تتعامل القوى السياسية بلا مسؤولية مع مسألة مهمة كإيجاد قانون جديد للانتخابات النيابية. الوقت يمر وأفكار القوانين تسقط الواحدة تلو الأخرى. مقابل هذا التعنّت، برزت مبادرة جديدة لرئيس الجمهورية تدعو إلى إجراء استفتاء شعبي لاختيار القانون
الأزمة التي تصيب البلاد جرّاء الاستعصاء في الاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية باتت على قدرٍ كبير من الخطورة. ثماني سنوات مرّت وعشرات مشاريع القوانين مُكدّسة على طاولة المشرعين، من دون أن يتمكنوا من التوصل إلى اتفاق.
المبادرات الأخيرة التي طُرحت، حتى الجدية منها، «تتساقط الواحدة تلو الأخرى»، بحسب مصدر من اللجنة الرباعية التي تجتمع للتوصل إلى قانون جديد. دخل لبنان في النفق، إلى حدّ تهديد رئيس الجمهورية ميشال عون بالفراغ النيابي. من يعرف عقل عون يقُلْ إنّ كلامه «أكثر من جدّي»، وإن دلّ على شيء فعلى عمق الأزمة التي أوصلنا إليها ممثلو القوى السياسية. لا يُمكن العودة إلى القانون النافذ بعد أن ذهب عون بعيداً في التصويب ضدّه، والمسؤولون يعجزون عن إيجاد صيغة توافقية تراعي هواجسهم جميعاً، فيكون البلد وجهاً لوجه مع أزمة دستورية لا يُعرف السبيل إلى الخروج منها.
عام 2008 وافق الجميع على إنجاز قانون في المرة المقبلة على
أساس النسبية
أمام هذا الواقع الذي يُمكن وصفه بالمأسوي، كسر عون من جديد حالة الجمود، طارحاً مبادرة تنص على إجراء استفتاء شعبي لاختيار القانون الانتخابي الأنسب، «ذلك أن لا مانع في الدستور أو القانون يحول دونه، وليس من مانع لأي حل يقرره ويعتمده الشعب الذي هو مصدر السلطات. وهناك غيره من الحلول أيضاً». طرحُ رئيس الجمهورية غير مألوف محلياً، حيث لم يجرِ في تاريخ لبنان أيّ استفتاء. حتى في مرحلة تغيير الدستور بعد اتفاق الطائف، لم يؤخذ برأي الشعب، إضافة إلى أنه لا توجد آلية دستورية لتنظيم الاستفتاء.
مصادر في تكتل التغيير والإصلاح تقول إنّ المبادرة غير منسّقة مع أيّ من القوى السياسية، «الجنرال دائماً صاحب المبادرات المفاجئة والجريئة». أقدم على هذه الخطوة بعدما تبيّن «عملياً أنّنا وصلنا إلى حائط مسدود في التوصل إلى قانون جديد، فلنُقدّم الخيارات إلى الناس لتختار». تُشبّه المصادر هذه المبادرة «بطرح عون سابقاً انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب».
كلام رئيس الجمهورية جاء خلال استقباله نقيب المحررين الياس عون على رأس مجلس النقابة، الذي هنّأه بانتخابه، فسأل «كيف يمكن أن نعمّر مجتمعاً مستقراً في ظل انتفاء مثل هذه الإرادة لإنجاز قانون انتخابي؟ ولماذا تأخذ الأكثرية في المتن، على سبيل المثال، ثمانية نواب بفارق صوت واحد، وماذا عن الآخرين؟ منذ اتفاق الدوحة، طالبنا بالنسبية، فلم نتمكن من أن نأخذ حقاً أو باطلاً. وفي 2008 قلنا إن الشرط الأساسي أن ننجز قانوناً في المرة المقبلة على أساس النسبية، وقد وافق الجميع. ومرّت ثمانية أعوام ولم يتمكنوا من إنجاز قانون انتخابات، فهل نمدد لهم أربع سنوات جديدة؟».
وأعاد التذكير بتلويحه بالفراغ النيابي، «قلنا لا تخيفونا من الفراغ لأن لدينا البدائل. ونحن نقول لا يجوز أن نصل إلى الفراغ مرة ثالثة، لأنه إذ ذاك ماذا يبقى من ديمقراطيتنا؟». ونصح الذين انتقدوا موقفه بأنّ «القانون الذي ترفضونه اليوم قد يكون لمصلحتكم غداً، وأن التبدل في بعض المقاعد قد يربح استقراراً للمجتمع، وإلا فلا نكون مؤمنين بالديموقراطية وبإمكان التغيير».
(الأخبار)