كتب المحرر السياسي:
أيام ثقيلة وطويلة تفصل «الجنرال» عن القصر، لكن الانتظار لا يمنع من ارتداء بدلة الرئاسة الأولى نفسياً. هذا هو واقع الحال في الرابية. صار العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. أنجز خطاب القسم. الاستعدادات في القصر الجمهوري اكتملت، حتى الحرس الجمهوري الذي استُعين به لضرورات الأمن، في الضاحية الجنوبية، يعيد تجميع ضباطه وعناصره استعدادا للمهمة الأصلية: حماية الرئيس والقصر والضيوف والتنقلات.
يوم الاثنين وبدءاً من الحادية عشرة والنصف قبل الظهر، ستنصب شاشة عملاقة في مقر «التيار الوطني الحر» في «العمارة» في الزلقا، لمتابعة وقائع الجلسة الانتخابية. مع اعلان فوز العماد عون، تبدأ الاحتفالات وتتوج باحتفال مركزي ضخم في السادس من تشرين الثاني المقبل، يشارك بإحيائه فنانون وفرق موسيقية.
لن يتوقف الطبل والزمر. «ترتاتا جنرال» العبارة الشهيرة، ستحضر في الشوارع والساحات. لن يعكّر المشهد الاحتفالي استفزاز من هنا أو من هناك.
«على الورقة والقلم»، صار ميشال عون رئيساً للجمهورية. إذا لم يطرأ عنصر خارجي مفاجئ، أو بالأحرى إذا لم تأت «لا» خارجية كبيرة جداً في آخر لحظة، فإن كل شيء يشي داخلياً بانعقاد النصاب الرئاسي لمصلحة ميشال عون.
لا تعني «اللبننة» أن الخارج غير موجود. يصرّ أكثر من مرجع لبناني على القول: «راقبوا مجريات الأحداث في اليمن ولبنان. صار الملفان بمثابة ملف واحد. لا تضيعوا وقتكم ودققوا جيداً بالمجريات والمشاورات والأوراق والاتفاقات».
إذا كان الأمر ليس لبنانياً وحسب، يجب أن يبقى للتحفّظ هامشه، ولو بنسبة ضئيلة جداً. تكفي العودة الى تاريخ من ناموا رؤساء واستفاقوا في اليوم التالي مجرد مرشحين، للقول إن الأمور بخواتيمها.
هل يعني ذلك أن الأمور ستكون واضحة بالكامل قبل انعقاد الجلسة الرئاسية؟
يسارع مرجع لبناني للقول إن الأمور ستبقى مفتوحة على كل الاحتمالات ليس إلى ما قبل جلسة الحادي والثلاثين، بل من خلال تتبع مجرياتها، وصولاً الى ما ستفرزه من نتائج، يظهر معها الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
اللافت للانتباه أن «عدم الممانعة» جملة سهلة وديبلوماسية وحمّالة أوجه. لا ممانعة أميركية وسعودية تعبّد الطريق الرئاسي أمام «الجنرال». لا ممانعة من «حزب الله» وحلفائه تعبد الطريق أمام عودة سعد الحريري الى السرايا.
من يريد خارجياً أن يعيد النظر في حساباته أو أن يصيب أحد أطراف «التفاهم»، عليه أن يترجم ذلك في اللعبة الانتخابية. إذا جاءت النتائج كما يتوقعها كل من ميشال عون وسعد الحريري «على الورقة والقلم»، فهذا يعني أن الخارج قرر الانضباط، وبالتالي لا خوف على استقرار لبنان. إذا جاءت النتائج عكس ما يشتهيه هؤلاء، عندها يصبح السؤال عمن يملك مصلحة في دفن الحريرية السياسية في لبنان أو أخذ البلد الى مطارح سياسية غير محسوبة جيداً.
في الانتظار، لن ترسل السعودية أي موفد الى بيروت في الأيام القليلة المقبلة، خلافاً لما روّجته بعض وسائل الاعلام. هذه ليست معلومة، بل مجرد تأكيدات بلسان مصادر ديبلوماسية خليجية في معرض ردّها على استفسارات جهات رسمية لبنانية. ومن راقب شوارع العاصمة في ساعات نهار أمس، لاحظ أن مواكب السفارات لم تهدأ من مقر الى آخر، أما المحصّلة، فليست واحدة، لكنها تتراوح بين الترحيب وعدم الممانعة أو عدم الحماسة، من دون أن تصدر أية اشارة سلبية حتى الآن، ما عدا بعض الاستفسارات المتصلة بالمؤسسة العسكرية والسلاح و «حزب الله».
وفي الانتظار أيضا، لا جديد في المواقف السياسية، سوى المزيد من التريث الجنبلاطي، لكن بوجهة إيجابية تصبّ في مصلحة عون والحريري، وقد عبّر عنها وليد جنبلاط بعد ساعات قليلة من اجتماع قيادتي «الاشتراكي» و «اللقاء الديموقراطي» في المختارة بقوله قبيل منتصف ليل أمس، «اياً كانت الاعتراضات فإن التضحية والتسوية من اجل المستقبل اهم من كل شيء»، فيما الحريري يستعد لاطلالة تلفزيونية عبر شاشة «كلام الناس». أما الرئيس نبيه بري، فقد بدأت نبرته تتصالح مع الواقع السياسي الجديد، برغم أنه أوحى للاعلاميين الذين يرافقونه في رحلة جنيف بأن شياطين الملفات العالقة لن تدع الحكم الجديد يهنأ بـ «شهر العسل»، وأن الكثيرين ممن عارضوا سلّته سيعرفون قيمتها مع مرور الوقت، وأولهم الرئيس المنتخب. بل إن بري ذهب في تقديراته الى حد القول من جنيف بان مرحلة ما بعد انتخاب الرئيس ستكون لـ «الجهاد الاكبر» المتعلق بالاستحقاقات اللبنانية، وفي طليعتها القانون الانتخابي.
أية سيناريوهات مرتقبة لجلسة الاثنين؟
السيناريو الأجمل، أن يسبق هذه الجلسة تفاهم سياسي مع نبيه بري، سواء من خلال إعادة التئام طاولة الحوار أو أية صيغة أخرى، فيصار إلى سحب ترشيح سليمان فرنجية بالتوافق معه، ويعلن هو وبري ونواب «البعث» و «القومي» وطلال أرسلان تأييدهم لترشيح «الجنرال»، فتنتهي الجلسة خلال أقل من ساعة بانتخاب عون رئيسا للجمهورية بما يزيد عن 100 صوت.
هذا السيناريو الأجمل من أن يصدق، يتمناه بطبيعة الحال، كل من السيد حسن نصرالله ورئيس «تكتل التغيير والإصلاح» والرئيس سعد الحريري، ولكن نقطة ضعفه الأبرز افتقاده لعنصر الاغراء لمن يرغب بالانضمام إلى «الحفلة»، خصوصا أن هناك من يعتبر معارضة «الجنرال» مربحة، وبين هؤلاء الرئيس بري. فعندما تبدأ مشاورات التكليف والتأليف، يبدأ استدراج العروض من عند تثبيت ما حصل عليه رئيس المجلس في الحكومة الحالية، ليأخذ حصة أكبر في أية تركيبة حكومية برئاسة الحريري.
السيناريو الثاني والأكثر ترجيحا، أن يكون الوقت ضيقا، فلا يكون بمقدور «الوسطاء» تغيير حرف مما قد كتب، فيذهب الجميع إلى الجلسة منقسمين حول ثلاثة خيارات: مع عون، مع فرنجية، ضد الاثنين (ورقة بيضاء أو اسم أي مرشح). في هذه الحالة، لن يكون بمقدور «الجنرال» أن ينال ثلثي الأصوات (86 أو 85 بسبب استقالة روبير فاضل) من الدورة الانتخابية الأولى، الأمر الذي يستوجب دورة انتخابية ثانية، من ضمن الجلسة المفتوحة نفسها، سواء رفعها رئيس المجلس لبعض الوقت أو أكملها مباشرة.
هنا يتبدى أكثر من احتمال: الأول والأكثر واقعية، أن يستمر النصاب الدستوري (ثلثا النواب)، فينتخب عون في الدورة الثانية، بأكثرية لا تقل عن 65 نائبا (قد تصل أرقامه إلى حدود الثمانين نائبا). الثاني، أن يطير النصاب إذا رفع بري الجلسة للتشاور لبعض الوقت، بسبب «تسلل» المعارضين، إلى خارج مبنى المجلس (كلمة سر خارجية وتحديدا سعودية)، وعندها يعلن بري تأجيل الجلسة، كما جرت العادة حتى الثلث الأخير من تشرين الثاني المقبل!
السيناريو الثالث الذي كان يرغب «حزب الله» باعتماده، ولم يوافق عليه «الجنرال»، يتمثل باتخاذ قرار بإرجاء موعد جلسة 31 تشرين الأول لمدة أسبوع أو أسبوعين على الأكثر، على أن يكون الفاصل الزمني كفيلا بترتيب البيت الداخلي لكل من «قوى 8 آذار» وكذلك لـ «تيار المستقبل»، فتنعقد الجلسة الانتخابية بزخم سياسي أكبر لمصلحة عون، إلا أن هذا الاحتمال بات مستبعدا في ضوء موقف عون القاطع برفض التأجيل ولو لساعة واحدة!
حتما توجد سيناريوهات أخرى، لعل أخطرها سيناريو الأمن الذي استوجب توجيه نصائح لعدد من سياسيي الصف الأول بوجوب الحذر في هذه المرحلة، مخافة حدوث اغتيال سياسي يقلب الأمور رأسا على عقب، وثمة أمثلة كثيرة في الذاكرة القريبة والبعيدة، تشي بأن السيناريو الأمني يجب أن يوضع في الحسبان دائما.
ماذا بعد الانتخاب الرئاسي؟
إذا انتخب عون رئيسا للجمهورية يوم الاثنين المقبل، سيصار إلى تحديد موعد جلسة أداء القسم الدستوري خلال أيام قليلة على أبعد تقدير، لكي يتسنى للأمانة العامة للمجلس توجيه الدعوات، ومن المتوقع أن يحدد خطابا رئيس المجلس النيابي ورئيس الجمهورية أبرز ملامح المرحلة المقبلة، سياسيا واقتصاديا وماليا.
عندما يصل ميشال عون إلى القصر الجمهوري، تعتبر الحكومة الحالية مستقيلة وتبدأ مرحلة تصريف الاعمال، لتبدأ فورا مرحلة الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار رئيس الحكومة، ومن المعروف أن سعد الحريري سينال نسبة تؤهله لمهمة تأليف الحكومة. بعدها تبدأ مرحلة الاستشارات التي يجريها الرئيس المكلف مع الكتل النيابية للاطلاع على مطالبها وتحديدا حصصها الحكومية.
ما هي السيناريوهات التي تنتظر عملية تأليف حكومة العهد الجديد؟
للبحث صلة.