أرقام الهجرة من لبنان فاضحة وخطيرة جدا: أكثر من 25 في المئة من اللبنانيين هاجروا ومثلهم ينتظرون فرصتهم، وجلهم من الفئة العمرية الفتية ومتخرجي الجامعات.
أكثر من 35 في المئة من الذين استطلعتهم «الدولية للمعلومات» يعربون عن رغبتهم وتفكيرهم بالهجرة من لبنان، مقابل 65 في المئة لم يفكروا بالموضوع!
واللافت للانتباه أن هذه الرغبة بالهجرة لا تقتصر على طائفة، بل هي تشمل كل الطوائف، ولو أنها ترتفع نسبياً لدى المسلمين لا سيما السنة والعلويين، مقارنة بالمسيحيين، بخلاف ما كان سابقاً، وربما مرد هذا الأمر إلى كثرة المهاجرين المسيحيين في الفترات السابقة، ما أدى إلى تراجع الرغبة بالهجرة لدى المسيحيين، أو استنفاد أعداد المستعدين للسفر، وكذلك ارتفاع هرم الأعمار لديهم نتيجة موجات الهجرة السابقة، وتدني نسبة الولادات لدى الذين بقوا في لبنان.
تذهب بعض الدراسات أبعد من ذلك بكثير، وتكاد أرقامها تتجاوز أرقام «الدولية» تبعا للمعايير المعتمدة، وبينها المعيار الحدودي، الأمر الذي يطرح، وفق خبراء مهتمين بالملف الديموغرافي، إشكاليات سياسية واقتصادية واجتماعية بنيوية تستدعي طاولة حوار وطني بدل تضييع الوقت، خصوصا أن لبنان يواجه منذ تاريخ اندلاع الأزمة السورية، قبل أربع سنوات، تحديات ديموغرافية تمت مقاربتها بطريقة خاطئة، ويستمر التوغل بالغلط حتى يومنا هذا.
يقود ذلك الى استنتاج سريع أن كل أهل السياسة في لبنان، في السلطة أو في المعارضة، يملكون تصورات خاطئة عن المجتمع الذي يتعاملون معه، الى حد أنهم صاروا غرباء عنه، وهو الأمر الذي يفسر إلى حد كبير هذا الانكفاء عن الأحزاب والمؤسسات، بعدما صارت فئات اجتماعية كبيرة، خصوصا الفئة العمرية الشبابية تشعر بغربة، وأن كل الخطاب السياسي الذي يتوجه إليها هو خطاب الوهم.
واذا كان البعض من الخبراء قد يسارع للقول إن الهجرة عنصر تكويني عمره من عمر الكيان اللبناني لا بل سابق له، وإن الهجرة تشكل أحد ركائز الاقتصاد اللبناني، غير أن الأمر أشد خطورة عندما يتبين لنا أن حوالي 46 في المئة من المهاجرين هم متخرجون جامعيون وحوالي 83 في المئة هم من الشباب، ما يعني أن الجامعيين الذين سافروا في ثلاث سنوات يوازي عددهم إجمالي المتخرجين الجامعيين في ثلاث سنوات، الأمر الذي يقود للاستنتاج بأن جميع المتخرجين قد غادروا لبنان!
واللافت للانتباه في مسار الهجرات اللبنانية، منذ العام 1975 حتى يومنا هذا، أن السنوات الثلاث الأخيرة سجلت رقما قياسيا، اذ تجاوز عدد من تركوا لبنان، سواء بصورة دائمة أو موقتة، 174,704 لبنانيين، أي بمتوسط سنوي مقداره 58,234 لبنانياً. في حين ان المتوسط خلال السنوات الماضية (1995 ــ 2010) كان 14,560 لبنانياً. أي بارتفاع مقداره 43,674 لبنانياً ونسبته 300 في المئة، وهذا مؤشر خطير في حال استمرار الهجرة والسفر بالوتيرة المرتفعة نفسها في السنوات المقبلة.
وبما أن نحو 83 في المئة من المهاجرين هم من الشباب، فهذا يعني أن نحو 25 في المئة من شباب لبنان قد هاجر، خصوصا أن عدد المهاجرين سنوياً قد يساوي نسبة الزيادة في السكان، علما أن بعض الدراسات تشير إلى أن عدد سكان لبنان يتناقص سنويا بسبب تناقص الولادات.
ومن الملاحظ أن الفئة العمرية الشابة (20-44) تشكل 38.1 في المئة من الشعب اللبناني، أما لدى المهاجرين فإن هذه الفئة تشكل 82.6 في المئة منهم، مما يحمل دلالات خطيرة في المستقبل لجهة تناقص السكان المقيمين وشيخوختهم.
وتأتي كندا في طليعة الدول التي يرغب اللبنانيون في الهجرة إليها، إذ هي مقصد 13 في المئة من المستطلَعين الراغبين بالهجرة، وتأتي بعدها استراليا (8 في المئة)، الدول الأوروبية (7 في المئة)، الولايات المتحدة (7 في المئة)، ألمانيا (5 في المئة)، فرنسا (4 في المئة)، السويد (3 في المئة)، ودول أخرى (13 في المئة) ولم تحدد نسبة 40 في المئة أية وجهة للهجرة (التفاصيل ص3).