بدأت التساؤلات تطرح حول عودة الإصطفافات السياسية إلى الساحة الداخلية بين قوى الرابع عشر من آذار والثامن منه، وإن بصيغة جديدة، بمعنى الفريق المؤيّد للمحور السوري ـ الإيراني مقابل الفريق المناهض له، والذي تقوده المملكة العربية السعودية. وعلم من مصادر سياسية مطلعة، أن ما يجري في مدينة جدة في هذه الأيام، إنما يصبّ في هذا السياق، حيث أن الدعوات قد وجّهت لعشرات القيادات اللبنانية، وهي ليست بالضرورة محسوبة على فريق 14 آذار، ومن المتوقّع أن تتم تلبية هذه الدعوات في المرحلة المقبلة. وتقول المصادر المطلعة نفسها، أن وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، رفع تقريراً لحكومته بشكل مفصّل ودقيق تناول فيه كل ما يتعلّق بحلفائهم الذين كانوا منضوين في فريق 14 آذار، إضافة إلى أن بعض القيادات اللبنانية قد شرحت بشكل مسهب الأسباب والظروف التي أدّت إلى انفراط عقد هذا الفريق السيادي، والذي ضُرب في صميمه من خلال التسوية الرئاسية التي أدّت إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.
وتشير هذه المصادر إلى أنه في الأيام المقبلة، ستتوسّع دائرة الإتصالات بين بعض المسؤولين في المملكة والقيادات اللبنانية، حيث سيكتمل عقد المدعوين إلى المملكة، في الوقت الذي ستبدأ نتائج هذه الإجتماعات بالظهور، لا سيما بعد تعيين السفير السعودي الجديد في بيروت وليد اليعقوبي.
وعليه، فإن قيادياً في 14 آذار، يؤكد بأن الأسباب والمعطيات التي أدّت إلى هذا الحراك السعودي، تعود إلى التحوّلات التي تشهدها المنطقة، خصوصاً بعد تردّد معلومات عن صعوبة إيجاد تسوية وإنهاء الحرب السورية، إضافة إلى التطورات في كردستان، والتي ستنعكس أمنياً واقتصادياً وسياسياً على المنطقة بأكملها، ولن يكون لبنان بالتالي في منأى عنها، سيما وأن جالية لبنانية كبيرة موجودة في أربيل، إضافة إلى استثمارات بمليارات الدولارات للبنانيين، الأمر الذي سيؤدي إلى تفاقم الأزمات الإقتصادية والمالية في لبنان.
وأضافت المصادر ذاتها، أن هذا الإستفتاء الكردي، سيعيد رسم استراتيجية جديدة للمنطقة، وسيخلط الأوراق في كل الدول المجاورة لكردستان، ما يعني أنه قد يؤدي إلى انتفاضات وأعمال إرهابية وتفجيرات وتصفيات طائفية ومذهبية، وذلك على خلفية هذه الدولة المدعومة فقط من إسرائيل وبغطاء أميركي، مع العلم أن ما يجري ربما يكون مقدمة لقيام دويلات أخرى في سوريا والعراق، أي تفكيك المنطقة على أسس عرقية وطائفية ومذهبية.
من هنا، يشير المصدر القيادي إلى أن كل هذه التطورات ستنعكس عودة للإنقسامات العامودية في لبنان، وذلك نتيجة انتهاج دول المنطقة سياسة المحاور، وذلك على غرار مرحلة ما بعد العام 2005، ولكن مع مؤشّرات أخطر بكثير من ذلك الوقت، لأن التداعيات لن تبقى سياسية، بل ستطال المجالات الأمنية والإقتصادية، كما الإستحقاقات الدستورية، ولا سيما الإنتخابات النيابية المقبلة، حيث أن المحاور سترسم خارطة التحالفات الإنتخابية، وهو ما سينعكس سلباً على التسوية الرئاسية، كما على التفاهمات الأخرى التي أبرمت بين خصوم في السياسة، بحيث سيكون لها تأثير سلبي على كل المشهد اللبناني، إلا إذا كان التفاهم الإقليمي والدولي على تحييد لبنان عن الحروب الإقليمية ما زال قائماً.