“نحن جندك يا محمد”… “غداً عند قيام الخلافة”… “لو كانت الخلافة قائمة والمسلمون في قوتهم وعزتهم لأعلنت الحرب نصرة لرسول الله”…”حزب التحرير – ولاية لبنان”… جُمل أثارت الكثير من التساؤلات رفعتها مجموعة من المتظاهرين أمام “قصر الصنوبر” حيث تقع السفارة الفرنسية في بيروت في تظاهرة نُظمت بموافقة المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي للتنديد بالرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد، التي أيّدها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في معرض استنكاره لحادثة قتل المدرس صمويل باتي… فماذا نعرف عن هذا الحزب؟
“حزب التحرير” ليس حديث التأسيس، اذ تعود جذوره إلى العام 1952، حيث انطلق أولاً من مدينة القدس على يد القاضي الشرعي الشيخ تقي الدين نبهاني، وهو فلسطيني من مواليد قرية إجزم قضاء حيفا. حصل على تصريح بالعمل الحزبي والسياسي من قبل السلطات الأردنية آنذاك وتفرغ مؤسسه لرئاسة الحزب وإصدار الكتب والنشرات الفقهية – السياسية التي تتبنى التوجه الإسلامي الداعي إلى “تبني الإسلام كأيديولوجية لإقامة دولة الخلافة الإسلامية”. بعدها، قررت السلطات الأردنية إغلاق مكتبه واعتقال عدد من مناصريه وإعلانه حزباً محظوراً فلجأ نبهاني إلى لبنان ليطلق حزبه السياسي من بيروت.
وفي زمن الوصاية السورية على لبنان، حُظر حزب التحرير ودفع حلّه أنصاره إلى النشاط في الخفاء والسر فكانوا في أواخر التسعينات يعملون على “بث الوعي السياسي الشرعي مع بيان أولوية الواجبات الشرعية والعمل على تحقيقها” من خلال جمعية ثقافية إسمها “رابطة الوعي الثقافية” التي كانت توزع “مجلة الوعي” الدورية على سكان طرابلس وبيروت، ومن ثم عمدوا إلى صياغة بيانات توزّع باليد بين الدائرة الضيقة للمؤيدين إلى أن حصلوا مجدداً على تأشيرة العمل القانوني في عام 2006 من الوزير أحمد فتفت الذي صرّح لـ”نداء الوطن” أنه غير نادم على منحهم إياها معتبراً أنه كحزب يعمل بالسر “يمكن أن يكون أخطر بكثير من أن يعمل علناً ويصرّح سنوياً لوزارة الداخلية عن أسماء المنتسبين ومسيراته واجتماعاته”.
كل دولة… ولاية
وبما أن حزب التحرير يعتبر أي دولة ينشط فيها كـ”ولاية” يأمل أن تتّحد في دولة إسلامية كبرى، من يدخل إلى موقعه الإلكتروني الرسمي، يلاحظ أن ولاياته مقسّمة إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول في البلاد الإسلامية “إندونيسيا، ماليزيا، بنغلاديش، باكستان، أفغانستان، أوزبكستان، طاجيكستان، تركمانستان وتركيا” والقسم الثاني في البلدان العربية “العراق، سوريا، لبنان، الأردن، مصر، السودان، تونس، المغرب، فلسطين ويسمونها الأرض المباركة” والملفت أنهم ينشطون أيضاً في البلاد ذات الطابع الأفريقي كـ”كينيا وتنزانيا” ويعتبرونها تابعة للبلاد العربية. أما القسم الثالث فهو البلدان الغربية “استراليا، روسيا، أوكرانيا، ألمانيا، السويد، الدنمارك، هولندا، بلجيكا، فرنسا، بريطانيا، كندا وأميركا”. وهنا تجدر الإشارة الى أن حزب التحرير ينشط في دول تحظره مثل ليبيا والعراق ومصر وبنغلاديش، ويمارس نشاطه بشكل رسمي في لبنان والسودان وتونس. مع الإشارة إلى أن الحزب لا يفرق بين سنة وشيعة بل يعتبر ان الشيعي يتبع “المذهب الجعفري” مثل “الشافعي والحنبلي والحنفي والمالكي”.
النظرة إلى لبنان
على الرغم من وجود الحزب منذ الخمسينات إلا أنه لم يقم بأعمال عنف أو شغب، لا في لبنان ولا في الخارج، لأن في فكره السياسي “التحريري” هناك إجماع على أن العمل المادي أي السلاح مرفوض وأن طبيعة مجالس حزب التحرير “إقناعية” يغلب عليها الحوار الفكري الذي يتداخل فيه التاريخي بالواقعي بالسياسي والشرعي. ولكن منذ بدء نشاطه كان ثمة جدل واسع بحكم الأفكار التي يعتقد بها، ومنها تبنيه فكرة عودة الخلافة وعدم اعترافه بالانتخابات وبدستور أي دولة ينشط فيها إذ أنه يعتبر أن الإسلام دين ودستور بعينه، وعليه لا يؤمن بالدولة اللبنانية ككيان ذي سيادة ولا يعترف بحدوده أو بدستوره، أو برايته الوطنية أو بالتنافس القائم على الروح السياسية بين أحزاب تنشط وتؤمن بالقانون الوضعي وبمدنية الدولة. فيصف لبنان في أحد منشوراته مع توقيع “ولاية لبنان” بأنه “كيان هزيل مسمى بلداً ووطناً”!
كما يدعو لنظام حكم آخر مخالف للحكم الذي أقره الدستور اللبناني، فيقول في أحد بياناته المنشورة مع توقيع “ولاية لبنان” أنه “ليس من حلٍّ إلا بقيام تغييرٍ جذريٍّ، متمثلٍ في دولة خلافةٍ إسلامية راشدةٍ على منهاج النبوة، التي يعمل لها حزب التحرير، واصلاً ليله بنهاره، وتحرر البلاد والعباد من الكافر المستعمر وعملائه وأتباعه”. وهو ما يخرق بوضوح المادة 301 من قانون العقوبات التي تنص على أنه “يعاقب على الاعتداء الذي يستهدف تغيير دستور الدولة بطرق غير مشروعة بالاعتقال الموقت خمس سنوات على الأقل. وتكون العقوبة الاعتقال المؤبد إذا لجأ الفاعل إلى العنف”. كما يناقض المادة 270 من قانون العقوبات التي تؤكد أن “الاعتداء على أمن الدولة يعتبر تاماً، سواء كان الفعل المؤلف للجريمة تاماً أو ناقصاً”.
ورداً على استنكار الناس على كلمة “ولاية لبنان” كتب حزب التحرير في بيان صحافي نشره على صفحته في فيسبوك أنه و”بشكلٍ واضحٍ لا لبس فيه، نعم هذه البقعة جزءٌ من بلاد المسلمين، وستبقى كذلك، حَكَمَها المسلمون، وعاش تحت حكمهم غيرُ المسلمين، ولن يطمس هويتَها بعضُ من طرأوا عليها بسبب ظروف الاستعمار وضعف دولة الإسلام – الخلافة – في حينها، واستغلال العدو ذاته، فرنسا ومن حالفها من المستعمرين، ظروفَ الضعف تلك، لإنشاء كيان لبنان بصفته الحالية” علماً أن في هذا الكلام بحد ذاته خرقاً للمادة 317 من قانون العقوبات الذي ينص تحت عنوان “الجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية أو تعكّر الصفاء بين عناصر الأمة” أن “كل عمل وكل كتابة وكل خطاب يقصد منها أو تنتج منها إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحضّ على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة يعاقب عليها بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة”.
أما لجهة رايته السوداء التي ربط بعض الذين لا يعلمون أنها “راية النبي” بينها وبين تنظيم داعش، رد حزب التحرير رداً يظهر بوضوح أنه لا يعترف بالراية اللبنانية ويعتبرها “خِرقة” إذ قال في منشوره “هذه الراية واللواء وُجدا قبل خِرقِهم المسماة أعلاماً، والتي يعلم القاصي والداني أنَّ من رسمها وخطها بيده هو الكافر المستعمر، وقَسَّمَ البلاد والعباد على أساسها”.
وكل ما سبق مما يطرحه من أفكار، على الرغم من عدم عنفيتها، إلا أنها تخالف الشرائع التي بني عليها لبنان كوطن، فالغاية من تأسيس حزب التحرير تتمحور حول مخالفة الشرائع اللبنانية وطرح تطبيق الشريعة الإسلامية كحل للأزمات التي تمر بها البلاد إقتصادياً، إجتماعياً مالياً وسياسياً. وهنا لا بد من الإشارة إلى المادة 109 من قانون العقوبات التي تعطي السلطات المعنية حق “حل كل نقابة وكل شركة أو جمعية وكل هيئة معنوية ما خلا الإدارات العامة إذا لم تتقيد بموجبات التأسيس القانونية أو إذا كانت الغاية من تأسيسها مخالفة للشرائع أو كانت تستهدف في الواقع مثل هذه الغاية” وعليه نسأل هل من الطبيعي أن يكون الحزب قانونياً؟ وماذا عن حرية الإعتقاد؟
حول قانونيته
أكد المكتب الإعلامي لوزارة الداخلية لـ”نداء الوطن” أن حزب التحرير بحكم المنحلّ منذ سنة 2011 مع الوزير السابق زياد بارود. ولكن عندما تواصلنا مع الوزير بارود تبين لنا أن الموضوع أكثر تعقيداً من ذلك، وبحسب بارود” في أواخر العام 2010 تلقى تقريرين أمنيين رسميين من فرع المعلومات ومن مخابرات الجيش اللبناني فيهما من المعلومات الأمنية ما يدعو إلى حلّه كلياً” إذ أنه وبحسب الوزير قد “ارتكب كحزب مرخص جملة من المخالفات التي تتنافى وقوانين الجمعيات العمومية وقانون العقوبات ومنها ما هو مخالف لمبادئ الدولة المدنية. كما أنه جهز الملف بشكل لا يمكن للحزب بالطعن في قرار حظره ما إذا لو اتخذ”. ويكمل “إلا أن حل أي حزب أو جمعية يتطلب قراراً من مجلس الوزراء وقد وضع على جدول أعمال إحدى الجلسات حينها إلا أنه قد تم إرجاء البت فيه، وبالتالي لم يتم حله كحزب وعمله لا يزال ضمن الإطار القانوني بالرغم من وجود الملف الكامل الذي، وبالإستناد إلى القوانين، عليه أن يتم حظره”.
من جهته يشرح المسؤول الإعلامي لحزب التحرير في لبنان عبد اللطيف الداعوق أن “عملهم قانوني، وأن الحدث الذي أدى إلى بلبلة إعلامية ضغطت على وزارة الداخلية كي يتم حلّ حزبهم قد جرى سنة 2010 عندما أقاموا مؤتمراً إعلامياً عالمياً لـ”مناسبة الذكرى الأليمة التاسعة والثمانين لهدم الخلافة الإسلامية” الأمر الذي أشعل مخاوف لدى البعض فطُرح على طاولة مجلس الوزراء أنه سيوقَف لكن العنوان لم يكن سبباً كافياً لمنعه من الإنعقاد ولم يكن هناك مسوّغ قانوني كاف لتوقيفه، كون الحزب يعمل ضمن الأطر القانونية والسلمية، فإن حقه في التنظم وفي نشر فكره ورؤاه وفي عقد اجتماع أو مؤتمر هو حق مُصان، بخاصة أن أعضاءه لم يمارسوا العنف يوماً ولم يلجأوا للإكراه”.
ويقول الداعوق “إن حزب التحرير لا يخفي أن فكره وفلسفته ومناهجه وأهدافه تدعو صراحةً إلى إقامة دولة الخلافة، ولا يعمل من أجلها سرياً، وإنما أعلنها وحصل بها على رخصة قانونية”. ورداً على ربط التحرك بأنها تنفيذ لأجندة تركية، قال “هناك أنصار لحزب التحرير في سجون أردوغان وأن هذا الإتهام عار عن الصحة وأن الحزب لا يتبع لدولةٍ أو جهةٍ أو جهاز” مؤكداً أن العنف مرفوض وأن أساس الفكر الحزبي يكون من خلال “بث الوعي السياسي الشرعي ومن ينتسب للحزب يمر بحلقة فكرية لمدة سنة وهو ما يختلف عن الأحزاب اللبنانية مثلاً لناحية أنها لا تقدم ثقافة وايديولوجيا أو فقهاً سياسياً بل هي مبنية إما على الطائفية أو على الزعامة”.