IMLebanon

التشكيل “مكربج”… إبحثوا عن “المعطى السليماني”

 

أظهر تعاطي الطبقة السياسية في مقاربة تشكيل الحكومة العتيدة برودة لافتة، وإحباطاً وخيبة كبيرين دفعا إلى تعاظم النقمة لدى الشارع اللبناني، وقد زاد من ريبته اتساع حجم الهوة بين الطرفين بعد تسارع وتيرة اهتزاز الوضع الاقتصادي، وانهيار سعر صرف الليرة الذي أفقد المواطن القدرة الشرائية حتى في تأمين حاجياته الاساسية، يقابله شعور باللامبالاة إزاء اصحاب الربط والحل في الجهد المبذول لتشكيل الحكومة، ولا سيما عند فريق الثامن من آذار الذي اعتقد انه يملك الأكثرية ولكنه لا يملك القدرة على حسم الأمور، ليكون السؤال المطروح بقوة أين تكمن العقدة المخفية وما أسباب التعثر الذي أعاد الأوضاع الى المربع الاول؟ إذ خفت صوت التشكيل ليرتفع صوت التفعيل للحكومة المستقيلة فما عدا مما بدا؟

 

وبينما كان أغلب الظن أن الحكومة على وشك أن تبصر النور، عاد التفاؤل أدراجه، لتحل الخيبة مجدداً إثر فشل المساعي الآيلة الى تشكيل حكومة من لون سياسي واحد. إختلاف على شكل الحكومة، وخلاف على المقاعد الوزارية وتوزيعها بين حلفاء الصف الواحد، الذي يسعى أحد اطرافه لنيل الثلث المعطل داخل الحكومة. ما يعني أننا امام فريق سياسي فاقد للثقة في ما بين اطرافه، أو فاقد للثقة بالرئيس الذي كلفه تشكيل الحكومة.

 

ساعات وتبصر الحكومة النور، عراقيل لا تزال تعترض الحكومة، عدنا الى المربع الاول والأمور “مكربجة”… هي المصطلحات ذاتها تتكرر يومياً منذ ما يقارب الشهر، بينما كل طرف يتمترس خلف حصصه ومطالبه.

 

المعطى المؤكد وغير المضمون هو إصرار رئيس الحكومة على السير قدماً في مهمته متحدياً العراقيل والمناكفات التي يتعرض إليها، متحصناً بلاءاته الثلاث “لا اعتذار ولا حكومة تكنو – سياسية ولا ثلث معطلاً لأي طرف”.

 

وبينما يزيد تمسكه بلاءاته يزيد تباعد القوى السياسية عنه ولكل اعتباراته. يتحفظ الرئيس نبيه بري على أداء دياب في التشكيل، ويأخذ عليه “التيار الوطني” تعاطيه معه كفريق هامشي وليس على أساس أنه مكون أساسي في الحكومة، وحده “حزب الله” يقف موقف الساعي للقوطبة على الخلافات وتدوير الزوايا بين الفريق السياسي الواحد.

 

عقدة التشكيل

 

وفق مصادر “الثنائي الشيعي”، أن “تشكيل الحكومة كان شارف على نهايته، تمّ الاتفاق مع الرئيس المكلف على حكومة من 18 وزيراً، رضي رئيس مجلس النواب، الذي لم يقطع الامل نهائياً من عودة الرئيس سعد الحريري الى الحكومة، التراجع عن مطلب تشكيل حكومة تكنو – سياسية، وعدم وجود وزراء سابقين في الحكومة الجديدة، وبينما كان يتم البحث في اسماء التكنوقراط أبدى رئيس “التيار الوطني” جبران باسيل تمسكه بحصة من سبع وزراء في الحكومة بينها الدفاع والخارجية ونائب رئيس الحكومة، كان يسعى عملياً إلى نيل الثلث المعطل، الأمر الذي أزعج بري فتدخل “حزب الله” مقنعاً باسيل القبول بأربعة وزراء ونجح”.

 

في هذا الوقت حصل التطور الامني الذي تمثل باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني اللواء قاسم سليماني ما عرّض المنطقة للإهتزاز، استشعر لبنان مخاطره، وهو ما دفع رئيس الجمهورية ميشال عون الى المبادرة لطرح العودة الى حكومة تكنو – سياسية بالتشاور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري لمواجهة التطورات المحتملة، تلقف بري المبادرة التي لم تكن بعيدة من تمنياته، لكن عون وباسيل تراجعا عن الاقتراح وعادا الى مربع حكومة التكنوقراط، والسبب “أن الرئيس المكلف أعطانا ما نطالب به من وزارات وحقائب”. تراجع عون أغضب بري الذي وضعه في خانة المناورة التي مارسها رئيس الجمهورية وباسيل على دياب من خلاله لتحقيق مبتغاهما الحكومي.

 

اليوم أصبح المشهد كالتالي: بري يريد حكومة تكنو – سياسية، باسيل عاد إلى نغمة توسيع الحكومة إلى 24 وزيراً وهو الأمر الذي يرفضه دياب. ما يعني عملياً ان عملية التشكيل دخلت مرحلة جمود على الرغم من التصاريح المتفائلة التي كانت تبشر بقرب التشكيل في غضون ساعات.

 

لم يخف الرئيس المكلف لمقربين منه أن المساعي المتعلقة بالتشكيل “مكربجة” لكنه يأمل، رغم تفاقم العراقيل، الانفراج خلال الايام القليلة المقبلة.

 

ورغم كل ما تقدم كانت ثمة أطراف لا تزال تصرّ على الحديث عن أجواء إيجابية تغلّف جهود التشكيل، مستدركةً بالقول: “إذا حسنت النوايا فسنكون أمام الحكومة قريباً”. واستندت في ما تقول على انفراج حصل على محور العلاقة بين باسيل ودياب، وأن الجهود حققت اختراقاً على مستويات عدة، غير أنها لم تنف أن على الرئيس المكلف مهمة استرضاء بري الذي لا تزال لديه ملاحظات، لا تتعلق بتوزير الشيعة بل بأمور وتوازنات الحكومة عموماً لتقول ان عقدة دميانوس قطار حلت بالفعل.

 

غير أن مصادر أخرى جزمت أن الأزمة أساسها بين باسيل والرئيس المكلف، وأن الأمور إذا ما استمرت على تعقيدها فالاتجاه حتماً نحو تفعيل حكومة تصريف الأعمال.

 

لا شك أن الوضع الاقتصادي الحالي يدفع بفريق الأكثرية إلى عدم الإقدام على خطوة التفرد بالسلطة أو بحكومة اللون الواحد، ذلك أن أعباء ذلك وأثمانه الباهظة ستكون أكثر بكثير مما قد يجنيه من تشكيل حكومة متعددة الأطراف، على قاعدة تحمل المسؤولية الجماعية إزاء ما قد يحصل من تداعيات وتطورات، أقله على المستوى المالي والاقتصادي. ولكن فشل التشكيل نذير فشل لهذا الفريق نتيجة التباعد وانعدام الثقة، ما جعل الحديث عن عودة الحريري إلى الحكومة حاضراً باستمرار، خصوصاً وفق ما تردد عن لسان الحريري ذاته أن عودته غير مستبعدة بعد إنهاء زيارته الحالية إلى واشنطن.

 

ولعل خلاصة مسببات التعثر الحكومي، هو ما ذهب إليه أحد المطلعين بقوله: “ربما هو المعطى السليماني الذي استجد ودفع بعض الأفرقاء إلى التمهّل”!