لن يتضامن مع «المنار» إلاّ «المنار» ولا يتضامن مع «الميادين» إلاّ «الميادين»، أو أنصار الصف الواحد. أما محترفو توقيع العرائض ومُحبّري بيانات «جو سوي» والمُتغنّين والمُتغنّيات بحريّات التعبير والرأي، فهم سيلتزمون الصمت حكماً. هؤلاء، يناصرون حريّة التعبير بقوّة لو رأوا السفير السعودي يناصرها، وينبذون حريّة التعبير عندما يهدّد السفير السعودي جريدة لبنانيّة واحدة تنشر نقداً لحكم آل سعود.
هؤلاء لم يجرأوا على كتابة اسم الشاعر الذي حوكم وسُجن في دولة قطر بسبب شعره. هؤلاء لم يجرؤوا، ولن يجرؤوا على كتابة اسم مغرّدين وشعراء وكتّاب وأكاديميّين تعرّضوا للقمع والتنكيل بسبب كتاباتهم في دولة آل سعود. هؤلاء يهتفون للحريّة إذا هتف لها أمير سعودي، كما هتفوا بـ»جو سوي» عندما هتفت بها أنظمة الخليج.
هؤلاء وقّعوا العرائض وعقدوا الاجتماعات وناشدوا رفيق الحريري لمنع حضور روجيه غارودي إلى بيروت (وآراء غارودي الستالينيّة أو المعادية لليهوديّة في ما بعد، لا تستحقّ إلّا التقريع) باسم حريّة التعبير التي لا تزعج الرجل الأبيض في الغرب. هؤلاء مع المنع إذا كان المنع يبيّض صفحتهم مع الرجل الأبيض، وضد المنع إذا كان السماح يزعج النظام الإيراني والمحور المعادي لآل سعود. هؤلاء مع منع الكنيسة ومع منع المركز الكاثوليكي للإعلام لأنه لا يتعارض مع توجّهاتهم التعبيريّة والسياسيّة، وضدّ المنع إذا كان المنع موجّهاً ضد معارضي آل سعود وآل ثاني وآل نهيان. هؤلاء لا يمتّون بصلة إلى الحريّات، أو يمتّون بصلة إليها كما يمتّ سعد الحريري بصلة إلى الفلسفة الإغريقيّة. لكن مصداقيّة هؤلاء في الحريّات مثل مصداقيّة آل سعود في المعركة النسويّة. هؤلاء يناصرون سلمان رشدي بوجه فتوى الخميني — فقط لو شاء أميرهم أن يناصروا – لكن لا يتورّعون عن الصمت عن رائف بدوي وعن محمد العجمي. ماذا لو ان حزب الله منع بالقوّة وسائل الإعلام السعوديّة عن لبنان؟ كم من العرائض كانت ستُوقّع وكم من المشاعل والشموع والبقدونس كانت ستُحمَل؟ إن جائزة الأمير كلاوس لا تُمنح لمَن يجاهر بحق حريّة التعبير ضد الصهاينة وضد أنظمة النفظ والغاز. لكن هذا ليس موضوعنا.
لكن ماذا عن حزب الله في مواجهته مع آل سعود، أو ماذا عن آل سعود في مواجهتهم مع حزب الله، لأن المعركة ما زالت من طرف واحد؟
إن المعركة التي شنّها النظام السعودي ضد حزب الله لم تبدأ قبل سنة أو سنتيْن. هي من عمر حزب الله. لم ينتظر النظام السعودي حتى في حقبة حروبه السريّة (وهي غير حقبة حروبه العلنيّة) طويلاً قبل أن يشنّ حروباً ضد حزب الله. لقد آزر النظام السعودي نظام بشير الجميّل قبل أن يبدأ، وهو الذي غطّى (إسلاميّاً وعروبيّاً على ربيب الكيان الإسرائيلي، وكأن لآل سعود مشروعيّة إسلاميّة أو عروبيّة حقيقيّة)، وأوعز في حينه إلى «التجمّع الإسلامي» الرجعي التقليدي وإلى التجمّع الشيعي التقليدي في «جبهة المحافظة على الجنوب» لتأييد بشير الجميّل، وأخيه من بعده. وأرسل آل سعود رفيق الحريري لتجسيد التأييد السعودي للنظام الكتائبي المُتحالف مع العدوّ الإسرائيلي. وعندما نشرت الحكومة الأميركيّة قوّاتها في لبنان لمؤازرة الحاكم الكتائبي، سارع النظام السعودي إلى تمويل أعداء مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والأميركي في لبنان. نحن نعلم ان المخابرات السعوديّة عملت بصورة وثيقة مع مخابرات أمين الجميّل في حملاتها ضد المقاومين (من جميع الأصناف، اليساريّة والإسلاميّة، واللبنانيّة والفلسطينيّة، وكان ذلك في زمن قيام مخابرات الجيش اللبناني بخطف الفلسطينيّين والفلسطينيّات وتغتصب مَن تشاء من نسوة المخيّمات الفلسطينيّة، وهذه حقبة لا تزال مجهولة عند الكثير من اللبنانيّين واللبنانيّات ربما لأن فساد وإجرام نظام أمين الجميّل بات من المنسيّات في السرديّة السياسيّة اللبنانيّة). لو لم يُسرّب الصحافي الأميركي، بوب وودورد، خبر تمويل النظام السعودي لتفجير بئر العبد (والتفجير كان يستهدف رجل الدين محمد حسين فضل الله والعشرات من الأبرياء لأن الإعلام آنذاك كان مصرّاً على جعل فضل الله «المُرشد الروحي» لحزب الله) لما كنّا علمنا عن ذلك التمويل السعودي. سيّارة مُفخّخة ضد لبنانيّين ولبنانيّات بتصميم أميركي وتمويل سعودي، ولم يكن حزب الله قد بدأ يأخذ صورته التنظيميّة الرسميّة بعد.
ولم تتوقّف الحملة السعوديّة ضد حزب الله وضد كل المقاومين في لبنان للحظة. لم يبدأ العداء السعودي ضد المقاومة في شقّها أو انبثاقتها الإسلاميّة فقط. لقد وقف آل سعود بالتنسيق المُباشر مع العدوّ الإسرائيلي (كما اليوم، حيث ذكرت مجلّة «إيكونومست» أن مدير «الموساد» الجديد كان مسؤولاً عن التواصل بين دولة العدوّ الإسرائيلي وبين الأنظمة العربيّة والإسلاميّة التي لا تتمتّع بعلاقة مع الكيان الغاصب، وفي مقدّمتها مملكة القهر السعوديّة) أو بصورة غير مباشرة في زمن المقاومات اليساريّة والعلمانيّة. عندما كان لبنان في الستينيات والسبعينيات يعجّ بالمقاومة اللبنانيّة والفلسطينيّة كان آل سعود يموّلون ويُسلّحون نفس الميليشيات التي كان العدوّ الإسرائيلي يُمولّها ويُسلّحها (ولقد توازى العداء السعودي للمقاومات اليساريّة مع عداء النظام السوري الذي كان يحظى برعاية ومباركة مع النظام السعودي).
لم تتوقّف الحملة السعوديّة ضد حزب الله وضد كل المقاومين للحظة
لكن حزب الله لم يواجه النظام السعودي بغير المودّة والمهادنة في سنواته الحزب الطويلة. كانت تصريحات قادة الحزب تترواح بين الودّ والمديح والمهادنة مع استثناءات نادرة في ذم النظام السعودي من قبل حسن نصرالله. وحتى بعد اغتيال الحريري وتصعيد النظام السعودي للهجته وحملاته ضد الحزب ومقاومته، وحتى بعد ان ناصر آل سعود جهاراً العدوان الإسرائيلي على لبنان في ٢٠٠٦، فإن الحزب التزم بسياسة المهادنة والودّ وكان ضيوف ٨ آذار على «المنار» يخضعون للإلحاح من إدارة المحطة بعدم التعرّض للملكة السعوديّة وخصوصاً لملكها بكلمة ذمّ. وكان هذا الشرط على الضيوف يمنع البعض من ٨ آذار على ما ورد. لكن كان على حزب الله أن يتعلّم من تجربة منظمّة التحرير الفلسطينيّة في تعاطيها مع دول الخليج.
صحيح أننا نأخذ على ياسر عرفات خضوعه لسيطرة المال الخليجي على قرارات وسياسات منظمّة التحرير (اسم «القرار الفلسطيني المُستقل»، وهو شعار كاذب استخدمته قيادة منظمّة التحرير لتمرير المشاريع التسووية المُفرِّطة في الحقوق الفلسطينيّة)، لكن المنظمّات الفلسطينيّة، بما فيها الأجنحة المختلفة من حركة «فتح»، كانت تفرض تعاطياً صارماً مع كل الأنظمة الخليجيّة، وكانت تتقاضى أموالاً طائلة مقابل تجنيب الدول الخليجيّة أعمالاً فدائيّة ضد مصالح غربيّة صهيونيّة. وقصّة أبو اياد مع أبو العبّاس باتت معروفة: كيف ان تنظيم أبو العبّاس الصغير (وهو انشقاق عن جبهة التحرير الفلسطينيّة) عانى من ضائقة ماليّة، ونُمي إلى أسماع أبو أياد ان التنظيم كان على وشك ان يقوم بعمليّة سطو لمصرف في دولة الإمارات. فاستدعى أبو إياد أبو العبّاس وأهداه وثائق سفر مُزوّرة بإتقان لدولة الإمارات. وسافر الفريق المُكلّف بالمهمّة إلى أبو ظبي لكن من دون أن يعلم ان أبو إياد كان قد أبلغ حكومة الإمارات بنوايا التنظيم وفريقه المُكلّف بالمهمّة، ما أدّى إلى اعتقالهم على المطار. طبعاً، قبض أبو إياد في ما بعد ثمناً باهظاً لمساعدته الأمنيّة تلك. وكان ياسر عرفات يؤدّي خدمات لدول الخليج (مثل «خدمة» اعتقال المعارض السعودي، ناصر السعيد، وتقديمه في صندوق سيّارة إلى المخابرات السعوديّة في بيروت) مقابل أموال نفطيّة. وكانت التنظيمات الفلسطينيّة صريحة في طلبها للأموال الخليجيّة: أنها لن تجنّب الدول الخليجيّة أخطاراً وتهديدات وضرب مصالح في حال امتنعت عن تقديم الدعم.
لكن تنظيمات اليسار وقعت في المحظور الذي وقعت فيه حزب الله في التعاطي مع المملكة. كانت التنظيمات اليساريّة تعقد صفقات ماليّة أحياناً من أجل تلقّي التمويل (وقصّة انشقاق مجموعة صغيرة في بداية السبعينيات، باتت معروفة، عندما صدر كتيّب «الفضيحة» عن زيارة من وفد للجبهة الشعبية إلى دولة الإمارات وعقد لقاء بين ليلى خالد وزايد بن سلطان آل نهيان طلباً للمساعدة الماليّة). وكانت تصنيفات الشيوعيّة السوفياتيّة في التمييز بين برجوازيّات غير وطنيّة وبرجوازيّات وطنيّة تخدم غرض التلّون والتشقلب الانتهازي من قبل تنظيمات اليسار في تعاطيها مع الأنظمة العربيّة الرجعيّة (في يسارها وفي يمينها).
لقد شنّ النظام السعودي حروباً وبكل الوسائل ضد حزب الله، خارج نطاق الحروب السعوديّة ضد إيران ومصالحها، بالإضافة إلى الحرب الطائفيّة-المذهبيّة التي شنّها النظام السعودي لصالح العدوّ الإسرائيلي ولصالح الاحتلال الأميركي. وقد أشعل النظام السعودي المنطقة العربيّة في حروب فتنة طائفيّة، لكن الحزب لم يتعامل مع التهديدات السعوديّة إلّا بالتجاهل.
في الوقت الذي كان النظام السعودي في إعلامه يجترّ الخطاب الإسرائيلي ضد الحزب وضد مقاومة العدوّ، كان نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم يسعى للحصول على تأشيرات للحج، وكان الحزب يستجدي المملكة لاستقبال وفد من حزب الله، وكانت محطة «المنار» تحاول جاهدة عدم التعرّض للملك السعودي. والحزب بعد ان حصل قرار حظر «المنار» عن شبكة «عربسات»، سارع إلى التوضيح بتهذيب شديد ان مذيع المحطة قاطع الضيف الذي انتقد الملك السعودي وأوضح ان كلامه لا يمثّل موقف «المنار». ورد فعل الحزب كان في الكلام عن عقود وعن قوانين وعن أصول كأن المملكة في حروبها وفي تفجيراتها وعدوانها تلتزم بقوانيم ومواثيق وعهود. هذه أسرة حاكمة معروفة بنبذها للعقود والعهود وفي خرقها للعهود والعقود — إلّا إذا كانت معقودة مع دول غربيّة.
كان على حزب الله أن يتنبّه مُبكّراً إلى النوايا الخبيثة للمملكة: لقد حذّر حسن نصرالله في عام ١٩٩٦ في أثناء الانتخابات النيابيّة من الحملات الطائفيّة المذهبيّة لرفيق الحريري ووصفها بـ»عناقيد الغضب» الانتخابيّة (وكان هذا بعد اتفاقيّات نيسان التي لم يسع رفيق الحريري إليها إلّا لحماية العدوّ الإسرائيلي من حمم المقاومة وذلك بإيعاز من الحكومة الأميركيّة). وهل كان حزب الله يظنّ ان الحريري كان يأخذ موقفاً ما من أي قضيّة ما من دون التنسيق والترتيب مع النظام السعودي؟ هل كان رفيق الحريري يسعى مُبكّراً لنزع سلاح حزب الله لفكرة من عنده أم تحقيقاً لرغبة سعوديّة؟ ينبغي عدم تكبير حجم رفيق الحريري: لم يكن إلّا ساعي شرّ بالنيابة عن آل سعود في كل المنطقة العربيّة والعالم.
لكن في المقابل، ماذا فعل حزب الله؟ سعى باستمرار إلى تحييد المملكة وسعى ان يتقرّب منها، في كل المناسبات، وكان يتعامل مع المملكة على ان مواقفها المعاديّة له هي جانبيّة او عفويّة وليست جزءاً من سياسة شاملة متكاملة ومترابطة، في كل دول العالم. ليس الحكم السعودي بعيداً عن الحروب التي تُشنّ ضد الحزب في كل أنحاء العالم. والحزب رغب في أن يتواصل عبر حليفه الرئيس نبيه برّي مع المملكة لتجنّب الصدام. ظنّ الحزب ان القرار السعودي ضد الحزب هو قرار بنت ساعته، يمكن العودة عنه بهديّة من سكاكين جزّين. وماذا يفعل الحزب في المقابل؟
يلجأ كعادته إلى التورية والتعمية. بيانات وتصريحات الحزب حتى بعد حظر المنار لا تزال تتحدّث عن «دول معيّنة» وعن «جهات معروفة» – حسب وصف النائب حسن فضل الله، لكن إذا كانت معروفة فلماذا يمتنع عن تسميتها، خصوصاً وأنه يقول إنها كانت وراء حجب «المنار». والحزب اكتفى بعقد اجتماع للجنة الإعلام النيابيّة، عسى ان البيان سيغيّر من سلوك المملكة.
هل أن حزب الله عاجز على ردّ الصاع صاعيْن ضد المملكة؟ حتماً لا، لديه في رصيده ما أذلّ جيش أعتى قوّة في منطقتنا، والصراع ضد العدوّ الإسرائيلي لم يعد منفصلاً أبداً عن الصراع ضد حكم ال سعود. وكما ان المملكة السعوديّة ودولة الإمارات ودولة البحرين تطرد لبنانيّين بمجرّد اتهامهم في طائفتهم أو في هواهم السياسي، فإن الحزب يستطيع ان يعمل على طرد آل سعود من لبنان — لو أراد. لكن الحزب تواطأ في المؤامرة التي تعامت وطمست قضيّة العائلات اللبنانيّة المُبعدة عن تلك الدول الخليجيّة (أكثر من ذلك، فقد زار برّي دولة الإمارات قبل بضع سنوات بعد بدء عمليّة الطرد وأثنى على حاكمها خليفة بن زايد، وطمأن الشعب اللبناني ان الحاكم حريص على اللبنانيّين في الإمارات، ولكن عملية الطرد استمرّت).
أصدرت المملكة قوائم عن إرهابيّين (ظرفاء آل سعود عندما يقلّدون الحكومة الأميركيّة في بياناتها وقوائمها عن الإرهاب)، فيما لم يردّ الحزب بقوائم مماثلة عن إرهابيّين في النظام السعودي. يستطيع الحزب ومن دون وجل، ان يعلن قائمة اشخاص غير مرغوب فيهم في لبنان بسبب تورّطهم في حروب أدّت إلى قتل وجرح مدنيّين في لبنان، وفي عدد من الدول العربيّة. صحيح ان نصرالله ردّ على حملات المملكة أخيراً بهجاء جديد لم يصدر عن الحزب من قبل، لكن تلك المواقف الصريحة للحزب نادرة، وبين التصريح الصريح وغير الصريح مسافات من التصريحات التي تتحدّث عن «دول معروفة» أو «جهات إقليميّة»، أو غيرها من العبارات المُنتقاة بحرص شديد لتحييد المملكة — كأن تحييدها من المعقولات.
هناك عدد من الخيارات أمام الحزب. إن حظر «المنار» عن باقة المحطات العربيّة في «عربسات» يمكن ان يوازيه قرار من الحزب بمنع وحظر محطات النظام السعودي في لبنان وفي غيره من الدول العربيّة بوسائل تقنيّة او غير تقنيّة. لم يتعلّم آل سعود إدراك حجمهم في الحقبة الناصريّة أو في حقبة صعود المقاومة الفلسطينيّة إلا عبر وسائل تأديبيّة اتخذها أعداؤهم ضدّهم وحجّمتهم وقيّدت من حريّة حركتهم الإرهابيّة. ولبنان ساحة مفتوحة للتآمر والدعاية السعوديّة التي تخالف الثوابت التي بُني عليها دستور «الطائف» (غير الفضيل)، وباستطاعة الحزب ان يحدّ من قدرة المملكة على التأمر وعلى الدعاية في لبنان كحدّ أدنى من الردّ على المملكة.
لكن هذه السيناريوهات هي محض خيال. سنرى ممثّلين عن الحزب عمّا قريب في السفارة السعوديّة عندما يموت أمير من آل سعود، ولدينا خشية من قبول «حزب الله» تسوية يعتذر للمملكة عمّا صدر عن ضيف على «المنار» من إهانة للملك. والحزب لا يلاحظ ان المحطات السعوديّة التي تبثّ بحريّة مطلقة في لبنان لا تلتزم بضوابط أو معايير أخلاقيّة أو سياسيّة في التحريض الطائفي والمذهبي ليس ضد حزب الله فقط وإنما ضد فكرة مقاومة العدوّ الإسرائيلي. كما ان المحطات السعوديّة تبثّ من دون تردّد دعوات صريحة لإبادة العلويّين والشيعة بالإضافة إلى تبنٍّ كامل للخطاب الصهيونيّ في ما يتعلّق بالصراع العربي-الإسرائيلي. يكفي أن واحداً من المُعلّقين في جريدة الملك السعودي، «الشرق الأوسط،» وباسم عربي، كان قد أسّس منظمّة بريطانيّة لمحاربة التعاطف الإعلامي مع الشعب الفلسطيني ولنصرة الاحتلال الإسرائيلي. لكن الحزب يعود كل مرّة ويحاول رأب الصدع في علاقته مع المملكة.
لقد كتب زميلي عامر محسن على هذه الصفحات ان النظام السعودي يريد ان يُقرّر كل ما يشاهده العربي وكل ما يسمعه. النظام السعودي يريد ان يُقرّر كالإله ما هو الممنوع وما هو المسموح، وله من نخبة الثقافة سيطرة تامّة توافقه في قمعه، لا وبل تنظّر عنه في جدوى قمعه وحظره ومنعه. وليس هناك في المقابل مَن يعلّم آل سعود درساً بسيطاً عن الردّ بالمثل. الذين أعلنهم آل سعود أعداء له يتودّدون له بمناسبة وبلا مناسبة. وفريق ٨ آذار تعرّض لاختراق من قبل آل سعود، حيث لم يجرؤ إلّا واحد أو اثنان منهم على معارضة العدوان الخليجي على اليمن. وحزب الله يتخبّط في التعاطي مع المملكة، لكنه لم يجرّب بعد خطة ترهيب آل سعود، أو ضرب مصالح آل سعود. هذه لغة يفهمها آل سعود جيّداً، وقد بدأ بفهم تباشيرها في نجران وجيزان وعسير.