قضية العسكريين أمام سقوف متفاوتة للمقايضة
عون يرفع «مهره»: الرئاسة أو.. طائف جديد
لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم المئتين على التوالي.
وحدها، حركة الموفد الدبلوماسي الفرنسي جان فرنسوا جيرو ملأت بعضًا من الفراغ السياسي الداخلي، وإن كان من المبكر الرهان أو البناء عليها، في انتظار ما سيليها من تواصل فرنسي مع الرياض وطهران، لاستكشاف إمكانية إحداث خرق في جدار الأزمة الرئاسية، وسط تأكيد جيرو لبعض من التقاهم أن بلاده لا تضع «فيتو» على أحد، مرحبا بالحوار المرتقب بين «حزب الله» و«تيار المستقبل».
وتقاطعت مهمة جيرو في بيروت مع موقف لافت للانتباه للعماد ميشال عون، الذي أكد بعد اجتماع «تكتل التغيير والإصلاح» أمس أنه «مستعد للتفاوض حول الجمهورية مع أي كان، وإلاّ فأنا مستمرٌّ في المعركة».
وبدا أن عون يرفع، من خلال هذا الموقف، قيمة «مهره الرئاسي»، على قاعدة دعوة الناخبين المحليين والخارجيين إلى الاختيار بين استعادة الشراكة الوطنية وتصحيح التوازن من خلال انتخابه رئيسًا، وبين البحث في صيغة جديدة للجمهورية على أنقاض الخلل في اتفاق الطائف.
وقالت مصادر في «التيار الوطني الحر» لـ«السفير» إن ما أدلى به عون في الرابية لا يعني بأي حال أنه قابل للتنازل عن حقه الرئاسي، بل يندرج في إطار تحصين الجمهورية وإعادة الانتظام إلى توازناتها، وهو أمر لا يتحقق إلا برئيس قوي.
قضية المخطوفين
أما على صعيد قضية المخطوفين العسكريين، فإن الجهد لا يزال يتركز حاليا على إيجاد قناة تفاوض بديلة عن الوساطة القطرية المنسحبة، وهو دور تبدو هيئة العلماء المسلمين من أبرز المرشحين له.
والتحدي الآخر الذي يواجه ملف المخطوفين هو توحيد السقوف الرسمية المتفاوتة حيال المقايضة المفترضة، والتي طالب النائب وليد جنبلاط بأن تكون من دون قيد أو شرط، خلال زيارته مخيم الأهالي في ساحة رياض الصلح، أمس، فيما أفادت المعلومات أن وفد «هيئة العلماء» تبلغ من المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الموافقة على المقايضة، إنما ضمن القوانين المرعية الإجراء، ويبدو أن ابراهيم قد توافق على هذا السقف مع الرئيسَين نبيه بري وتمام سلام.
وناشد رئيس «الهيئة» الشيخ سالم الرافعي، بعد اللقاء مع وزير الداخلية نهاد المشنوق، المسلحين في جرود القلمون أن يعطوا «هيئة العلماء المسلمين» تعهدا بألّا يتم قتل أي عسكري بعد اليوم، على أن تبقى المفاوضات سائرة ولو طالت، مؤكدا الحرص على إنقاذ جميع الأسرى العسكريين «كحرصنا على إخراج شبابنا من سجن روميه بعد سنوات طويلة من دون محاكمات».
وأكد أنه إذا لم يكن هناك تفويض رسمي من الحكومة، وإذا لم تكن هناك جدية بالمقايضة، فإن «الهيئة» لن تقوم بمبادرة أو وساطة لحل المشكلة بين الحكومة والخاطفين.
في هذه الأثناء، أصدرت المحكمة العسكرية مذكرة توقيف وجاهية في حق طليقة البغدادي سجى الدليمي وزوجها كمال محمد خلف، فلسطيني الجنسية، وأخلت سبيل زوجة مسؤول «جبهة النصرة» أبو علي الشيشاني، علا العقيلي التي تم تسليمها إلى المديرية العامة للأمن العام لكونها غير لبنانية (سورية الجنسية) لاتخاذ التدابير اللازمة.
جيرو: لا فيتو على أحد
إلى ذلك، واصل مدير شؤون الشرق الأدنى وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو أمس زياراته الى المسؤولين والقيادات، فالتقى كلا من الرئيسَين ميشال سليمان وأمين الجميل، العماد ميشال عون، مسؤول العلاقات الدولية في «حزب الله» عمار الموسوي، وقائد الجيش العماد جان قهوجي.
وعُلم ان جيرو وضع القيادات اللبنانية في أجواء تحركه الهادف إلى الدفع في اتجاه إنجاز الاستحقاق الرئاسي، والذي قاده إلى جولة شملت السعودية والفاتيكان وإيران التي سيزورها مجددا في وقت قريب.
وفي المعلومات، أن جيرو لا يحمل مبادرة محددة، لكنه ركز على ضرورة انتخاب رئيس الجمهورية بأسرع وقت ممكن. وأكد أنه سيواصل تحركه الإقليمي وسيزور الدول المؤثرة، سعيا إلى تحقيق هذا الهدف، مبديا استعداد باريس للتعاون مع أيران والسعودية في هذا المجال.
وأبلغ جيرو من التقاهم أن باريس لا تضع فيتو على أحد وليس لها مرشح محدد، خلافا لما يجري الترويج له.
وخلال اللقاء مع الرئيس بري، أمس الأول، شرح رئيس المجلس للموفد الفرنسي ما قام ويقوم به على مستوى محاولة تحريك الاستحقاق الرئاسي، خصوصا لجهة إطلاق الحوار بين «حزب الله» و»تيار المستقبل».
وعُلم ان جيرو رحب بالحوار المرتقب بين «التيار» و»الحزب»، معتبرا أنه يفيد الجهد الذي يبذله للتعجيل في انتخاب الرئيس، فيما أكد بري أمام زواره أمس أنه مطمئن مئة بالمئة لجهة انطلاق الحوار، آملا أن تُعْقَد جلسته الأولى قبل نهاية السنة، ومشددا على أنه لا يوجد تراجع عن الالتزام به من أي من الفريقين.
وتعليقا على بعض المواقف من الحوار، قال: «إن شاء الله يكونوا عم بيقوصوا له مش عم بيقوصوا عليه».
وفي الاجتماع مع عون، أبدى جيرو قلقه من الفراغ الرئاسي وواقع الحكومة ومجلس النواب، معربا عن خشيته من تأثير تفتيت المؤسسات الدستورية في الاستقرار في لبنان. واعتبر أن إعادة الامور إلى مجراها الطبيعي تبدأ من خلال انتخاب رئيس الجمهورية، مؤكدا استعداد فرنسا للتواصل مع القوتَين الاقليميتَين المؤثرتَين في الاستحقاق الرئاسي، إيران والسعودية، للدفع في هذا الاتجاه.
أما عون، فلفت انتباه ضيفه إلى أنه يواجه منذ عودته إلى لبنان عام 2005 إشكاليات في العلاقة مع بعض الأطراف الداخلية، متوقفا عند الإصرار على عدم احترام الدستور والمضي في تهميش القرار المسيحي.
وأضاف عون مخاطبا جيرو: بعد انتخابات 2005 النيابية حصلت على 70 بالمئة من أصوات المسيحيين، ومع ذلك تم استبعاد «التيار الوطني الحر» عن الحكومة التي تشكلت لاحقا، ثم كان من الطبيعي أن أكون المرشح الموضوعي إلى رئاسة الجمهورية في انتخابات 2007 انطلاقا مما أمثل، لكن مرة أخرى عطلوا مسار التصحيح للتوازن المفقود، وطرحوا عليَّ معادلة أن أكون الناخب الأول ومرجعية التمثيل المسيحي في مقابل تسهيل انتخاب الرئيس، إلا أن ذلك لم يتحقق، كما تبين من التجربة، والآن يقولون لي مجددا أنَّ علي أنْ أضحي مرة أخرى، علما أنني لست صاحب طموح شخصي على مستوى الرئاسة، بل انطلق في موقفي من ضرورة وصول مسيحي قوي إلى قصر بعبدا، ولذا اقترحت أن تنحصر المنافسة بيني وبين سمير جعجع، حتى لا يأتينا رئيس لا لون له. واعتبر أن وجود المسيحيين في الشرق مرتبط بمعركة الرئاسة في لبنان.
وهنا، أشار جيرو إلى أن هذا الطرح يتعارض مع الدستور اللبناني الذي لا يسمح بحصر المنافسة بين مرشحين اثنين فقط، فلفت عون انتباهه إلى أن «الدستور يُنتهك منذ زمن طويل لمصالح شخصية وفئوية، ولو كان لدينا، أساسًا، مجلس نيابي قائم على أساس قانون انتخاب عادل يحقق التمثيل الحقيقي لما وُجدت مشكلة».
وسلّم عون الزائر الفرنسي نسخة عن الرسالة التي وجهها في تموز 2014 إلى الملكين السعودي والمغربي والرئيس الجزائري باعتبار أن دولهم هي راعية اتفاق الطائف، وحذر فيها من أن الطائف يُطبق بطريقة تلغي المسيحيين.
وتوقف عون عند الفيتو الخارجي المزمن عليه، عارضا ما ورد في كتاب النائب حسن فضل الله «حزب الله والدولة» حول الخط الأحمر الذي وضعته الرياض عليه، خلال فترة التحالف الرباعي.
وأكد جيرو في تصريح أدلى به موقفَ بلاده «الداعم بقوة لانتخاب رئيس للجمهورية في أقرب مهلة»، داعيا إلى «الإفادة من الجو الملائم لدى الدول المؤثرة». وأعرب، في الوقت نفسه، عن قلق «فرنسا على الوضع في لبنان من النواحي السياسية والاقتصادية والإنسانية».
ويبدأ الرئيس تمام سلام، اليوم، زيارة رسمية إلى باريس تستمر أربعة أيام، يناقش خلالها الهموم اللبنانية الأساسية مع المسؤولين الفرنسيين، لا سيما أربعة ملفات هي: الاستحقاق الرئاسي، تسليح الجيش، النازحون السوريون، ومكافحة الإرهاب.
ومن المقرر أن يلتقي سلام الرئيس فرنسوا هولاند، ورئيس الحكومة مانويل فالس، ووزير الدفاع الوزير جان إيف لودريان.