IMLebanon

«عيدية الحوار»: مصارحة وترتيب الأولويات وتطمين الحلفاء

فراكة جنوبية وزعفران إيراني وأطباق نباتية على طاولة عين التينة

«عيدية الحوار»: مصارحة وترتيب الأولويات وتطمين الحلفاء

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الرابع عشر بعد المئتين على التوالي.

.. وأخيراً وُضع الحوار بين «حزب الله» و «تيار المستقبل» على السكة السياسية والإجرائية الصحيحة، وحققت الجلسة الحوارية الأولى بينهما، على مدى أربع ساعات، مساء أمس، برعاية رئيس مجلس النواب وظيفتها السياسية الأساسية، شكلا ومضمونا، بعد قطيعة امتدت لأكثر من أربع سنوات تعود الى ما قبل الازمة السورية التي فاقمتها، بكل ما انطوت عليه هذه المرحلة من شرخ مذهبي حاد وخطير.

هذا الحوار ـ «العيدية» لا يعني بأي شكل من الأشكال، أن الحذر والتحفظ والخلاف قد تبدد أو أن الثقة المفقودة قد استعيدت، ولذلك، بدا أن الطرفين يستشعران حجم المخاطر والتحديات سواء تلك المتأتية من خارج الحدود أو من خلال «الخلايا النائمة» في الداخل، ومن هنا كان اتفاقهما على أن أولوية الأولويات في جدول الأعمال المعاد ترتيبه من الجانبين، هي لمواجهة الإرهاب، بكل ما يتفرع عنه من عناوين سياسية وأمنية.

من دون أضواء ولا صور، انعقدت جلسة الحوار الاولى برعاية الرئيس نبيه بري الذي كان حريصاً على «هندسة» كل التفاصيل ومواكبتها شخصياً، من المقدمات التمهيدية الى ولادة جلسة الأمس.

بدا ان طرفي اللقاء وراعيه أرادوا من خلال هذا «الزهد» بالتغطية الاعلامية توجيه رسالة الى كل من يهمه الامر مفادها ان الحوار ليس للصورة او للاستعراض، كما يفترض المتشائمون، وان المعنيين به يتعاطون معه بجدية تتجاوز حدود الاستهلاك الاعلامي الى طموح بتحقيق اختراق سياسي جدي في جدول الاعمال المطروح.

هي محاولة، ولو من حيث الشكل، لإضفاء أكبر قدر ممكن من المصداقية والرصانة على حوار ينظر اليه الكثيرون باعتباره مجرد وسيلة آمنة لتمرير الوقت بأقل كلفة، في انتظار اتضاح اتجاه «الريح» و «الربح» في المنطقة الملتهبة.

وفي الشكل أيضا، وصل الى عين التينة وفد «حزب الله» في موكب واحد وكذلك الحال بالنسبة الى وفد «المستقبل»، فيما جرى إبعاد الصحافيين الى خارج «الأجواء الإقليمية» لمقر الرئاسة الثانية في عين التينة.

وعند السادسة مساء، انطلق الاجتماع في صالون منزل بري المخصص عادة للاستقبالات السياسية الهامة، واستمر حتى العاشرة مساء، وتخلله «عشاء بيتي» على «ذوق» بري المعتاد، تضمن فراكة جنوبية والسمك مع الزعفران الايراني وأطباقاً نباتية «من حواضر البيت»، مع الإضافات من فاكهة وحلوى وقهوة وشاي.

بري.. والشراكة مع جنبلاط

وبرغم غياب النائب وليد جنبلاط عن هذا اللقاء، إلا ان طيفه حضر عبر إشادة الحاضرين بدوره في التشجيع على الحوار وإزالة عراقيل كانت تحول سابقاً دون انعقاده، وذلك انطلاقا من شراكته الكاملة مع بري في المبادرة ومن ثم الإعداد لها. وعلى هذا الأساس، طلب الرئيس بري من معاونه السياسي الوزير علي حسن خليل، أن يزور كليمنصو اليوم، لوضع جنبلاط في اجواء الجلسة الاولى، وهي قاعدة ستكون معتمدة في كل الجلسات اللاحقة.

وقد استهلّ بري اللقاء بكلمة شدد فيها على أهمية الحوار في هذه المرحلة الدقيقة لتنفيس الاحتقان الداخلي وفتح الابواب امام فرصة إيجاد حلول للازمات المستعصية، منبهاً الى ان الفتنة في كل مكان من حولنا، وبالتالي فان قدرنا ومهمتنا الحفاظ على لبنان وحماية استقراره، ولا تعنينا أي أولوية أخرى.

ولاقى هذا الكلام تقدير الوفدين، فيما قدم معاون الامين العام لـ «حزب الله» الحاج حسين خليل لمحة موجزة عن مسار العلاقة مع «تيار المستقبل» والتحولات التي مرت بها وصولا الى انقطاعها كليا مطلع العام 2011 بعد الاستقالة من حكومة الرئيس سعد الحريري، مؤكداً ثوابت الحزب حيال مجموعة من القضايا الداخلية والاقليمية، إنما من دون استفزاز، مؤكداً حرص الحزب على استقرار البلد وأمنه وصون سلمه الأهلي وضرورة التصدي لكل ما يثير النعرات المذهبية.

كما شرح مدير مكتب الرئيس سعد الحريري، المهندس نادر الحريري وجهة نظر «المستقبل» ورئيسه سعد الحريري حيال تجربة العلاقة مع «حزب الله» على الصعيد الثنائي كما من خلال تجربة طاولة الحوار، مرورا بالاستقالة من حكومة ما بعد انتخابات العام 2009 وانخراط الحزب في الأزمة السورية وصولا الى يومنا هذا، عارضاً لمقاربة التيار للوضع العام في لبنان وإشكالياته، مشدداً بدوره على أهمية حماية البلد واستقراره.

ومن المقرر ان تُعقد الجلسة الثانية من الحوار خلال الاسبوع الاول من مطلع العام الجديد، في عين التينة ايضاً، على ان يتمثل فيها رئيس المجلس بمعاونه السياسي علي حسن خليل الذي سيشارك في الجلسات اللاحقة.

ولم تظهر خلال مداولات الأمس إشارة تشنج واحدة، برغم ان الحوار «يتم بين مختلفَين لا بل بين مغلوبَين على أمره وعلى قدره»، على حد تعبير أحد المشاركين، لافتا الانتباه الى ان كل طرف عبّر عن رأيه بتهذيب ولغة راقية وإيجابية، في انعكاس لرغبة مشتركة لديهما في الكلام مع الآخر، وليس بوجه الآخر.

«المستقبل» و «حزب الله»: إيجابيات متبادلة

وأوضحت مصادر واسعة الاطلاع لـ «السفير» أن اللقاء لم يترك عنوانا إلا وتطرق إليه، مشيرة الى انه جرى ترتيب جدول الأعمال انطلاقا من ان العنوان الرئيسي يتعلق بمواجهة الارهاب، وتتفرع عنه مهام أخرى من نوع تفعيل المؤسسات الدستورية والتصدي لخطر الفتنة المذهبية.

وأبلغت أوساط بري «السفير» ان الوظيفة الاساسية للجلسة الاولى تحققت بحدها الأقصى، وهذه أفضل عيدية للبنانيين.

وقالت مصادر تيار المستقبل لـ «السفير» إن الجلسة الاولى كانت عبارة عن جولة أفق عامة، اتسمت بالصراحة والجدية، وكانت هناك رغبة لدى الجميع بحوار يفضي الى خير البلد ومصلحته.

واعتبرت المصادر ان هناك أمرين أساسيين يحتاجان الى معالجة سريعة وهما التشنج المذهبي والشغور الرئاسي، معربة عن اعتقادها انه إذا كانت النيات صافية عند كل الأطراف وليس فقط لدى «المستقبل» و «حزب الله»، يمكن ان نتوصل الى حلول، وأشارت الى ان الاختلاف السياسي قائم، لكن ذلك لا يمنع ان ثمة أمورا مشتركة الى جانب هواجس مشتركة تمكن معالجتها.

واكتفت أوساط مقربة من «حزب الله» بالقول لـ «السفير» إن الأجواء كانت ايجابية للغاية وجاء البيان معبرا بدقة عن مجريات الحوار، «فالكل أعطى انطباعا جديا ولذلك يمكن القول إن قطار الحوار وضع على السكة الصحيحة».

وانطلاقاً من الرغبة في إعطاء مؤشرات إيجابية، كان واضحاً ان البيان الاول الصادر عن المجتمعين لم يبارح «منطقة الأمان»، مركزا على الثوابت التي تُصنف في خانة القواسم الوطنية المشتركة، مع طمأنة الحلفاء على الضفتين، لاسيما المسيحيين منهم، الى ان الحوار ليس موجهاً ضد أحد.

نص البيان: تخفيف الاحتقان

وكان قد صدر عن الاجتماع البيان الآتي حرفياً:

«برعاية الرئيس نبيه بري عقد في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة الاجتماع الاول للحوار بين تيار المستقبل وحزب الله بحضور وفد الحزب المؤلف من: المعاون السياسي للامين العام حسين الخليل رئيساً، وعضوية الوزير حسين الحاج حسن والنائب حسن فضل الله. ووفد تيار المستقبل المؤلف من مدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري رئيساً، وعضوية الوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر، وبحضور الوزير علي حسن خليل .

في بداية الاجتماع رحب بري بالحضور عارضاً لمخاطر المرحلة التي تمر بها المنطقة ولبنان، والتي تستوجب اعلى درجات الانتباه والمسؤولية في مقاربة القضايا المطروحة والحاجة لمساهمة كل القوى في تحصين وصيانة العلاقات الداخلية وتنقيتها بهدف حماية لبنان واستقراره وسلمه الاهلي والحفاظ على وحدة الموقف في مواجهة الاخطار لاسيما في ظل التصعيد المتمادي على مستوى المنطقة نحو تسعير الخطاب الطائفي والمذهبي .

وأكد الطرفان حرصهما واستعدادهما البدء بحوار جاد ومسؤول حول مختلف القضايا، وفي اطار تفهم كل طرف لموقف الطرف الآخر من بعض الملفات الخلافية، وعلى استكمال هذا الحوار بإيجابية بما يخدم تخفيف الاحتقان والتشنج الذي ينعكس على علاقات اللبنانيين مع بعضهم البعض وتنظيم الموقف من القضايا الخلافية وفتح ابواب التشاور والتعاون لتفعيل عمل المؤسسات والمساعدة على حل المشكلات التي تعيق انتظام الحياة السياسية.

شدد المجتمعون على ان هذه اللقاءات لا تهدف الى تشكيل اصطفاف سياسي جديد على الساحة الداخلية، وليست في مواجهة احد او لمصادرة والضغط على موقف أي من القوى السياسية في الاستحقاقات الدستورية، بل هي من العوامل المساعدة لاتفاق اللبنانيين مع بعضهم البعض» (محور عن حوار «حزب الله» ـ «المستقبل» )