Site icon IMLebanon

رغيف اللبنانيين ملوث.. والفساد يلتهم الجمارك

قوارض وحشرات وطيور ومياه آسنة في أهراء القمح ومحيطها

رغيف اللبنانيين ملوث.. والفساد يلتهم الجمارك

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم التاسع بعد المئتين على التوالي.

.. ومثلما يحتاج البلد إلى «صدمة» تنتج رئيسا، فإن حالة الإنكار غير المسبوقة للشواذ، وهو متمدد في طول الجمهورية وعرضها، تحتاج أيضا إلى «صدمة».

وسط هذه الحالة السوداوية التي تزنّر يوميات اللبنانيين، في وسط محيط مضطرب، لا بل ملتهب، كان كافيا الاستماع أمس الى المؤتمر الصحافي لوزير الصحة وائل أبو فاعور والمقابلة التلفزيونية مع وزير المال علي حسن خليل، بكل مضمونهما «الفضائحي» لطرح سؤال الدولة، وماذا يبقي هذا البلد واقفا على قدميه، وكيف يمكن كسر الحلقة المفرغة التي تجعل نظاما طائفيا مجبولا بالفساد والزبائنية والمحسوبية عصيا على التغيير والاصلاح؟

ربع قرن على انتهاء الحرب الأهلية. هي مساحة زمنية كافية للاصلاح والمصالحة، لكن العكس قد حصل، فكانت النتيجة أن كل شيء صار بحكم المباح، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من منسوب قياسي للمديونية والفساد والهدر والانهيار في كل شيء. في السياسة والأمن والثقافة والاقتصاد والاجتماع.

نعم، كان لا بد من «صدمة». من هنا، يمكن النظر إلى ما بدأه وزيرا الصحة وائل أبو فاعور والمال علي حسن خليل، وانضم اليه وزراء آخرون، بوصفه ظاهرة ايجابية يجب أن تحتضن وتستكمل وتستمر ولا تتوقف، حتى لو نجحت الضغوط السياسية بوقفها في «لحظة ما»، خصوصا أن «المبادرة» تأتي من أحزاب وتنظيمات ولا تندرج في سياق «الدولة» المسؤولة الأولى عن الانتظام العام.

ففي كل وزارات العالم، تعنى وزارات الصحة أولا بكل ما يتصل بأكل وشرب واستهلاك المواطنين. يأتي ملف المستشفيات والأدوية في الدرجة الثانية، وأحيانا يلزّم لصناديق أو مؤسسات حكومية ضامنة. أما في لبنان، فان العكس صحيح.

لا يأتي هذا الكلام في سياق الدفاع عن ظاهرة صوتية أو اعلامية، بقدر ما يهدف إلى الدفاع عن ما تبقى من هيكل دولة ورثها اللبنانيون بعد انتهاء «الانتداب» وأدخلوا عليها إصلاحات، خصوصا في الحقبة الشهابية، إلى أن جاءت الحرب الأهلية وبدأ الخط البياني للانهيار، ليبلغ ذروته في عقدي السلم الأهلي الأخيرين!

وإذا كان اللبنانيون قد اختلفوا في تقييمهم للوائح التي قدمها وزير الصحة، على مدى الأسابيع الماضية، بشأن مخالفات سلامة الغذاء، وشملت مطاعم ومسـالخ ومحلات ومؤسسات تعنى بأكل اللبنانيين وشربهم، فان ميزة المؤتمر الصحافي الذي عقده ابو فاعور، أمس، أنه شكل خطوة متقدمة على طريق الإجراءات التنظيمية الواجب اتخاذها وأبرزها الآتي:

منح المؤسسات مهلة ستة أشهر للحصول على رخصة وإلزام المؤسسات حتى نهاية كانون الثاني المقبل بانجاز شهادات صحية لكل عامل وموظف تتجدد تلقائيا كل ستة أشهر، إلزام رب العمل بتسجيل العاملين في المؤسسات الغذائية في الضمان الاجتماعي،

إخضاع كل مأكولات ومشروبات الأطفال من عمر يوم حتى ثلاث سنوات لرقابة وزارة الصحة المسبقة، وإخضاع المتممات الغذائية (المدعمة بفيتامينات) لفحص إلزامي في لبنان برغم شهادات الاستيراد من الخارج، وإخضاع مشروبات الطاقة لفحص دوري في معامل إنتاجها ومنع الترويج الإعلاني لها إلا بعد موافقة لجنة المتممات الغذائية (راجع ص 4).

والأهم أن ملف خبز اللبنانيين قد فتح على مصراعيه، من ألفه إلى يائه، وبمبادرة من وزارة الصحة، برغم أن هذه المهمة تقع أيضا في صلب صلاحيات وزارة الاقتصاد، حيث درجت العادة أن يأتي كشف دوري للوزير المعني، فيذيله تلقائيا بعبارة «على مسؤوليتي»، من دون أن يكون مدركا لكل ما يجري في هذا «العالم»!

فضيحة القمح

فمؤسسة الأهراء ومنذ أن انتهت مدة «الامتياز» في العام 1990، باتت تدار من دون قانون، حالها حال إدارة مرفأ بيروت المؤقتة منذ التاريخ نفسه، وللموظفين، في الأهراء قصة قائمة بذاتها، بحكم «الأمر الواقع» وبغياب الهيكلية والتشريعات.

ويمكن القول أن ما كشفه وزير الصحة، بالأمس، يشكل فضيحة، فالبواخر التي تستورد القمح لمصلحة المطاحن، لا تضع دفتر شروط ومواصفات ولا أحد يستطيع الجزم بأنها صالحة للاستهلاك البشري، ناهيك عن شروط النظافة والتوضيب والتخزين في البواخر وبلد المنشأ.

وعندما تصل البواخر إلى لبنان، يتم نقل القمح إلى الأهراء بواسطة معدات غير مستوفية للشروط، ناهيك عن شروط التوضيب في أهراء تفتقد لشروط السلامة الغذائية، كونها مكشوفة إلى حد ما، ويمكن للطيور أن تقيم فيها بكل ما تحمله من أوبئة وأمراض وما ينتج عنها من أوساخ، فضلا عن أن محيط الأهراء غير مستوف للشروط الصحية بما يؤمن بيئة حاضنة للقوارض والحشرات، كما ان ثمة تجمعات للمياه الآسنة والمياه المبتذلة للأمطار.

وأظهر الكشف الذي قام به فريق من وزارة الصحة أن تفريغ وتحميل الحبوب في الشاحنات لا يستوفي أدنى مقومات النظافة والسلامة العامة، فضلا عن الوضع السيئ للشاحنات (بعضها ينقل المواشي أو مواد البناء وبعضها الآخر مصاب بالصدأ والاهتراء).

وكانت وزارة الاقتصاد قد حررت في العام 1991 استيراد القمح (وقف الدعم) واتخذ وزير الاقتصاد آنذاك ياسين جابر قرارا باحتفاظ الوزارة بمخزون دائم يكفي لمدة شهرين (تباع الكمية وتتجدد دوريا لضمان جودتها وسلامتها).

والأخطر من استيراد القمح وتفريغه وتخزينه ونقله وقضية الرقابة على المختبرات التي ترسل عينات اليها، هو عدم وجود رقابة على المطاحن، ثم الأفران، وقد اكتشفت فرق مصلحة حماية المستهلك أكثر من مرة أن عددا كبيرا من الأفران يتلاعب، ليس بالأوزان وحسب، بل أيضا بالطحين وباقي المكونات من خميرة ونوعية مياه (بعضها آسنة)، فضلا عن احتمال إدخال مواد حافظة غير مستوفية للشروط.

كما اكتشفت فرق وزارة الاقتصاد أن بعض الأفران تقوم بنقع كميات الخبز المرتجعة يوميا من المحلات (وخصوصا الكبرى) في براميل مياه وتعيد خبزها مجددا وتوزيعها على المحلات والدكاكين!

كتاب «الصحة» الى «الاقتصاد»

وحصلت «السفير» على الكتاب الذي وجهته وزارة الصحة الى وزارة الاقتصاد ويتضمن الآتي:

خليل: فساد في الجمارك والأجهزة

من جهته، أعلن وزير المال علي حسن خليل في مقابلة مع الزميل مرسيل غانم ضمن برنامج «كلام الناس»، ليل أمس، أن بعض الأجهزة الأمنية يتواطأ في عمليات التهريب وقال ان هناك تهريبا وفسادا في مرفأ بيروت ومطارها، وأكد أن كل متورط في الجمارك والدوائر العقارية سيزج في السجن، مشيرا الى أن الدولة تخسر مئات ملايين الدولارات جراء الرشاوى والفساد والتهريب في الجمارك، وكشف أن السرقات في المشاعات تصل الى نحو 93 مليون دولار، جازما بأن كرة ثلج المشاعات تتدحرج ولن تتوقف.

وانتقد خليل سلوك بعض الوزراء في الحكومة، وقال: اننا عاجزون عن مناقشة عدد كبير من الأمور في مجلس الوزراء لأن كل وزير أصبح أكثر من ملك وأمير اليوم.

وأعلن أن وزارة المال أطلقت أول حركة تشكيلات لأمناء السجل في الدوائر العقارية، «وقد قمنا بتشكيلات في السجلات العقارية منذ 6 اشهر كي لا يبقى أحد في مركزه ويعتبره مركز قوة، كما اكتشفنا مثل كل اللبنانيين ان في الدوائر العقارية رشاوى مقنعة وفوضى تسمح للبعض بمواقعهم ممارسة دور تعسفي بحق المواطنين».

واعلن عن تشكيلات ستصدر الاثنين تشمل معظم الموظفين بكل مستوياتهم في الدوائر العقارية كافة، ونصح بعدم حصول مراجعات سياسية في ملف اي موظف فاسد، واوضح انه «في المساحة والعقارية في كل المناطق سنقوم بحملات لتنظيم الدوائر والأمر لن يتوقف وسيطال الكل، وحتى لو كان من اقرب المقربين لحركة أمل ولي شخصيا».

وأضاف: «استدعينا 60 موظفا الى وزارة المال اعترف 45 منهم على الاقل بانهم كانوا يتقاضون رشاوى وتعهدوا بالكف عن هذه المخالفة القانونية».