف العسكريين هو ملف وطني بامتياز ولا يخص طائفة أو منطقة من دون أخرى، وبالتالي، لا يجوز لأية مقاربة أن تعطيه بعداً طائفياً أو مذهبياً، ولتكن وقفة الأهالي في «البزالية» درساً لكل تجار الفتنة المذهبية في لبنان.
ثانياً، إنهاء حالة الفوضى وبالتالي توحيد المرجعية السياسية للملف عبر حصر إدارته برئيس الحكومة تمام سلام والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم (ومن يحتاجان إليه في الداخل والخارج)، لاعتبارات متصلة بمروحة علاقاتهما، الأول، بوصفه قادراً على مخاطبة كل الدول والحكومات، والثاني، ليس بحكم وظيفته فقط، بل خبرته وعلاقاته وقدرته على التواصل مع العواصم المعنية بهذا الملف، وثمة واقعتان طريتان في ذاكرة الرأي العام، هما «قضية مخطوفي أعزاز» و»قضية راهبات معلولا» اللتان بلغتا خواتيمهما السعيدة من دون أية تنازلات تهدد التماسك الوطني أو علاقات لبنان الإقليمية أو الدولية.
ثالثاً، تثبيت مبدأ التفاوض والمقايضة إذا كان خيار الهجوم العسكري يمكن أن يهدد حياة العسكريين المخطوفين، إلا إذا كان مطروحاً بشكل جدي ضمن دوائر ضيقة جداً.
رابعاً، الاستفادة من الموقف السوري «المتجاوب» مع مطالب الحكومة اللبنانية، وهو موقف فاجأ حتى المفاوضين اللبنانيين الذين اعتقدوا للوهلة الأولى، أن لا مصلحة لدمشق في فتح الأبواب إلا من خلال «دفتر شروط» سياسي وعسكري وأمني.
خامساً، إقامة غرفة عمليات مشتركة تضم ممثلين عن الجيش والأمن العام و»فرع المعلومات» وأمن الدولة والقضاء، للتنسيق وتبادل المعلومات ومركزة الملف التفاوضي.
سادساً، اتخاذ قرار إستراتيجي بمنع قطع كل الطرق الحيوية بدءاً من طريق المطار ووسط العاصمة ومداخلها وصولاً إلى كل الشرايين الحيوية، وبالتالي خروج أهالي العسكريين من الشارع فوراً وضبط إيقاع حركتهم بالتناغم والتنسيق مع المفاوض اللبناني.. وللبنانيين عبرة في طريقة إدارة ملف أعزاز حيث كان الأهالي ينسقون كل خطواتهم (بما فيها قطع الطرق والاعتصامات ونقاطها) مع الممسكين بالملف التفاوضي.
سابعاً، محاولة تجميع أكبر قدر ممكن من عناصر القوة في يد المفاوض اللبناني من خلال:
- احتضان عائلات العسكريين، معنوياً ومادياً وتوفير كل مستلزمات صمودهم.. وصولاً الى قيام مبادرات على الصعيد الوطني.
- قطع أي تواصل ما بين الخاطفين وأهالي العسكريين، سواء عبر الاتصالات الهاتفية المباشرة أو عبر مواقع التواصل أو «الرحلات السياحية» التي التزمها مصطفى الحجيري («أبو طاقية»)، وللبنانيين عبرة في طريقة إدارة الأتراك لملف ديبلوماسييهم في الموصل.
- رفض أية محاولة لتجزئة الملف، بل الإصرار على مقايضة شاملة من أجل طي الملف نهائياً، حتى لو تطلب وقتاً أطول.
- جعل الموقوفين من عيار سجى الدليمي وآلاء العكيلة (الموقوفتين لدى مخابرات الجيش) والضابط الكبير في «الجيش السوري الحر» العقيد عبد الله الرفاعي والقيادي في «النصرة» عماد جمعة (الموقوفين في عهدة الأمن العام) ركيزة لأي تفاوض، والسعي لتجميع أكبر عدد من الأوراق التفاوضية المماثلة، فماذا يمنع الجيش والأمن العام وقوى الأمن الداخلي من تجريد حملة توقيفات شاملة لعناصر إرهابية في كل المناطق اللبنانية والمعابر الحدودية، بالتنسيق مع أجهزة أمنية غربية وعربية، فيكون هؤلاء ورقة من بين أوراق التفاوض.
- الطلب من القضاء اللبناني إعداد لائحة بالإرهابيين الصادرة في حقهم أحكام بالإعدام والمسارعة الى نصب المشانق، بحيث يقابل إعدام كل عسكري، بإعدام إرهابي من أولئك الصادرة بحقهم أحكام، ولعل المدخل الى ذلك وجود حكومة قادرة على الوقوف على قدميها لأن قراراً كهذا (توقيع) يحتاج الى إجماع «حكومة الـ24 رئيساً»!
- الطلب من القضاء اللبناني تسريع محاكمات الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية من أجل رسم خريطة طريق ينتفي معها شعور عدد كبير منهم بالمظلومية جراء قضائهم مدة توقيف تتجاوز مدة الحكم الذي كان يمكن أن يصدر في حقهم.
- رفض إطلاق سراح كبار الإرهابيين من «عيار» أحمد ميقاتي وجمانة حميد ونعيم عباس وجمال دفتردار وعمر الأطرش.
- اتخاذ إجراءات أمنية في المناطق الحدودية غير قابلة للأخذ والرد والتأويل، خصوصاً أن التذرع بعدم وجود قرار سياسي، قد انتفى مع إبلاغ رئيس الحكومة تمام سلام جميع قادة الأجهزة العسكرية والأمنية قراراً واضحاً بمنع إمداد الخاطفين بالمؤن والمازوت والأموال وإقفال أية مسارب تجعلهم يتواصلون مع مخيمات النازحين في عرسال ومحيطها ليلاً ونهاراً.
- إعادة تموضع تشمل الألوية والوحدات العسكرية من فوق الى تحت، حيث تدعو الحاجة، بما يتناسب والمقتضيات العسكرية والأمنية، وبما يؤدي الى إنهاء حالة الإرباك أو «غض النظر»، والاستفادة من الدروس السابقة وآخرها درس «كمين رأس بعلبك» الذي سقط فيه 6 شهداء للمؤسسة العسكرية، لمنع تكراره مجدداً.