IMLebanon

«فتنة القلمون» تهدّد الأمن.. والعسكريين المخطوفين

«داعش» يتجه إلى التحكّم بشريط الحدود مع عرسال

«فتنة القلمون» تهدّد الأمن.. والعسكريين المخطوفين

لبنان بلا رئيس للجمهورية للشهر الثامن على التوالي، ولن يكون مفاجئاً أن تنطوي سنة، ويستمر الفراغ مدوياً في القصر الجمهوري المنسي في بعبدا.

وفي انتظار الخرق السياسي المتمثل بعقد أول جلسة حوارية بين «حزب الله» و «المستقبل» قبل نهاية الأسبوع المقبل، فإن الطرفين يعوّلان على قدرة الحوار على تنفيس الاحتقان المذهبي، «وليس كما يردد كثيرون حول وظيفته الرئاسية، باعتبارها وظيفة مسيحية بالدرجة الأولى ولبنانية بالدرجة الثانية» كما يؤكد أحد المتابعين.

في غضون ذلك، يواصل الجيش اللبناني تعزيز إجراءاته الأمنية الحدودية في منطقة عرسال وجرودها وجوارهما، فيما ستعلن وزارة الداخلية اليوم، بعد اجتماع أمني موسع يترأسه وزير الداخلية نهاد المشنوق، عن سلسلة إجراءات أمنية خاصة بموسم الأعياد.

ومن المقرر أن تجتمع «خلية الأزمة» المعنية بقضية العسكريين المخطوفين، مطلع الأسبوع المقبل، لمناقشة المجريات التفاوضية التي تراوح مكانها برغم بعض المبادرات المتفرقة، فضلا عن المعادلات التي ستنتج من احتمال سيطرة «داعش» على كل شريط القلمون المحاذي للبنان، بما في ذلك الإمساك بملف العسكريين المخطوفين الـ25 كلهم، إلا اذا أدت التطورات الميدانية الى احتمالات غير موضوعة في الحسبان.

في هذا السياق، أفاد مراسل «السفير» في دمشق عبدالله سليمان علي أن جبهة القلمون بين تنظيم «داعش» من جهة وفصائل من «الجيش السوري الحر» من جهة ثانية، قد هدأت في الساعات الأخيرة، وسط مخاوف من أن تكون هذه الجولة من الاشتباكات نذيراً بوجود قرار بإشعال «الفتنة الجهادية» في المنطقة الوحيدة من سوريا التي لم تمتد إليها حتى الآن.

وأورد مراسل «السفير» في تقريره الآتي:

كشفت مواجهات القلمون الأخيرة عن تزايد قوة «داعش» في المنطقة، وقدرته على الهيمنة على العديد من الفصائل، خصوصاً تلك التي تنتمي إلى «الجيش الحر».

ويعزو مصدر متابع، سبب ذلك إلى أمرين، الأول، نجاح «داعش» في استقطاب بعض فصائل «الجيش الحر» التي أعلنت مبايعتها في تشرين الثاني الماضي، وأبرزها «كتائب الفاروق المستقلة» و «لواء القصير»، الأمر الذي زاد من عديد مقاتلي «الدولة». والثاني، وصول كوادر جديدة لقيادة «الدولة الإسلامية في القلمون»، وعلى رأس مهام هذه الكوادر إعادة هيكلة بنية التنظيم ورسم علاقاته مع الأطراف الأخرى وفق أسس جديدة.

وبرز من بين هذه الكوادر اسمان، هما «أبو الوليد المقدسي» و «أبو بلقيس»، الأول يرجح أنه الشيخ مجد الدين نفسه الذي كان يشغل منصب «الأمير الشرعي» في «جبهة النصرة في القنيطرة»، قبل أن ينشق عنها وينضم إلى «داعش» في تشرين الثاني الماضي. وهو ما قد يبرر الأسلوب التصادمي الذي عرف عن المقدسي، الذي كان معروفا في القنيطرة باسم «أبو الوليد الصومالي»، وهو منذ قدومه إلى القلمون، محكوم بهاجس إثبات ولائه الجديد، والانعتاق من ولائه السابق إلى «النصرة».

أما الثاني، وهو «أبو بلقيس»، فلا معلومات كافية عنه، غير أنه بحسب المصدر معروف بغلوّه وتطرفه. ويعتقد أن «أبا بلقيس» يحمل الجنسية الفرنسية، ومن غير المستبعد أن يكون هو الشخص نفسه الذي ورد اسمه في تحقيقات القضاء اللبناني حول حادثة فندق «دو روي»، حيث أفاد أحد المدعى عليهم، ويدعى فايز بوشران، أنه كان يتلقى دروساً دينية في فرنسا على يد شيخين أحدهما يدعى «مصطفى» والثاني «أبو بلقيس». وقد يفسر هذا ظهور اللغة الفرنسية للمرة الأولى في القلمون، وذلك في مقطع الفيديو الذي حمله الشيخ السلفي اللبناني وسام المصري، أمس الأول، كرسالة موجهة من «داعش» بخصوص العسكريين اللبنانيين التسعة المحتجزين لديه.

وتثير التغييرات الجديدة في المناصب القيادية لـ «الدولة الإسلامية في القلمون»، واستلامها من قبل أشخاص مغالين في التطرف، مخاوف قادة الفصائل في المنطقة، بمن فيهم أولئك المعروفون بقربهم من التنظيم التكفيري، حيث طالب الناشط ثائر القلموني قيادة «داعش» بسحب «الشرعي» أبو الوليد المقدسي من القلمون قبل أن تندلع الفتنة.

وبرغم أن «جبهة النصرة في القلمون» بقيادة أبو مالك التلّي نأت بنفسها عن الأحداث الأخيرة، إلا أن المعطيات المتوافرة تشير إلى أن أبا مالك أصبح يشعر بتزايد الضغوط عليه، سواء من قبل «داعش»، وإن بشكل غير مباشر، أو من قبل قيادة «النصرة» التي عبرت من خلال بعض قادتها عن ثقتها بشخص أبي مالك وبطريقة معالجته للمستجدات في القلمون، وهو ما رأى فيه بعض المراقبين أنه ضغط على التلي لعدم الاستمرار في صمته المريب، لا سيما في ظل تحريض أطراف عدة عليه، وأبرزها «جيش الإسلام» وبعض قادة «النصرة»، ممن يثيرون مخاوف من إمكان إقدامه على مبايعة «داعش»، نظراً لعدم رضاهم عن موقفه القديم الرافض لقتال «إخوانه» في «داعش».

وما يزيد من الضغوط على التلي استمرار المعارك في القلمون الشرقي بين «غرفة العمليات المشتركة»، التي تعتبر «النصرة» أحد أعضائها، و «داعش»، حيث أعلن «جيش الإسلام» أمس سيطرته على منطقة المحسا بالكامل، في إطار ما أطلق عليه معركة «أبشروا بقتل عاد»، مؤكدا اشتراك «النصرة» في هذه المعركة.

«الانقلاب» بعيون لبنانية

وفيما يترقب «قادة الفصائل» تطورات الأوضاع في ظل الأحداث الأخيرة، متوقعين أن يكون مصيرهم إما الاضطرار إلى مبايعة «داعش» أو الدخول في حرب معه، لا أحد يعرف نتيجتها، فإن الأوساط اللبنانية المتابعة لمشهد القلمون، تتوقع أن يمسك تنظيم «داعش» بكل هذه المنطقة، في ضوء انقلاب مفاجئ في موازين القوى، بحيث تحولت «النصرة» و «الجيش الحر» وفصائل أخرى من أكثرية ممسكة بالأرض إلى أقلية.

هذا الانقلاب جاء بعد تلقي مجموعات «داعش» في القلمون دعماً بشرياً من منطقة الرقة (عبر مسالك تهريب متعددة بعضها يسيطر عليه النظام!)، فضلاً عن تلقي قادة «داعش» دعماً مالياً كبيراً يهدف إلى شراء أكبر عدد ممكن من قادة المجموعات الأخرى.

وبحسب الأوساط اللبنانية، فإن اعتقال الجيش اللبناني لعدد من قادة «الجيش الحر» و «النصرة» في منطقة القلمون، أدى إلى إضعاف هذين التنظيمين، فاضطرت مجموعات كثيرة إلى مبايعة «داعش» الذي قرر إشهار الحرب على من يرفضون الانضواء تحت رايته في هذه المنطقة.

وتعتقد الأوساط اللبنانية أن أمير «النصرة» أبو مالك التلي سيكون مضطرا إلى سلوك درب من اثنين: إما مواجهة خاسرة أو المبايعة في المرحلة المقبلة.

وتشير الأوساط الى أن إمساك «داعش» سيؤدي إلى جعل المواجهة أكثر وضوحا بين الجيش اللبناني و «حزب الله» من جهة، وتنظيم «الدولة الإسلامية» من جهة ثانية، لكن من غير المستبعد أن يدخل التحالف الدولي على خط هذه المواجهة الحدودية ضد «داعش» إذا تفاقمت الأمور، خصوصا في ظل تقديرات أمنية لبنانية بمضاعفة التحديات في الداخل (تجدد المخاوف من التفجيرات والانتحاريين).

ووفق الأوساط اللبنانية، فإن ملف العسكريين سيتأثر بالمعطيات الجديدة، فإذا تمكن تنظيم «داعش» من الإمساك بالملف، فإن التفاوض سيكون عندئذ محصوراً مع جهة واحدة، وعندها «سيتراجع عنصر المزايدة الذي حكم الملف منذ خمسة أشهر حتى الآن».

وتتوقف الأوساط عند رسائل التهديد التي بعث بها «داعش»، أمس الأول، عبر مقطع الفيديو الذي حمله الشيخ المصري، الى كل من الرئيس سعد الحريري، النائب وليد جنيلاط ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع، وتشير الى أن هذه الرسائل تحمل في طياتها أوضح إشارة الى أن أسلوب التعامل مع هذا التنظيم سيختلف كليا، خصوصا أن بعض البيئات اللبنانية كانت تراهن على «اعتدال» تنظيم «جبهة النصرة» ووجود مرجعية إقليمية له، بينما ستختلف المقاربة مع «داعش» وسيكون التواصل مع الجهات الخارجية غير علني، بسبب تنصل كل الأطراف الاقليمية من «الدولة الاسلامية»!

جنبلاط يرد

وقد رد جنبلاط على رسالة «داعش» في موضوع الأسرى فغرد عبر «تويتر» قائلا «لم ولن نتخلى عن دور الوساطة تحت مبدأ المقايضة في أي ظرف». وأضاف: «لا علاقة لنا بما يفعله أو يقوله الغير، وليس هذا الكلام للتجريح بسعد الحريري أو سمير جعجع».

وتابع «قام وائل (ابو فاعور) وسيستمر بجهوده للتبادل على قاعدة المقايضة بعيدا عن حسابات الغير». وختم «أتمنى من الدولة الاسلامية ان تقدر هذا الموقف، والسلام عليكم».