IMLebanon

الطريق الجديدة: فرحة سقوط الأسد تنغصها خشية على الاستقرار

 

يُشبه الدخول إلى المقهى القديم في الطريق الجديدة النبش في التّاريخ. كلّ شيء في الدّاخل يُعيد الزائر عقوداً إلى الوراء. الكراسي الخشبيّة المصنوعة مقاعدها من القش، والطاولات المربّعة التي احتفظت بلون الخشب المعتّق، فيما المذياع المتربّع على الرفّ العلوي يكاد ينطق «هُنا لندن».

يليق الديكور المتروك على قدمه بروّاد المقهى الذين تجاوز معظمهم السبعين. تقاعد نهاية الخدمة يعني فعلياً التردّد يومياً على «القهوة». في كلّ صباح يتجمّعون هنا، في موعدٍ ثابت لا يبدّله شيء. يشربون القهوة ويلعبون «دق طاولة» أو «دق ورق»، قبل أن يعود كلّ منهم إلى منزله ظهراً. الأصوات العالية لا تعني أن إشكالاً سيقع، فهؤلاء اعتادوا الخناق اليومي، في اللعب كما في النقاشات السياسيّة. يُعيدهم إسقاط الرئيس بشّار الاسد عقوداً إلى الوراء. شيءٌ من الفرح يغمر وجه «أبو شفيق» لدى تكرار رفيقه «أبو عمر» أنّ الأسد رحل، ومع ذلك يُكرّر هؤلاء تخوّفهم من السيناريوهات التي ستلي، إذ إنّ ذاكرتهم تحيلهم إلى زمن الانقلابات المتتالية في سوريا، قبل أن يستقرّ «البعث» على كرسي الحكم لخمسين عاماً ونيف.

 

بين «أبو شفيق» وحكم الأسد سنوات من النّضال حينما حمل بندقيّته الأولى في السبعينيات. يسرح الرّجل السبعيني في السنوات التي مضت. لا يزال يذكر جيّداً مقر «حركة فتح» في الفاكهاني، حيث كان يقطن. «ذاكرةٌ مريرة» من دخول قوّات الردع العربيّة إلى لبنان، قبل أن تتركها الجيوش العربيّة واحدة تلو أخرى حتى أصبحت قوات الردع السورية فقط. في ذلك الحين، كانت الطريق الجديدة، في معظمها، «مرابطون»، تسير خلف إبراهيم قليلات. «كان أبو شاكر مقصدنا، لأنّه منّا وفينا، وكنّا نحن أبناء المنطقة أهدافاً للقوّات السوريّة التي نكّلت بنا، قبل أن يخرج ياسر عرفات من الفاكهاني، ومعه أبو شاكر».

أحلام طريق الجديدة، كادت أن تنتهي في حينه، قبل أن ينفض الرئيس رفيق الحريري الغبار عنها. الرّجل الحالم أعاد طموحات أبناء المنطقة، وإن ليس على طريقة «أبو شاكر». «مع أبو بهاء عشنا لحظات مختلفة، هي لحظات السلم وإعادة الإعمار، ومعهما تعويم السنيّة السياسيّة التي عشنا في كنفها».

يوافق الموجودون في المقهى الخشبي على ما يقوله «أبو شفيق»، بأنّ «الحريري سعى إلى دولةٍ عادلة لجميع طوائفها، من دون أن يكون هناك استثناء للسنّة فيها». ومع ذلك «ما خلّوه السوريين يشتغل». يعود هؤلاء بالذاكرة إلى عام 2000 حينما ترك «أبو بهاء» كلّ شيء خلفه ورحل بعد تضييقات النّظام السوري، ولأنّ الاتفاق السياسي معه صار مستحيلاً.

«كنا ندرك كلّ ذلك، ولكن كان الأمل بمسيرة الحريري كبيراً»، يقول «أبو أحمد»، قبل أن يقاطعه بعض الجالسين، إنّ «زمن الحريري كان أفضل من غيره، ولكنّه لم يكن على قدر التطلّعات»، ليُبرّر بعضهم بأنّ «العوائق كانت من الشام»، قبل أن «يقصم النظام ظهرنا باغتيال أبو بهاء». التعويض الذي جاءهم من نجله، سعد، لم يكن بأفضل حال، «بعدما وقفت دمشق حجر عثرة في طريقه، ولم تغير السين سين شيئاً من الحقد على آل الحريري، حتّى اعتكف سعد في ظل التطورات الإقليمية».

كلّ هذا «الاستضعاف السوري لأبناء الطائفة السنيّة في لبنان وسوريا»، بالنسبة إليهم، يبرر فرحهم بسقوط النظام بسبب ارتكابات رجالاته على مرّ السنوات، من المقاومة وصولاً إلى الحريري الأب. ومع ذلك، لا يعني لهؤلاء كثيراً ما إذا كانت «السنيّة السياسيّة» ستستعيد دمشق. بالنسبة إليهم «الاستقرار هو الأهم لأن الناس تعبت».