على خطين متوازيين سارت الحركة السياسية في لبنان امس. الاول، رسمته حركة وزير الصحة وائل ابو فاعور بين الرياض وبيروت، والثاني، حركة في ساحة النجمة، عنوانها تشريع الضرورة المؤجل تفاديا لمشكلة جديدة مع الفريق المسيحي، خصوصا بعد عظة الاحد النارية، ليكتفي الاستاذ نبيه بري جلسة عامة لإنتخاب اعضاء هيئة مكتب المجلس، على وقع سخونة متزامنة مرتفعة تشهدها الساحات الاقليمية المشتعلة من سوريا الى اليمن مرورا بالعراق، ما ينذر بمرحلة تصعيد جديدة مقبلة حتما الى المنطقة ستكون الكلمة فيها للتطورات على الارض، في ظل تعثر المخارج السياسية، المنتظرة عند بوابة الانتخابات الرئاسية الاميركية في تشرين الثاني المقبل.
الغارات الجوية التي استهدفت السبت دار عزاء في اليمن، متوقع ان تشعل مجددا التوتر بين المملكة والجمهورية الاسلامية الايرانية، والذي بدأ مع دعوة الرئيس علي عبد الله صالح لمهاجمة المملكة، مرورا بكلام السيد نصر الله في مسيرة «تجديد البيعة للإمام الحسين»، والتي سيعلن خلالها موقفه موجها إتهاما واضحا للسعودية بالوقوف خلف جريمة اليمن التي سيضيفها إلى «واقعة مِنى» داعيا الهيئات الإنسانية والشرعية في العالم إلى محاكمة الرياض على ما تقترفه من جرائم وأن حزب الله لن يقف متفرجاً إزاء الغطرسة السعودية التي سوف تتمدّد في حال لم تردع لتصل إلى كل جزء تراه المملكة معادياً أو معارضاً لها، بحسب ما تشير مصادر في 8 آذار مشبهة المجزرة السعودية ، بتلك التي إرتبكتها إسرائيل في قانا الجنوبية عام 1996. وصولا الى المحاولة الفاشلة لاستهداف مدمرة تابعة للبحرية بصاروخين من الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون.
اما سوريا، فقد أعطى سقوطُ مشروعي القرارين الفرنسي والروسي في شأن حلب، الضوء الاخضر لمضي القوات النظامية وحلفائها الروس، قدما في هجومهما البري والجوي، مستفيدين من «الارباك» الذي تعيشه الادارة الاميركية عشية مغادرة الرئيس باراك أوباما البيت الابيض، حيث يحاذر الاخير اتخاذ اي خطوات غير مدروسة من قبيل التدخل البري في سوريا او تسليح المعارضة المعتدلة، قد تؤثر سلبا على حظوظ المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون الرئاسية. وهو الواقع الذي يسعى النظام السوري تماما كما موسكو، الى استثماره حتى النهاية لتحقيق المكاسب على الارض قبل تسلم الادارة الاميركية الجديدة مقاليد الحكم وتأتي ساعة العودة الى طاولة المفاوضات.
كل ذلك وسط التحليلات عن أن ايران على وشك إكمال مشروعها الإستراتيجي بتأمين ممر بري يخترق العراق في نقطة الحدود بين البلدين ثم شمال شرق سوريا إلى حلب وحمص وينتهي بميناء اللاذقية على البحر المتوسط، مضيفة الى ان قوات كبيرة من الميليشيات الشيعية تضع اللمسات الأخيرة على خطط للتقدم بتنفيذ مشروع الممر الذي تعود جذوره للعقود الثلاثة الماضية، وذلك بقيادة «رأس رمح السياسة الخارجية الإيرانية» قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، الذي ظل يدير حرب إيران في العراق وسوريا، وأن خطة الممر تتضمن تغييرات سكانية اكتمل تنفيذها وسط العراق ولا تزال قيد التنفيذ في سوريا،لافتة الى ان الشريط البري غرب الموصل الذي ستعمل فيه الميليشيات الشيعية، يُعتبر أساسيا في تحقيق الهدف الإيراني للوصول للبحر الأبيض المتوسط. وبذلك سيستطيعون نقل القوى البشرية والإمدادات بين طهران والبحر المتوسط في أي وقت يشاؤون عبر طرق آمنة يحرسها موالون لهم أو آخرون بالوكالة، مذكرة بأن هذا الممر الذي ظلت طهران تشقه تحت سمع وبصر الأصدقاء والأعداء، لم يستشعر خصوم إيران خطورته إلا خلال الأسابيع الأخيرة، موضحا أن تركيا قد تكون شعرت أن هناك علاقة بين إيران والأكراد الذين يعتمد عليهم في تنفيذ جزء كبير من الممر وتأمينه، لذلك بدأت تتحرك بفي مال شرق سوريا مؤخرا.
من هنا تنطلق مصادر سياسية مطلعة للتأكيد ان ظروف نضوج الطبخة الرئاسية في لبنان،لم تكتمل بعد، طالما الربط قائم بين لبنان والساحات الاقليمية المشتعلة، برغبة داخلية وارادة دولية، خصوصا في ظل ما سينتج عن تعليق التفاوض الاميركي- الروسي في شأن الازمة السورية ودخول نفق الكباش السياسي، في أروقة مجلس الامن حيث حرب «المشاريع»، من جهة، أو في المواقف الصادرة من الكرملين والبيت الابيض، على وقع السخونة المشتعلة على الجبهات كلها، لذلك يخطئ من يعتقد ان من الممكن فصل الاستحقاق الرئاسي اللبناني عما يدور في دول الجوار. من هنا السؤال البديهي عما تغير اليوم لتتخلى الاطراف الاقليمية التي توظف ورقة رئاسة لبنان في بازار مصالحها لتحصيل مكتسبات في هذه الدول ما دامت لم تحصل حتى الساعة على اي منها.
وتتابع المصادر ان اهداف الحراك الذي يكاد لا يهدأ منذ عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان وبدء مشوار لقاءاته الداخلية والخارجية تزامنا مع حركة مماثلة للممثلة الشخصية للامين العام للامم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ نحو العواصم المؤثرة في الملف، الى جانب زيارات وزير الصحة وائل ابو فاعور المتتالية الى الرياض، لا يعدو كونه حراكا لتحصين الوضع الامني وحماية الداخل ومنع تشظيه بنيران التأزم الاقليمي، نتيجة قلق الدول الكبرى على الاستقرار اللبناني، في حين يشكل وضع حزب الله في دائرة تحميله مسؤولية الفراغ بالمطلق بعد تعريته من كل ما يتلطى به من ذرائع الهدف الاساس لحراك الرئيس الحريري وتبرئة ساحة «المستقبل» ومن خلفه المملكة العربية السعودية من تهمة التعطيل التي لا ينفك حزب الله يلصقها به منذ أشهر طوال، وقد تمكّن من اجتياز اكثر من نصف الطريق في هذا الاتجاه.
عليه فان موجة التفاؤل الضاربة داخل فريق 8 آذار والتي بلغت ذروتها في الرابية، تقابلها اجواء لا توحي بالتفاؤل بين قيادات الرابع عشر من آذار ، على ان تكذب مياه 31 تشرين الاول الغطاسين.