غاب المسؤولون في اجازاتهم لكن ملائكتهم بقيت حاضرة، وكأن لا مشاريع مصالحة أو مهادنة أو توافق على مصلحة وطنية عامة توجب على الجميع التنازل من اجل خير الوطن والمواطن، فالايجابية التي سادت مطلع الاسبوع وقبيل سفر المسؤولين في اجازاتهم بدّدتها السجالات النارية بين طرفي مشروع المصالحة القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر ما أعاد أزمة تشكيل الحكومة الى تعقيداتها، خصوصا ان هذا التصعيد أتى بعيد زيارة زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الى القصر الجمهوري في بعبدا ومغادرته من دون اي تنازل او تسوية على المقعد الدرزي الثالث.
واللافت امس كان موقف وزير المال علي حسن خليل الذي قال ان لا مصلحة لاحد بألا يكون هناك حكومة حقيقية قادرة، ونحن كحركة أمل قدمنا اقصى ما يمكن ان يقدمه طرف سياسي بالعمل السياسي اللبناني وبالشعارات التي ترفع، ونحن لنا أكثر بكثير مما قبلنا به في الحكومة، فوقائع الانتخابات تقول هذا الامر من الناحية العددية والطائفية، ولكننا لم نرفع السقوف لاننا ظننا بأن المعنيين بالتأليف لديهم الحس الوطني لمواجهة التحديات في ما يتعلق بحاجة الناس ومتطلبات كل القطاعات، لان الامر لم يعد يحتمل ترف شعارات متناقضة بين القوى السياسية، ورفع سقوف من اجل الشعبية او زيادة الحصة المرتجاة في الحكومة. ان العقلية التي يدار بها ملف تشكيل الحكومة لا توحي بالثقة وبخلق مناخ جديد لانقاذ الوطن، لهذا نقول كما قال الرئيس بري: قدمنا ما علينا ولا تجعلونا نعيد الحسابات ونطرح الموضوع على اساس القواعد التي وضعتموها، لان ما نريده هو الخروج من المأزق الحقيقي الذي نعيشه ونمر به.
سجال باسيل – حاصباني
وكان رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل قال في مقابلة تلفزيونية
كلاما عن تفاهم معراب وعن حصة القوات اللبنانية الحكومية وعن أداء وزرائها في الفترة الماضية، وغادر الى ايطاليا. الا ان مواقفه التي لم تخل من الانتقاد، على رغم الهدنة المعلنة بين الحزبين المسيحيين- حيث رأى ان القوات تتعاطى مع تفاهم معراب وكأنه لائحة طعام وألمح الى انها لم تدعم العهد كما يجب، وأن حصتها الوزارية يجب ان تكون 3 حقائب- لم تمر بسلاسة في الاوساط القواتية. وقد استدعت موقفا عالي السقف من نائب رئيس الحكومة وزير الصحة غسان حاصباني، الذي قال، ردّا على تصويب باسيل على أداء وزراء القوات: لا أدري بأي كوكب موجود الوزير جبران باسيل لكي لا يرى عملنا ولن نخبره كل يوم بما نقوم به. مضيفا كفانا تضييعًا للرأي العام وتهويلا عليه، إذ علينا العمل بطريقة علمية والقول بصراحة أين هي الإنجازات التي أنجزتها الوزارات الأخرى التي كان يجب أن تنجز بالأثر البيئي والنفايات والإقتصاد وبالعمل الجدي على مكافحة الفساد وغير ذلك..
وفي وقت أبدت مصادر سياسية قلقها من أن يقضي هذا التصعيد على مسار ترميم العلاقة بين التيار والقوات الذي لم ينطلق بعد، توقعت في المقابل ان يبقى ما جرى محدودا في إطاره، الا انها نبهت الى ضرورة التزام الجانبين بالتهدئة، والا فإن الجهود لرأب الصدع لن تتمكن من تحقيق اي تقدم.
وكان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أكد خلال عشاء اقامته دائرة المصارف في مصلحة النقابات في القوات في معراب، ان الناس منحونا ثقتهم لانهم يشعرون انه صار بدّا، وعلى هذا الاساس سنتصرّف لانو صار بدّا ولازم نكون قدّا ورح نكون قدّا. فبالنسبة الينا وبخلاف ما يظنه الكثيرون ان مشاركتنا في الحكومة مرتبطة بفعالية وجودنا فيها وقدرتنا على التغيير والدليل الى ذلك اننا لم نتنطح يوماً او نقاتل من اجل الدخول إلى اي حكومة، منذ 13 عاماً حتى اليوم، لا بل بالعكس تماماً حيث كان يُطلَب منا المشاركة وكنا نرفض ذلك، فنحن ان وجدنا اننا لن نكون فاعلين او قادرين على التغيير في الحكومة العتيدة فلا فائدة من مشاركتنا وما نصارع من اجله اليوم ليس حجم الحصة الوزارية التي سنحصل عليها وإنما من اجل ان نستطيع ان نكون قدّا.
وبينما الرئيس المكلف سعد الحريري، كما باسيل، يمضي اجازة عائلية في ايطاليا، لم يكن خصومه السياسيون في إجازة، بل استمروا في رفع سقوف مطالبهم أمامه. وفي السياق، أكد اللقاء التشاوري للنواب السنّة بعد اجتماع له الحق بأن يتمثل النواب السنة المستقلون في حكومة الوحدة الوطنية، تكريسا لفكرة الوحدة الوطنية اولا، ثم لضرورة التوازن النسبي ضمن الطوائف وفق نتائج الانتخابات. وقال النائب فيصل كرامي نحن اليوم 6 نواب نجتمع في اطار لقاء دوري وتشاوري ونحن موجودون ونطالب بالتمثيل بوزيرين يمثلان النواب ال10 خارج تيار المستقبل. واذ يعقد اللقاء اجتماعا جديدا له الثلاثاء المقبل في مجلس النواب، بحسب ما اعلن النائب عبد الرحيم مراد، أوضح الاخير اننا نطالب بان نتمثّل في الحكومة بوزير، باعتبار ان الرئيس المكلّف قال ان مجموعنا 6 نواب وليس عشرة، ما يعني ان من حقّنا ان نتمثّل بوزير يختاره الرئيس الحريري من بين النواب الستة، ويكون ممثلنا في الحكومة.
في الموازاة، استمرت الحركة السنية الرافضة المس بصلاحيات رئيس الحكومة مسجّلة مواقف لافتة من عملية التأليف. فبعد اجتماع له في دار الفتوى برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، اكد مجلس المفتين أن تأخير تشكيل الحكومة مرده الى إيجاد أعراف مصطنعة تتناقض مع وثيقة الوفاق الوطني والتي أضحت دستورا اجمع عليه اللبنانيون. واكد ضرورة التزام كل الأفرقاء اتفاق الطائف وعدم إيجاد أعراف تعوق تشكيل الحكومة والنهوض بمؤسسات الدولة التي ينتظرها اللبنانيون لإيجاد حلول سريعة للازمات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية. وطالب المجلس بالحفاظ على صلاحيات السلطتين التنفيذية والتشريعية وتأكيد مداورة الوزارات والفئات الأولى من خلال مجلس الوزراء وبرعاية رئيس الجمهورية الذي هو حكم بتوازن السلطات والمؤتمن على حسن تطبيق الدستور. ونبه الى خطورة المس بصلاحيات رئيس مجلس الوزراء المخول دستوريا تشكيل الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية بعد استشارات غير ملزمة يجريها الرئيس المكلف مع الكتل النيابية لتشكيل الحكومة.