مرحلة جديدة تواجه السعودية في ظل عاصفة التغيير
رحيل عبدالله بن عبد العزيز .. وسلمان ملكاً
في توقيت بالغ الحساسية على المستويين الاقليمي والدولي، رحل الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، تاركاً تساؤلات حول مستقبل المملكة العربية السعودية بخاصة، والأهم حول مستقبل الوطن العربي، الذي يواجه، من خليجه الى محيطه، اعنف الزلازل السياسية، وارتداداتها التي بدأت تطال اصقاع العالم بأسره.
وبعد معاناة طويلة مع المرض، اعلن الديوان الملكي السعودي، فجر اليوم، وفاة الملك عبدالله، في «مدينة الملك عبد العزيز الطبية للحرس الوطني» التي أدخل اليها لتلقي العلاج، عشية رأس السنة الجديدة، وذلك اثر اصابته بالتهاب رئوي حاد.
وطوال يوم امس، ترددت معلومات بشأن وفاة الملك السعودي، لكنها ظلت رهن التكهنات، وخصوصاً بعد نفيها بشكل قاطع من قبل السلطات الرسمية، الى ان قطعت محطات التلفزيون الرسمي، وباقي القنوات الفضائية السعودية، برامجها، حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، لتبث آيات من الذكر الحكيم، وتتلو بعد ذلك بياناً صادراً عن الديوان الملكي تضمن نعي الملك الراحل «باسم الامير سلمان وافراد الأسرة والامة كافة»، وآخر، من الديوان الملكي ايضاً، بشأن «قبول بيعة» ولي العهد الامير سلمان بن عبد العزيز ملكاً على البلاد، وولي ولي العهد الامير مقرن بن عبد العزيز ولياً للعهد.
وجاء في البيان الصادر عن الديوان الملكي «ببالغ الأسى والحزن، ينعى ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وأفراد الأسرة والأمة كافة، خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، حيث وافته المنية في تمام الساعة الواحدة من صباح هذا اليوم الجمعة. تغمد الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بواسع رحمته وغفرانه وأسكنه فسيح جناته، وعزاؤنا تمسك هذه الأمة بدينها القويم، فجزاه الله عن الإسلام وعن هذه الأمة وعن المسلمين كافة خير الجزاء».
وأضاف البيان «تقررت الصلاة على خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز بعد صلاة عصر هذا اليوم الجمعة في جامع الإمام تركي بن عبدالله في مدينة الرياض».
وأصدر الديوان الملكي بياناً آخر، جاء فيه: «تلقى صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود البيعة ملكاً على البلاد وفق النظام الأساسي للحكم. وبعد إتمام البيعة، وبناءً على البند ثانياً من الأمر الملكي رقم أ / 86 وتاريخ 26 / 5 / 1435 هجرية، الذي نص على أن يبايع الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود ولياً للعهد في حال خلو ولاية العهد، دعا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ملك السعودية الى مبايعة الأمير مقرن ولياً للعهد وقد تلقى سموه البيعة على ذلك».
وأضاف البيان «ستبدأ البيعة من المواطنين لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ولولي عهده الأمير مقرن بقصر الحكم في الرياض بعد صلاة عشاء اليوم الجمعة».
وبدا لافتاً ان الإعلان عن وفاة الملك عبدالله، والاجراءات التي استتبعت هذا الحدث الجلل، وتحديداً ما يتعلق بـ «قبول البيعة» للملك وولي العهد الجديدين، قد تم بسرعة كبيرة، ما يعكس رغبة القيادة السعودية في تأمين انتقال هادئ للحكم، في ظل التحديات والمخاطر المحدقة بالمملكة في الداخل والخارج.
وكان واضحاً خلال الفترة الاخيرة، ان الملك عبدالله قد أعدّ ترتيبات ما بعد رحيله، خصوصاً بعد تعيين الأمير سلمان ولياً للعهد بعد يومين من وفاة الأمير نايف بن عبد العزيز في 16 حزيران العام 2012، ومن ثم تعيين الامير مقرن ولياً لولي العهد في 27 آذار العام 2014.
وعلى الرغم من أن خبر وفاة الملك عبدالله كان متوقعاً بين لحظة واخرى، وخصوصاً منذ تدهور صحته، الا ان رحيله في هذا التوقيت بالذات، وفي خضم الازمات التي يمر بها الوطن العربي منذ أربع سنوات، واخطرها استمرار الصراع في سوريا والتدهور السريع للأوضاع في اليمن، يفتح الباب على تساؤلات بشأن المستقبل.
ولعل ابرز تلك التساؤلات يتمحور حول السياسة التي سيتبعها خليفته في إدارة الملفات الداخلية والخارجية.
ومعروف ان الملك عبدالله قد نجح طوال العقد الماضي، في نقل السعودية الى مكانة اللاعب الإقليمي الأول، وقد تبدّى ذلك، قبل ان يقود المملكة بعد رحيل الملك فهد في العام 2005، حين برز دوره في قمة بيروت العربية في العام 2002، والتي ترأس وفد بلاده اليها، حين كان ولياً للعهد، واسهم وقتها في الدفع باتجاه تبني «مبادرة السلام العربية».
وبعد تسلمه الحكم، قاد الملك عبدالله نهجاً اصلاحياً في الداخل، برغم المعوقات التي واجهته، حتى من قبل بعض افراد العائلة المالكة، والمؤسسة الدينية النافذة، فأسهم في تطوير مجلس الشورى، الذي دخلت اليه النساء للمرة الاولى في تاريخ المملكة المحافظة، ومضى قدما في تعزيز دور الشباب، مركزاً بشكل خاص على قطاعي التعليم والتكنولوجيا، وواضعاً نصب عينيه سبل الحفاظ على امن السعودية واستقرارها، بعدما باتت على تماس مع الخطر «الجهادي» منذ الغزو الاميركي للعراق في العام 2003، ومن ثم بعد بدء ما بات يعرف بـ «الربيع العربي».
وفي السياسة الخارجية، كان الملك الراحل مركز استقطاب، حيث توافد اليه كبار قادة العالم، وقد مكّنته الظروف الاقليمية والدولية من القيام بدور كبير، خلال السنوات الماضية، وتميّز بتحركه الدولي اللافت.
وعلى المستوى العربي، كان للملك الراحل دور كبير في الازمات المتلاحقة التي شهدها لبنان، سواء في الداخل، حيث كان طرفاً مؤثراً في الحياة السياسية، او في علاقة لبنان بسوريا، حين اصطحب الرئيس بشار الاسد الى بيروت في تموز العام 2010.
وفي سوريا، فرض الملك الراحل حضوراً كبيراً للسعودية في الصراع المستمر منذ اربع سنوات، وكذلك في اليمن، حيث رعى المبادرة الخليجية التي جرى من خلالها انتقال السلطة السياسية من علي عبدالله صالح الى خلفه المستقيل عبد ربه منصور هادي.
ولكن الدور الاهم الذي اداه الملك الراحل في الآونة الاخيرة، تمثل في الارتقاء بالعلاقات السعودية – المصرية الى مستوى غير مسبوق، تمثل في الدعم السياسي والاقتصادي اللامحدود للنظام المنبثق من «ثورة 30 يونيو»، التي اطاحت نظام «الاخوان المسلمين»، مع الإشارة الى ان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان آخر الزعماء الذين زاروه في المستشفى قبل ايام.
وعلى المستوى العربي ايضاً، نجح الملك الراحل في استعادة زمام المبادرة من قطر، بعدما سعت الى ان تنتزع من السعودية الدور الاقليمي والدولي، منذ بدء ثورات «الربيع العربي»، عبر الدعم الذي قدّمته الإمارة النفطية الى جماعات الإسلام السياسي، وخصوصاً «الاخوان المسلمين»، الى ان نجح في احضارها الى بيت الطاعة، خلال القمة الخليجية التي استضافتها الرياض في تشرين الثاني الماضي، وتشكيل محور سعودي – اماراتي – مصري مؤثر في العديد من ملفات المنطقة، وخصوصا في ليبيا الغارقة في الفوضى.
وعلى المستوى العالمي، يسجل للملك الراحل انفتاحه على روسيا والصين ودول عدم الانحياز.
وبانتظار ان يتسلم الملك الجديد مقاليد الحكم، يبقى من المؤكد ان المملكة العربية السعودية ستواجه مرحلة جديدة بعد رحيل الملك عبدالله.