سلام متمسك بالجلسة الحكومية و«حزب الله» يحضر
مقاطعة عون: طلقة تحذيرية..
برغم كل محاولات «ترقيع» رداء الحكومة المليء بالثقوب، إلا أن التناقض الصارخ، والمتعدد الأبعاد، بين مصالح القوى السياسية وصل الى حد تهديد «الستاتيكو الحكومي» الهشّ.
لم تعد «اسفنجة» مجلس الرؤساء، المسمّى مجازاً مجلس الوزراء، قادرة على امتصاص مفاعيل الفراغ الممتد من قصر بعبدا الى مجلس النواب مروراً بمعظم العروق المتيبّسة للدولة. صارت الأزمة أكبر من محاولات التشاطر أو التحايل عليها، وأصعب من أن تخدّرها المسكّنات أو المساكنة مع الأمر الواقع.
والأرجح أن قرار التيار الوطني الحر بمقاطعة جلسة مجلس الوزراء غداً احتجاجاً على التمديد للقيادات العسكرية، إنما يعبّر في مضمونه عن الأزمة الأوسع، المتمثلة في الأفق الرئاسي المسدود وضيق فرص التسوية الداخلية، فيما الوقت يمر ثقيلا على الرابية التي ضاقت ذرعاً بالانتظار العبثي.
يبدو واضحاً أن العماد ميشال عون قرر في مرحلة أولى ان «يهزّ» الطاولة، ملوّحاً بإمكانية ان يقلبها لاحقاً على رؤوس الجميع ما لم يلتقطوا رسالة الغياب عن جلسة الخميس، واضعاً الحلفاء والخصوم امام اختبار الميثاقية، من الحكومة الى.. رئاسة الجمهورية.
ولكن، الى أي مدى يستطيع الجنرال أن يذهب في «حركته التصحيحية»، وسط مناخ اقليمي حار لا يسمح بترف «الانقلابات»؟ وهل يمكنه ان يذهب شبه وحيد الى هذه المغامرة، من دون الاستئناس برفقة «حزب الله» الذي يدعم التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي وسيشارك في جلسة مجلس الوزراء في تمايز واضح عن خيار الجنرال؟
بات واضحاً أن سباق عون مع الزمن بلغ أمتاره الأخيرة، وأن الجنرال يتصرف على قاعدة أن 5 أيلول (موعد جلسة الحوار الوطني) و7 أيلول (موعد جلسة انتخاب الرئيس) هما تاريخان مفصليان، لجهة تحديد وجهة السير في اتجاه خوض المواجهة المفتوحة او سلوك طريق التسوية إما من بوابة انتخاب الرئيس وإما عبر وضع قانون انتخاب جديد.
وحتى ذلك الحين، تبدو الحكومة امام مفترق طرق، إذ ليس سهلا ان تخضع الى «أمر اليوم» البرتقالي وتعلّق جلساتها، وليس سهلاً كذلك ان تتجاهل غياب قوى اساسية تمثل الجزء الأوسع من المسيحيين وهي التيار الوطني الحر وحزب الكتائب والقوات اللبنانية، مع ما يمكن ان يرتبه ذلك من تبعات ألمح اليها الوزير جبران باسيل بعد اجتماع تكتل التغيير والاصلاح بتحذيره من أزمة نظام.. وانتفاضة شارع.
وقد فتحت المقاطعة البرتقالية لمجلس الوزراء الباب على نقاش قديم ـ جديد حول مفهوم الميثاقية وتفسيره، في ظل تعدد الاجتهادات التي غالباً ما تتحكم بها الاصطفافات السياسية والطائفية على حساب المعايير الدستورية المجرّدة من الأهواء والهويات.
وفور اعلان باسيل، عن عدم حضور جلسة مجلس الوزراء المقبلة كرسالة تحذيرية اعتراضية حتى توقف الحكومة مخالفة القانون، اتصل وزير السياحة ميشال فرعون بالرئيس تمام سلام متمنياً ارجاء جلسة مجلس الوزراء الخميس، كما ناشده مكاري تأجيلها.
وبالتزامن مع تفاقم الوضع الحكومي تحت وطأة الخلاف حول التمديد للقيادات العسكرية، التقى قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال جوزيف فوتيل، أمس، العماد جان قهوجي، في زيارة لا تخلو من الدلالات، خصوصاً أن نشاط فوتيل اقتصر على لقاء اليرزة.
بري
وقال الرئيس نبيه بري امام زواره امس انه وبمعزل عن كل شيء يدعم استمرار الحكومة في الانعقاد، ويرفض تعطيلها تحت أي عنوان ولأي مبرر، موضحا انه أبلغ هذا الموقف لوزير التربية الياس بوصعب خلال زيارته أمس الى عين التينة. وتابع: يكفي الحكومة ما فيها، وبالتأكيد لا ينقصها في هذا التوقيت المزيد من الشلل وهي التي بالكاد تعمل.
وشدّد بري على ضرورة بقاء الحكومة حتى لو أصبحت مجرّد هيكل عظمي، منبّها الى ان البلد يمر في أسوأ مرحلة، والتعطيل الحكومي من شأنه ان يزيده سوءا. وتساءل: إذا تعطل مجلس الوزراء كيف سيتم الانفاق على الامور الحيوية والملحّة، وأنا أخشى من انه بعد فترة قصيرة من الشلل ستتوقف وزارة المال عن الدفع، حتى على الضررويات، فمن يستطيع ان يتحمل هذه المسؤولية.
ولفت بري الانتباه الى ان الهجوم على الحكومة بذريعة رفض التمديد للقيادات العسكرية هو أمر غير مفهوم وغير مبرر، لان قرار التمديد يعود حصرا بموجب القانون الى وزير الدفاع ولا علاقة لمجلس الوزراء به.
«حزب الله»
وأبلغت أوساط سياسية مطلعة على موقف «حزب الله» «السفير» أن الحزب يتجه الى المشاركة في جلسة الخميس، ما لم يتم تأجيلها، لأنه يخشى من تداعيات تعميم الفراغ. وأشارت الاوساط الى ان الحزب لا يجد مصلحة في شلّ الحكومة في هذا التوقيت، بالترافق مع الشغور الرئاسي والجمود التشريعي، ووسط ظرف اقليمي دقيق، لاسيما ان تعطيل الحكومة سيكون من دون أفق، ولا يساهم في تسريع الحلول.
بوصعب
أما وزير التربية الياس بوصعب، فأكد لـ «السفير» ان الاصرار على عقد مجلس الوزراء الخميس في ظل الشغور الرئاسي ومقاطعة التيار الحر واستقالة الكتائب وغياب القوات اللبنانية إنما يندرج في إطار ارتكاب المحظور الميثاقي والوطني، محذرا من تبعات التعاطي باستخفاف مع المكوّن المسيحي التمثيلي.
وأضاف: بكل صراحة، إذا انعقد مجلس الوزراء الخميس بمن حضر، فهذا سيعني ان المسلمين اجتمعوا وقرروا ان يحكموا في غياب رئيس الجمهورية الماروني والقوى المسيحية الأساسية، وكأنهم يقولون لنا «معكم ومن دونكم سنحكم»، وهذا سيكون بمثابة تطور شديد الخطورة، وستصبح المسألة أبعد بكثير من حدود التعيينات العسكرية، لتهدد جوهر النظام.
وحذّر من انه في حال اعتبروا ان وجودنا او عدمه في مجلس الوزراء هو سيّان، فانهم يكونون بذلك قد وجهوا الينا رسالة واضحة في الدلالات والاستهدافات، سنرد عليها بالشكل المناسب.
وأوضح ان الخيارات المضادة مفتوحة وواسعة، مستبعدا ان تكون الاستقالة هي الحد الاقصى المتوقع، لانه إذا واصلت الحكومة اجتماعاتها برغم مقاطعتنا، فهذا سيكون مؤشراً الى أن استقالتنا لا تقدم ولا تؤخر في حساباتهم، ولذلك فإن رد الفعل سيأتي من مكان آخر، ونحن نأمل في ان تستطيع بعض أطراف الحكومة المتحسسة بالمسؤولية الوطنية والحريصة على الشراكة الوطنية، منع الانزلاق الى الهاوية.
ورأى بوصعب، ان الرئيس تمام سلام سيكون امام امتحان ميثاقي الخميس، فإما ان يؤجل جلسة مجلس الوزراء تفهما لغياب الحضور الحزبي المسيحي الاوسع تمثيلا، وإما ان يصرّ على انعقادها فينسف بذلك التفاهم الذي كان قد تمّ حول عدم جواز اتخاذ أي قرار حكومي إذا اعترض او غاب مكوّنان.
مصادر حكومية
في المقابل، أبلغت مصادر حكومية «السفير» ان جلسة مجلس الوزراء لا تزال قائمة في موعدها غدا الخميس، وهي ستنعقد بحضور حلفاء «التيار الحر» وستدرس جدول الاعمال المقرر، إلا إذا طرأ خلال الاتصالات المتوقع ان تتم اليوم ما يستوجب تأجيلها.
واعتبرت المصادر ان شرط الميثاقية يبقى متوافرا في الحكومة حتى لو غاب «التيار الحر» عنها، لأن المقصود بالميثاقية هو وجوب تمثيل كل الطوائف في مؤسسات الحكم، وليس جميع القوى السياسية، وبالتالي فان مقاطعة الوزيرين جبران باسيل والياس بوصعب تعني ان مكوناً سياسياً يغيب، لا المكوّن المسيحي، متسائلة عما إذا كان الوزراء سجعان قزي ورمزي جريج وبطرس حرب وميشال فرعون وريمون عريجي وسمير مقبل وأليس شبطيني ونبيل دوفريج هم غير مسيحيين.
وأشارت المصادر الحكومية الى ان خطاب التيار ينطوي على «كلام كبير»، لا يتناسب مع حساسية هذه المرحلة.
ونفت المصادر ان يكون قد جرى تفاهم في داخل الحكومة على ان غياب مكوّنين يحول دون انعقاد مجلس الوزراء، علما ان الوزراء الذين شاركوا في الحكومة باسم المكوّن الكتائبي لا يزالون حاضرين من خلال قزي وجريج اللذين رفضا الاستقالة، وحتى الوزير المستقيل آلان حكيم يواصل تصريف الاعمال.
جنبلاط
وسألت «السفير» النائب وليد جنبلاط عن تعليقه على قرار «التيار الحر» بمقاطعة جلسة الخميس، فأجاب: دخيلك.. أفضّل عدم التعليق عملا بالمثل القائل «لا تنام بين القبور ولا تشوف منامات وحشة..»
فرعون
وقال الوزير ميشال فرعون لـ «السفير» إنه اقترح ارجاء جلسة الغد حتى لا نقع في ازمة جديدة ومفتوحة تعطل الحكومة، وأن سلام ابلغه ان الجلسة قائمة مبدئيا، وان العدد الاكبر من الوزراء والمكونات الحكومية سيحضرها، لاسيما «حزب الله»، لكن سلام يواصل اتصالاته ولننتظر نتائجها اليوم، علما ان الكل بات محشورا ويتمنى ارجاء الجلسة.
حرب
وأوضح الوزير بطرس حرب لـ «السفير» أن موقفه لا يرتبط بما يقرره «التيار الوطني الحر» الذي يعرقل موقفه الامور اكثر ويعطل البلد اكثر، والحل يكون بالمسارعة الى انتخاب رئيس للجمهورية لتنتظم الحياة السياسية والعامة. وأشار الى انه سيكون له موقف مهم من موضوع الحكومة الاحد المقبل.